إدارة ترامب قد تقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب

إدارة ترامب قد تقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب

يستعد الشرق الأوسط راهناً للتعامل مع رئيس أميركي جديد مقبل، والذي يبدو أنه عاقد العزم على إعادة ترتيب ميزان القوى هناك بشكل كبير، ممهداً بذلك لحالة جديدة من عدم اليقين، وربما لموجة اضطرابات جديدة في جزء من العالم تستعر فيه حروب متعددة من الأساس.
كانت العديد من التصريحات التي أدلى بها الرئيس المنتخب دونالد ترامب في سياق حملته الانتخابية تتسم بالغموض والتناقض الشديدين، إلى درجة أن حكومات ومحللين يحاولون معرفة أي منها كان يقصدها فعلاً، وكيف سيكون قادراً على تنفيذها كلها.
وفقاً للأكثر ثباتاً من تصريحاته، وطبقاً لمحادثات أجراها مستشاروه مع محللين ومسؤولين، سوف يسعى ترامب إلى إعادة تعديل كبيرة للنظام القائم حالياً في الشرق الأوسط -لصالح روسيا، بعيداً عن إيران الشيعية، وفيما يعود بالفائدة على تركيا ودول الخليج العربية السنية.
لا تختلف بعض أهدافه المعلنة كثيراً عن سياسات إدارة أوباما التي تمت تنحيتها جانباً أو لم تجد طريقها للوفاء بها، لأنها أثبتت أنها صعبة جداً على الإنجاز -مثل الدفع الفاشل نحو التعاون مع روسيا ضد المجموعات الإرهابية في سورية، وتوقع أن تفعل الدول العربية أكثر وأن تدفع أكثر في مقابل الأمن الإقليمي.
وثمة أهداف أخرى تؤشر على اختلاف رئيسي، خاصة التهديدات بالتنصل من الصفقة النووية الإيرانية التي شكلت إنجاز الرئيس أوباما الرئيسي في السياسة الخارجية، والاقتراحات حول قطع ترامب الدعم عن الثوار السوريين وعن اصطفاف الولايات المتحدة مع حكومة الرئيس بشار الأسد.
وفي الأثناء، عرض الهجوم الكاسح الذي شنه أسطول من السفن الحربية الروسية التي تجمعت مجدداً في شرقي البحر الأبيض المتوسط على الأراضي التي يسيطر عليها الثوار، عينة لما قد يحدث في مستقبل الأيام. وقد جاءت هذه الهجمات بعد ساعات من تحدث ترامب على الهاتف لأول مرة مع الرئيس فلاديمير بوتين، حول البحث عن السبل التي يمكن من خلالها تحسين العلاقات الأميركية-الروسية، بما في ذلك التوصل إلى تسوية للأزمة في سورية، والتي من المرجح أن تطلق يد روسيا لسحق الثورة المناهضة لحكم الرئيس الأسد.
لكن هناك مواقف أخرى عصية على التوفيق، مثل وعود ترامب بفعل المزيد من أجل قتال “داعش”، بينما يتعهد أيضاً بالمزيد من فك ارتباط الولايات المتحدة بالمغامرات في الخارج. فهل سيكون ترامب انعزالياً، متابعاً غرائز أوباما الكارهة للمخاطرة؟ أم هل سيكون تدخلياً، وأقرب إلى قالب جورج دبليو بوش الذي أخذت حربه العالمية على الإرهاب الولايات المتحدة إلى أتون حربين في أفغانستان والعراق؟
يتنبأ تيودور كاراسيك، المستشار الرفيع في مؤسسة تحليلات دول الخليج التي تتخذ من واشنطن مركزاً لها، والذي كان قد بحث مستقبل المنطقة مع مستشاري ترامب في الشهور الأخيرة، أن ترامب سيكون قليلاً من الاثنين، لكنه سيكون مختلفاً بشكل كبير أيضاً. وقال إن أولوية ترامب الرئيسية تكمن في قتال “داعش” بينما يتم إسناد باقي أمن المنطقة إلى روسيا والدول العربية.
وقال أيضاً: “ثمة إمكانية لعامل فوضى… لكن الفكرة الآن تتركز على خلخلة وهز ترتيب الدول-الأمم في المنطقة بغية المضي قدماً والسماح لها بحراسة نفسها بنفسها”.
وأضاف كاراسيك أن كلمات مثل “معتدل” و”ديمقراطي” لا تجد لها مكاناً في قاموس الشرق الأوسط في إدارة ترامب. وقال: “نحن الآن منخرطون في السياسة الواقعية”.
وهذه أخبار تلقى الترحيب لدى الرجال الأقوياء في المنطقة، الذين كانت لمعظمهم علاقات هشة مع إدارة أوباما. وقد أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي بانتخاب ترامب واعتبراه فرصة لإعادة تشكيل علاقاتهما المتوترة مع واشنطن.
أما السعودية والدول العربية السنية في الخليج، فتشعر في معظمها بالارتياح لعودة رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض، على الرغم من إبدائها تحفظات أولية بسبب وجهات نظر ترامب عن المسلمين. ويقول محللون في المنطقة إن هذه الدول تأمل في أن يكون تعامل ترامب مع إيران أشد مما كان تعامل سلفه أوباما معها.
وقال الدبلوماسي السعودي السابق والمحلل عبد الله الشمري: “من المؤكد أننا لا نتوقع من السيد ترامب أن يكون أسوأ مما كان عليه السيد أوباما”. وأضاف أن معظم أعضاء العائلة المالكة “سعيدون بالنتيجة. فنحن أقرب إلى الجمهوريين نفسياً”.
من جهتها، تشعر حكومة الأسد بالابتهاج الشديد لانتخاب ترامب بسبب تعهداته بالانضمام إلى روسيا في الوقوف ضد “داعش” والثوار السوريين، وفقا لما قاله بسام عبد الله، الأستاذ في جامعة دمشق والذي يؤيد الرئيس الأسد. والتوقع السائد في دمشق الآن هو أن واشنطن ستنقطع عن تقديم الدعم للثوار السوريين، ثم ستنضم إلى روسيا في قصفهم وربما في استعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، كما قال السيد عبد الله. وأضاف: “قطعاً هذا جيد لسورية… إنه يعني أن الولايات المتحدة لن تتطلع إلى تغيير النظام”.
وقال بسام بارابندي الذي يعمل مع المعارضة السورية في واشنطن، وكان قد اجتمع مع مستشاري ترامب، إنه حتى الثوار السوريين، الذين يبدون أنهم خاسرون كبار، يجدون سلوى في الطائفة الواسعة والعريضة من الآراء التي أعرب عنها مستشاروه. وتعد فرصة التعاون مع روسيا بالنسبة للعديد من الجمهوريين في الولايات المتحدة بمثابة شيء محرم، كما تم الإعراب عن ذلك على لسان السناتور جون مكين (من أريزونا) يوم انتخاب ترامب، والذي وصف أي محاولة لإعادة ترتيب العلاقات بأنها “ثمن غير مقبول لأمة عظيمة”.
وقال بارابندي إن الكثير سوف يعتمد على من سيختارهم ترامب لتولي المناصب في إدارته. فبعض أعضاء دائرته الداخلية كانوا صقريين حول روسيا وآخرون كانوا صقريين بخصوص سورية، بمن فيهم نائب الرئيس المنتخب، مايك بينس، الذي يقود فريق ترامب الانتقالي والذي اقترح إقامة منطقة حظر طيران في سورية؛ وستيفان هادلي، الذي دافع عن استخدام صواريخ الكروز للجم الأسد.
على الرغم من أن ترامب استبعد الثوار السوريين واعتبرهم “أسوأ من الشعب”، فإن المعارضة السورية تأمل في جلبه إلى وجهة نظر الإدارة الراهنة، القائمة على أن المعارضة السورية تخدم في مواجهة نفوذ وسطوة المتطرفين في مناطق لم يعد الأسد يسيطر عليها.
وقال بارابندي: “تعد الحرب على الإرهاب مهمة جداً بالنسبة لترامب، ولا أشعر أن سياسته الخارجية ستكون مختلفة جداً عن سياسة أوباما الخارجية. إنه ليس تدخلياً. وهو شبيه جداً بأوباما، وإنما بطريقة مختلفة. إن لأوباما فلسفته الخاصة. وترامب رجل أعمال وهو يتطلع إلى المكان الذي يستطيع معه توفير أموال”.
سوف يشكل تنفيذ كل هذه الأهداف وإرضاء كل هذه التوقعات من دون خوض صراعات جديدة وربما توريط الولايات المتحدة حتى أكثر عمقاً في منافسات المنطقة، سيشكل ذلك تحدياً.
إن إيران هي أقرب حلفاء الأسد في الحرب ضد الثوار السوريين، وهي التي تقدم له جل القوات البرية التي تتصدى للثورة المعادية لنظامه. وجيش الأسد آخذ في النضوب ولا يوجد لروسيا قوات برية على الأرض. ولذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران، وحزب الله اللبناني، ستكونان هما اللتان تنتقلان إلى أي مناطق يعيد النظام غزوها، كما قال أندرو تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولذلك تساءل تابلر، كيف يكون لإدارة ترامب التي تريد أن تلجم النفوذ الإيراني أن تتحالف أيضاً على نحو أوثق مع روسيا والأسد من دون تمكين إيران؟
وقال تابلر: “لا أرى كيف يمكنك فعل ذلك. إنها ضمن مجموعة التناقضات في تصريحاته، والتي لا أرى أنها قيد الحل”.
من جهته، أصدر رجل الدين الشيعي العراقي المعادي لأميركا، مقتدى الصدر، والذي قاتلت ميليشياته ذات مرة القوات الأميركية، تحذيراً مبطناً بذلك المعنى في الأسبوع الماضي. وأعلن “العداء الأبدي” تجاه ترامب، مديناً موقف الرئيس الأميركي المنتخب من المسلمين وحثه على التقيد بالتزامات الولايات المتحدة الدولية.
وقال في تصريح له: “إنه لا يعرف أن تطرفه سيفضي إلى تطرف أيضاً”. وإذا غيرت الولايات المتحدة سياساتها “فلن نسكت وسوف نقاومها كما فعلنا من قبل”.
وبالمثل، فإن التوقعات التركية بأن إدارة ترامب ستعكس وجهة اعتماد إدارة أوباما على الأكراد السوريين من أجل قتال “داعش” قد يفضي إلى رفع بعض العوائق في الحرب، لكنه سيفضي أيضاً إلى الزج بعوائق جديدة لأن الأكراد السوريين يسيطرون على معظم خط المواجهة ضد المتشددين في سورية.
يقول عماد سلامة من الجامعة الأميركية اللبنانية في بيروت إن التوفيق بين كل هذه الأهداف المتضاربة ليس بالأمر المستحيل. وقال إن ترامب قد يأتي بمصالحة بين تركيا والأكراد. وإذا وقفت إدارة ترامب ضد التوسع العسكري الإيراني في سورية واليمن والبحرين، فإنها تستطيع إقناع السعودية بالتنازل للأسد في سورية والخروج بمصالحة إقليمية أوسع.
لكن جمال خاشقجي، الصحفي والمعلق السعودي، وصف ذلك بأنه ضرب من الأمنيات، والذي يتعارض مع تصميم ترامب الظاهر على التحالف على نحو أوثق مع روسيا.
وقال: “عندما يعرض عليه مستشاروه الخريطة، هل سيدرك أن دعم بوتين يعني دعم الأجندة الإيرانية؟ هذا ما تهتم به السعودية، وقف الهيمنة الإيرانية”.
ربما يكون الخاسر الأكبر في كل ذلك هم الناس العاديون الذين ما يزالون يتطلعون إلى مزيد من الديمقراطية في المنطقة.
وقال أحمد صالح، المهندس الذي سبق وأن شارك في انتفاضة العام 2011 في مصر: “بالنسبة لنا، فإن انتخاب ترامب مثل رياح الشتاء”. وتساءل: “كيف لك أن تأمل بالحرية عندما لا يكون أقوى رجل في العالم يؤمن بديمقراطيتنا؟

ليز سلاي

صحيفة الغد