احتمال استخدام إيران للعراق وسوريا كجسر إلى لبنان

احتمال استخدام إيران للعراق وسوريا كجسر إلى لبنان

شهدت الأيام الأخيرة تطوران وقعا على مقربة من الحدود السورية وانطويا على دلالات حول نوايا طهران ووكلائها تجاه تلك البلاد والمنطقة المحيطة بها. فإلى جهة الغرب، أقامت ميليشيا «حزب الله» الشيعية اللبنانية استعراضاً عسكرياً رفيع المستوى في مدينة القصير السورية، بينما قامت الميليشيات الشيعية المعروفة باسم «وحدات الحشد الشعبي» إلى جهة الشرق بالاستحواذ على مطار تلعفر في العراق. وفي الواقع يتوافق كلا الحادثين مع الرسالة التي لم تنفك إيران تكرراها إلى المجتمع الدولي، ألا وهي أنها ستعمل كل ما يلزم لتكون من صناع القرار في الممر الممتد من العراق إلى لبنان عبر سوريا.

في أعقاب السيطرة على المطار في الأسبوع الماضي، صدر عن الوزير العراقي السابق والأمين العام لـ «منظمة بدر» المرتبطة بإيران هادي العامري تصريحٌ معبّر اقتبسته وكالة رويترز على النحو التالي: “سنتخذ من مطار تلعفر قاعدة للانطلاق لتحرير ما تبقى من الأراضي… وصولاً إلى الحدود السورية وما يتخطاها.” وعلى الرغم من أن «وحدات الحشد الشعبي» لم تعلن عن أي خطط محددة بشأن خطواتها المستقبلية، إلا أن البلدة الواقعة مباشرة شمال المطار من الممكن أن تشكل هدفها التالي. وبما أن إيران لا تملك معبراً حدودياً مع سوريا، قد تؤمّن لها تلعفر هذا المعبر كونها تقع على الطريق الرئيسي إلى سوريا على بُعد حوالي أربعين ميلاً غرب الموصل. فإذا نجح وكلاؤها فعلياً في الاستحواذ على تلك البلدة، ستتمكن إيران على الأرجح من فتح ممر من محافظة ديالى الحدودية العراقية باتجاه جبال حمرين شمالي شرقي تكريت وصولاً إلى تلعفر على الطريق المؤدي إلى سنجار على الحدود السورية. أما في الجهة المقابلة من سوريا، فتملك القوات المدعومة من إيران عدة طرق تؤدي إلى لبنان وتمر بالقصير وغيرها من البلدات في منطقة القلمون.

وعلى الرغم من أنه قد لا يكون للجسر البري أهميةً كبرى لطهران من ناحية نقل الأسلحة، إلا أنه سيوفر مسرحاً أكبر لاستعراض قوتها وترسيخ الوجود الإيراني المتواصل في العراق وسوريا ولبنان. وفي إطار هذا السيناريو، هل ستستطيع هذه البلدان البقاء في المستقبل كدول مستقلة وذات سيادة؟ والسؤال الآخر المطروح هنا هو ما إذا كان ترسخ الوجود الإيراني على طول هذا الممر سيصب الوقود على نار الخطابات المتطرفة المعادية للشيعة التي يتبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») ويؤجج بذلك الصراعات الطائفية القائمة في المنطقة.

تحديد منطقة النفوذ

وفقاً لتقرير صادر عن موقع “ناو ليبانون”، أقام «حزب الله» في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر أول عرض عسكري له على الإطلاق خارج لبنان، في مدينة القصير التي سقطت بيد «الحزب» في عام 2013. وقد جرت العادة بإقامة هذا الاحتفال السنوي بمناسبة “يوم الشهيد” في معقل «حزب الله» بضاحية بيروت الجنوبية، لكن الحزب آثر هذا العام تنظيم هذا الحفل التذكاري في سوريا، ويُفترض لسببين هما: تسليط الضوء على وجوده القوي في تلك البلاد، والإشارة إلى المجتمع الدولي أنه جيش منظّم يملك المقدرة والاستعداد للانضمام إلى الحملة الدولية ضد تنظيم «داعش».

وعندما سيطر «حزب الله» على القصير وغيرها من البلدات في ضواحي حمص ودمشق، تم إخراج الأهالي السُنّة منها. وقد اتبع الرئيس بشار الأسد تكتيكاً حول العاصمة تمثل “بالتجويع أو الاستسلام”، الأمر الذي أجبر العديد من المتمردين على الاستسلام مقابل تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية كالطعام والدواء. وبينما تم إرسال العائلات السنية إلى شمال سوريا، جلبت طهران العائلات الشيعية من العراق ولبنان لتحل محلها سعياً منها إلى ترسيخ نفوذها على المنطقة الخاضعة للأسد والتي يصفها القادة الإيرانيون بـ “الأراضي السورية المفيدة“.

تحوّل في التسلسل الهرمي

جاء التسارع في الاستراتيجية الإيرانية الواضحة لمدّ الجسر في أعقاب تغيرات جذرية في الهيكلية الهرمية للميليشيات الشيعية في سوريا. فعندما دخل «حزب الله» الحرب في عام 2012، اعتبرته طهران القوة الأكثر قدرة والأجدر ثقة على الأرض، ثم أتى غزو القصير ليرسّخ مكانته كاليد اليمنى لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في سوريا. وقد عمل «حزب الله» مباشرةً تحت إمرة «الحرس الثوري» الإيراني وعُهدت إليه مهمة قيادة جميع العمليات البرية وإدارة الميليشيات الشيعية الأخرى. وعلى الرغم من أن الشيعة العراقيين كانوا يحاربون لصالح «لواء أبو الفضل العباس»، إلا أنهم كانوا أساساً تحت إمرة «حزب الله»، شأنهم شأن الكثير من المقاتلين الشيعة الأجانب من باكستان وأفغانستان.

إلا أن معركة حلب قلبت الأمور رأساً على عقب. فحين بدأت ملامح الضعف تظهر على «حزب الله» في تلك الجبهة وأخذ يتكبد خسائر أكبر من المتوقع، استدعت إيران الميليشيات العراقية لمساعدته. واليوم أصبحت «منظمة بدر» الميليشيا الشيعية العراقية الرئيسية التي تحارب في حلب، وهي حزب سياسي ذو جناح عسكري ضخم وإحدى المكونات الرئيسية لـ «وحدات الحشد الشعبي». ووفقاً لعدد من أعضاء «حزب الله» الذين حاربوا هناك، لم تكن عناصر «منظمة بدر» مرتاحة من تلقي الأوامر من «حزب الله» عند وصولها إلى حلب. ونظراً لسلسلة النجاحات التي حققتها «منظمة بدر» في العراق وسوريا، قررت إيران تغيير القيادة العملياتية في سوريا، حيث بقي «حزب الله» يسيطر على القصير وضواحي دمشق بينما وضعت «منظمة بدر» على رأس العمليات العسكرية في حلب وأصبحت تعمل مباشرةً تحت إمرة «الحرس الثوري» الإيراني.

وعلى الرغم من تغير طابع «منظمة بدر» في الآونة الأخيرة ودورها في السياسة العراقية، إلا أنها بقيت تحتفظ بعلاقات قوية جداً مع إيران. وكانت هذه المنظمة قد أنشئت في الأساس عام 1983 لاستيراد ثورة إيران الإسلامية إلى العراق. ثم شنّت لاحقاً حرباً طائفية وحشية ضد السُنة بين عامَي 2004 و2006. وبعد نجاح حملات تنظيم «الدولة الإسلامية» في الأنبار ومناطق أخرى بين العامين 2013 و2014، حشدت «منظمة بدر» قواتها لتحقق سلسلة من الانتصارات على هذا التنظيم بما فيها “تحرير” محافظة ديالى في العام الماضي. بيد، تم الإبلاغ عن العديد من الانتهاكات التي استهدفت السنة في ديالى وأصبحت «منظمة بدر» معروفة بخطاباتها وانتهاكاتها الطائفية.

التداعيات

مع تواجد «منظمة بدر» على جهة من الحدود و«حزب الله» على الجهة الأخرى، من المحتمل أن تكون إيران في طور التخطيط لتوسيع الجسر البري إلى جنوب لبنان قريباً. فأعمال العنف والخطابات الطائفية – إلى جانب الرواتب الثابتة – أتاحت لإيران النجاح في تجنيد العديد من المقاتلين الشيعة على مدى السنوات الأربع الماضية، ولذلك من المرجح أن تشكل هذه العوامل مرة أخرى أبرز محفزات التعبئة. كما أن الاستثمارات الكبيرة التي توظفها إيران في تجنيد هؤلاء الوكلاء وتدريبهم [وإدارة] اللوجستيات المتعلقة بهم وتوفير الأسلحة لهم تشير بقوة إلى أنها تنوي الإبقاء على وجودها في الخارج وتحقيق النصر.

وإذا نجحت إيران في هذه المساعي، فإن الدول الثلاث المتورطة في هذه الاستراتيجية قد تخسر ما تبقى من سيادتها. ومع ذلك، ثمة مشكلة أكثر إلحاحاً وهي [احتمال] أن يؤدي تأجج الخطاب والنفوذ الشيعييْن إلى تحفيز الخطاب الطائفي لتنظيم «الدولة الإسلامية» والإسهام في تعبئة السكان السنة إلى جانبه وإلى جانب الجماعات المتطرفة الأخرى التي تتغذى من هذه المشاعر. وفي الواقع أن الانتصار في الحرب ضد تنظيم «داعش» يتطلب معرفة كافة أنواع التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط على حقيقتها وفهم كيف تتغذى من إحداها للأخرى. فالمحور الشيعي الذي ترعاه إيران يعمل منذ فترة على تعزيز الخطابات الطائفية وتمكين تنظيمين عسكريين شيعيين معروفين بطابعهما العنيف في كل من لبنان والعراق. لذلك، فحتى إذا استغرق [إقامة] الجسر البري عدة سنوات أو تبيّن أنه هدف مستحيل أو زائل في النهاية، فإن الخطوات المختلفة التي بدأت تُتخذ لبلوغ هذه الغاية تستدعي استمرار العنف الطائفي والتوسع المتواصل في الجهود المبذولة لتحويل الشيعة العرب إلى مناصرين مسلحين لإيديولوجية إيران الثورية. وفي الوقت نفسه،  سيستغل تنظيم «الدولة الإسلامية» وكل تنظيم راديكالي يخلفه هذا الوضع لتعبئة السنة من أجل تحقيق مآرب عنيفة على نحو مماثل.

وليس واضحاً في الوقت الراهن ما إذا كانت الميليشيات الشيعية التي تعمل بالوكالة عن إيران ستسيطر فعلاً على تلعفر، وكم من الوقت سيستغرق ذلك. بيد أن الأمر الواضح هو أن شرق سوريا مهمٌّ للولايات المتحدة ولإيران على حدٍّ سواء، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. فالولايات المتحدة تعطي الأولوية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في حين ترى إيران في هذه الحملة فرصةً لتوسيع وجودها ونفوذها في المنطقة. وفي حين يعتبر تحرير الأراضي السورية والعراقية من قبضة قوات تنظيم «داعش» أمراً جوهرياً، يجب على واشنطن والأطراف الفاعلة الأخرى التفكير بتأنٍّ في النتائج المترتبة على تسليم هذه الأراضي إلى إيران.

حنين غدار

معهد واشنطن