لماذا يعد السلوك الإيراني أخطر من السلاح النووي؟

لماذا يعد السلوك الإيراني أخطر من السلاح النووي؟

جاءت دعوة الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية للرئيس الجدلي المنتخب دونالد ترامب حول ضرورة المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران في سياق طويل من رؤيته حول ضرورة التعامل مع الخطر الإيراني من زاوية أخرى تتمثل في تطوير مشاريع نووية تضطلع بها دول الخليج وعلى رأسها المملكة، الأمير قبل تصريحه للرئاسة ألقى محاضرة عن مستقبل العالم العربي في ضوء المتغيرات، في جامعة الملك سعود، وشدد فيها الأمير على ضرورة تعاون دول الخليج لمواجهة مشروع إيران لتطوير السلاح النووي، وتطوير قدراتها الذاتية في مجال البحوث النووية، مؤكدًا أن ما قامت به السعودية من إنشاء منظومة للصناعات النووية خلال العشرين سنة المقبلة، أمر حيوي وملح، مؤكدًا خطورة سعي إيران للهيمنة السياسية على المنطقة، وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية ونشر أفكارها الطائفية، ومحاولة تصدير أزماتها إلى البلدان العربية، ودعمها للإرهاب الطائفي.

والحال أن قراءة التصريح في سياقه السياسي تصب في صالح الضغط على التمدد الإيراني، فلا يشكل الاتفاق النووي عذرًا في إطلاق اليد لملالي إيران في المنطقة، فهو لم يكن مجرد هدية أوبامية كما يتردد، بل يمكن القول إنه جاء في سياق رؤية جديدة للإدارة الأميركية التي تفكر في تحقيق مصالحها في المنطقة مع ضمانة منع إيران من امتلاك السلاح النووي طيلة فترة الاتفاق المقدرة بخمس عشرة سنة وبرقابة دولية.
إشكالية الاتفاق النووي من زاوية أميركية ضيقة هي النظر إلى إعادة فتح أسواق إيران أمام الشركات العملاقة وما تمثله من إنعاش للاقتصاد الإيراني، وبالتالي الضغط على المحافظين والمتشددين، وهو أمر يتردد عادة في تبرير تغير الموقف الأميركي، في محاولة لتضخيم تأثيرات انتعاش الأسواق الإيرانية على خنق تيار الصقور، إلا أن المسكوت عنه هو أن الاتفاق النووي من جهة أخرى اعتراف بحجم إيران وتأثيرها في المنطقة ورغبة أميركية حفزها تولي أوباما في التخفف من ضغط ملفات المنطقة وتقليص حجم التدخل العسكري الأميركي إلى أقصى حدوده.

النقطة التي لا تذكر عادة في مسألة الاتفاق النووي أنه اكتسب صفة الإطلاقية بانتقاله من اتفاق أميركي إيراني إلى اتفاق دولي بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يلزم باقي الدول الخمس، روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما أن التفريط من قبل ترامب في الاتفاق ومراقبة السلوك النووي الإيراني هو من جهة ثانية إعطاء مبرر لنظام طهران في تطوير برنامج نووي وتخصيب أكبر قدر من اليورانيوم وإطلاق اليد للعبث بالمنطقة، فإشكالية العالم وعلى مقدمتهم دول الخليج أكبر من القضية النووية.. إنها قضية سلوك عدائي وتدخلات سيادية وتصدير لمشاريع الدولة داخل الدولة كما هو الحال مع تجربة «حزب الله» اللبناني.

الإشكالية الحقيقية فيما يخص المجتمع الدولي والولايات المتحدة مع إيران أنها عادة ما تتطلب اشتراطات أقل تشددًا من الأطراف الإقليمية في المنطقة، وعلى رأسها إيقاف العبث والتدخلات المعادية في دول تتمتع بسيادة كاملة، كما أن جزءًا من أزمة الدبلوماسية الأميركية والصحافة الأميركية هو التركيز على استدعاء التحالف مع المعتدلين في إيران، وهو حديث يهمل جزءًا مهمًا من القصة نفسها المتمثل في أن طموحات معظم المعتدلين لو صحت التسمية لا يمكن لها أن تؤثر على قرار الحرس الثوري بفيالقه التي تشكل سلطة مستقلة.

الوضع السياسي المقلوب في إيران هو أن الرئاسة اليوم دبلوماسية، بينما القرار السياسي يصنع داخل أروقة الأطراف المؤثرة في النظام وتحديدًا في الحرس الثوري وكل مؤسسات حماية نظام الملالي، وهو أمر يعلمه الأميركيون جيدًا، لكنهم سيقدمون أوراقهم وشروطهم على أمل أن تتجاوز شخصية روحاني الدبلوماسية إلى التأثير الفاعل على القرار السياسي.

يتطلع الأميركيون إلى الحد الأدنى السياسي وهو القدرة على اختراق جدار الصمت السياسي بينهم وبين إيران، لكن هذا الحد الأدنى لا يكفي اللاعبين الأساسيين في المنطقة: دول الخليج والاعتدال العربي التي تملك هواجس أمنية تتصل بالتدخل الإيراني في المنطقة، وتركيا التي لا تريد أن تواجه منافسًا إقليميًا معيقًا لمشروعها، ويبدو أن مخرجات الأزمة السورية تلامس أمن المنطقة أكثر من تأثيرها على القرار الأميركي، وهذه معطيات تجعل من الصعب اختزال العلاقة مع إيران في الحد الأدنى من المرونة السياسية بعد كل هذه السنوات التي خلقت إرثًا ثقيلاً من الأزمات والملفات السياسية، واقع اليوم يقول لنا إن معضلتنا مع إيران أكبر من اتفاقية السلاح النووي، إنها أزمة سلوك سياسي ورؤية توسعية تهدد استقلال الأوطان.

يوسف الديني

صحيفة الشرق الاوسط