النظام الإيراني والقواعد العسكرية البحرية في سوريا واليمن

النظام الإيراني والقواعد العسكرية البحرية في سوريا واليمن

%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d9%80-%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d9%84-%d8%a8%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%80-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%86-%d9%80-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7

ينمو لدى النظام الإيراني شعور قوي بأنه قد أصبح قوة عسكرية صاعدة ضمن القوى الدولية التقليدية وأن هذا الأمر يعطيه تماما “الحق” في أن ينشىء قواعد عسكرية خارج أراضيه تعبر عن وضعه العسكري الجديد على أن تكون البداية باستخدام أراضي الدول العربية التي أعلنت صراحة أنها باتت تسيطر على دوائر القرار في اربع دول منها. ففي هذا السياق  أعلن  رئيس هيئة الأركان الإيرانية، اللواء محمد باقري،في 26 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، أن بلاده تتجه نحو “بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن، لحاجة الأساطيل الإيرانية لقواعد بعيدة”، وأضاف: «تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر، أسطول عسكري في بحر عمان وأسطول آخر في المحيط الهندي، وبناء قواعد بحرية على سواحل أو جزر في كل من اليمن وسوريا، وتطوير قدرتنا الاستخباراتية العسكرية من خلال طائرات من دون طيار في امتداداتنا البحرية».

ولا يتفق تصريح رئيس الأركان الإيراني، مع تبريره بأن هدف المشروع البحري العسكري مواجهة القرصنة في هذه البحار، لأن تجارة إيران البحرية محدودة عند مقارنتها بدول أخرى مثل الهند والخليج ومصر وغيرها التي تستخدم هذه الممرات خارج مياه الخليج. كما أنه لا توجد قرصنة في بحر عمان ولا في البحر المتوسط. وسواء كان التصريح من قبيل التهويل أو يعكس الاستراتيجية الإيرانية الجديدة البديلة لمشروعها النووي، التي رضخت للضغوط الغربية وتراجعت عنه مقابل رفع العقوبات، فإن التفكير الإيراني الجديد، الذي أعقب توقيع الاتفاق النووي، هو التفوق العسكري وليس الانفتاح الاقتصادي، كما كانت تظن، وتسوق له الإدارة الأميركية في تعدادها لفوائد الاتفاق النووي.

في الحقيقة يكشف هذا الإعلان نية النظام الإيراني عن نيته في بناء قواعد عسكرية في سواحل سوريا بالتزامن مع سيطرة الحشد الشعبي العراقية الموالية له على مناطق عند أطراف تلعفر شمال غرب العراق في محافظة نينوى، عن اكتمال المخطط الإيراني لإنشاء الممر الاستراتيجي البري الذي يخترق العراق، ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص، وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط. إذ تشكل بلدة تلعفر مسألة غاية في الأهمية بالنسبة إلى النظام الإيراني بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها بمثابة محطة طريق مركزية تضمن استمرار وصول التجهيزات المادية والحشود البشرية القادمة من إيران إلى سوريا، وهي مضمونة أكثر من سواها بسبب تركيبتها السكانية، حيث يتبع سكانها بعض التركمان المذهب الشيعي. ولذلك فإن الادعاء بأن الهدف من السيطرة على تلك البلدة من قبل الحشد الشعبي هو منع تنظيم داعش من الفرار إلى سوريا لا يبدو مقنعا للمراقبين.

فسوريا واليمن تعد مدخلاً لسياسة التوسع الإيرانية في المشرق العربي الذي قد يكون مقدمة للتوسع في مغربه أيضاً، فالحضور الإيراني العسكري ليس بحاجة إلى دليل على عكس من الحضور العسكري الايراني في اليمن الذي يحاول النظام الإيراني أن يخفيه عن الجميع وهذا ما لم يفلح فيه النظام الإيراني فبحسب معلومات حصل عليها مركز الروابط للدراسات والبحوث الاستراتيجية تفيد تلك المعلومات عن وجود ثلاثمائة وخمسون عنصراً من الحشد الشعبي العراقي في اليمن مهمتهم حراسة القوات الإيرانية الخاصة لاسيما عناصر جيوفيزيائية والذي يشمل قطاع الصواريخ وخبراء صواريخ سكود وجنرلات الحرب والمختصين بالتفجيرات، ووجود هؤلاء في اليمن مكّن الحوثيون من استخدام استراتيجية الصواريخ ضد أراضي المملكة العربية السعودية ولعل أهم تلك الصواريخ، الصاروخ باليستي الذي أطلقه مليشيات الحوثي، في 28 تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي، باتجاه منطقة مكة المكرمة وتم اعتراضه من  قبل قوات التحالف العربي الداعمة للشرعية الدستورية في اليمن.

يهدف النظام الإيراني من إنشاء القواعد العسكرية البحرية في سوريا يكون لها حضور فاعل على شرق البحر المتوسط بالقرب من تركيا وأوروبا واليمن عبر تواجدها قرب مضيق باب المندب كما يهدف هذا الإعلان في الرد على إنشاء تركيا لها قاعدة عسكرية في قطر في كانون الأول/ديسمبر عام 2015م، فمكاسب تركيا من هذه القاعدة عديدة، فعلى الجانب السياسي ستعزز القاعدة العسكرية من مكانة تركيا لدى حلفائها العرب كحليف يمكن الاعتماد عليه، كما سيعزز مكانتها أيضا لدى الولايات المتحدة الأمريكية التي ترغب في أن تشاركها دولة حليفة كتركيا في أعباء أمن الخليج العربي.

أما على الجانب العسكري: تتضمن القاعدة العسكرية التركية على ما يبدو قوة برية وبحرية وجوية وقوات خاصة بالاضافة إلى مدربين من الجيش القطري مما سيسمح لتركيا بعرض معداتها العسكرية وتسويق لدبابات “التاي” ومدافع الهاو تزر ذاتية الدفع من طراز “فيرتينا” وأسلحة أخرى تركية الصنع. كما سيفتح الباب أمام الصناعة العسكرية التركية للدخول في أسواق الخليجية حيث تعد دول الخليج من أكثر الدول استهلاكاً في الدفاع العسكري، الأمر الذي سيحقق لتركيا أرباحًا في ذلك السوق. لتقول للدول الكبرى كروسيا والصين وفرنسا وانجلترا ” أنا هنا أيضًا” كما ستقدم هذه القاعدة للجيش التركي وسيلة للتدريب في الصحراء يفتقر إليها حاليا، مما يسمح للقوات البحرية التركية بإنجاز عمليات مكافحة القرصنة وعمليات أخرى في الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب وقد تشكل القاعدة مركز للعمليات التركية المستقبلية ما وراء البحار، قد تنبأ عن عودة البحرية التركية إلى المحيط الهندي للمرة الأولى منذ خمسينيات القرن السادس عشر.

 وترى المملكة العربية السعودية فيها خطوة في تعزيز التحالف التركي القطري السعودي بشأن الأزمة السورية ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. بينما تعتبر من وجهة نظر إيرانية خطوة عدائية من قبل تركيا وإشارة إلى انحيازها لدول الخليج السنية. وقد تكون هذه القاعدة في حال نشوب أي حرب في الخليج هدفُا إيرانيا. مما يعني الوصول الإقليم إلى سياسة حافة الهاوية.

وبحسب المحللون السياسيون والعسكريون يرون أنه من صعب إقامة هذه القواعد البحرية في اليمن وسوريا في هذا التوقيت تحديداً، لأن إنشائها يتطلب أن يكون حكامهما وشعوبها من الحلفاء وقادرين بالفعل على أن يتخذوا قرارا بخطورة السماح للنظام الإيراني بتكريس احتلاله وتأسيس قواعد عسكرية هناك. ويؤكدون أن النظام الإيراني لايزال أمامه حواجز وموانع عديدة لكي يكون قادر على تحقيق مثل هذه التفاصيل الدقيقة في حلمه الامبراطوري الكبير، وأن تصريح “باقري” عن القواعد في اليمن وسوريا هو من قبيل الخطاب الدعائي لأنه يتجاوز عن حقيقة أن اليمن وسوريا لن تكون دولا سائبة لها إن بقوة رد فعل السوريين واليمنيين وحلفائهما العرب على مثل هذه المبالغات أو بفعل تداخل مصالح القوى الدولية الكبرى في هذين البلدين العربيين وفي عموم المنطقة.

ويضيف المحللون أن النظام الإيراني استطاع ان يتدخل في سوريا واليمن لتعميق الشرخ الطائفي واشعال مزيد من الفوضى هناك لكن لا شيء يوضح انه في الطريق للسيطرة عليهما لوجود اغلبية شاسعة من السوريين واليمنيين ترفض رفضا قاطعا التدخل الإيراني ومستعدة لقتاله الى النهاية. كما ان العامل الدولي بدوره سيكون حاجزا قويا لأن ينفذ النظام الإيراني مثل هذه المخططات التوسعية الخطرة إذا لا الروس سيسمحون بأن تنافسهم على مصالحها في روسيا ولا الولايات المتحدة سيسمح لها بالتواجد على مسافة عين من حليفها الإسرائيلي.

في الختام تؤكد العمليات العسكرية للنظام الإيراني في العراق وسوريا أن مرحلة الحروب باتت سياسته الجديدة، وأن تعزيز قدراته العسكرية يمثل ركناً  أساسيًا في سياسته الخارجية. يحاول أن يكون قوة مهيمنة بالتوسع جغرافيًا بحريًا وبريًا، منذ أن أصبح بفعل الاتفاق النووري مع الدول العظمى والكبرى في الجماعة الدولية غير مقيد من الحصار الغربي، وصار لديه القدرة على المتاجرة الدولية واستخدام العملة القيادية” الدولار”. وهذا قد يعني أننا أمام عشر سنوات من سباق التسلّح الإقليمي، والمزيد من المغامرات العسكرية في المنطقة.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية