شركات الاتصالات في العراق …. منظومة فساد متكاملة

شركات الاتصالات في العراق …. منظومة فساد متكاملة

 

%d9%81%d8%b3%d8%a7%d8%af-_%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82

توفرت خدمات الاتصال والبريد في العراق في وقت مبكر جدا، حيث استخدمت شبكة الانترنت عن طريق المراكز أو عن طريق مودم الهاتف والاتصالات اللاسلكية في نطاق ضيق الا في مجال الدولة سابقاً. كما استخدمت هواتف الثريا المرتبطة بالأقمار الصناعية، قبل2003 ، اذ كانت الوسيلة الوحيدة الموثوق بها، ولكنها كانت تعاني بعض المحددات من انتشارها ، إذ انها غالية الثمن بالنسبة للمواطنين الذين تقل رواتب الغالبية منهم عن 150$ في الشهر، اضافة الى ان الجهاز يكلف 600 $ ، وتصل تكلفة الاتصال الى دولار واحد للدقيقة في المعدل .
وبعد 2003 ادخل الإنترنت والاتصالات اللاسلكية للعراق بنطاق واسع وأصبحت بمتناول الجميع، حيث يوجد الآن العديد من مزودي خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وفي الوقت نفسه يتزايد عدد مشتركي خطوط الهاتف الأرضي في العراق الذي بلغ نحو مليون ونصف المليون مشترك, والهواتف المتحركة نحو 14 مليون مستخدم.
وتعد وﺴﺎئل ﺍﻻﺘﺼﺎﻻﺕ من ﺍبرز ﺇﻓﺭﺍﺯﺍت التكنولوجيا ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃثبتت ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﻔﻌﺎل ﻓﻲ تحريك ﻋﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﻓﻲ ميادين ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺨﺭى، الا انها في العراق سيطر الفساد والجشع على الشركات العاملة في قطاع الاتصالات، وصرح وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي(1) في حديث على هامش المؤتمر الوطني الذي اقامته منظمة صحفيات بلا حدود ومنظمات حقوق الانسان الشرق الاوسط تحت شعار (شركات الهاتف النقال تضرب البيئة عرض الحائط) في فندق فلسطين وسط بغداد “الوزارة لاحظت انتشارا و توسعا كبيرا لأبراج الهواتف النقالة بين الأحياء والأزقة وقرب المدارس والمؤسسات الصحية رغم وجود ضوابط ومحددات تمنع ذلك”.
واضاف الفلاحي، ان “شركات الهاتف النقال لم تتجاوب مع التعليمات والضوابط القانونية لنصب أبراجها وتم ابلاغها أكثر من مرة بالمعايير البيئية لمحددات هذه الأبراج و معايير الترددات الواجب استخدامها ألا أنها لم تتجاوب معنا”.
ومن الناحية القانونية(2) أوضح الخبير القانوني ،طارق حرب، في يوم 13/نوفمبر/2014 ان عقود شركات الهاتف النقال ابرمت بعيدة عن احكام القانون، واكد ان تلك الشركات كانت تدفع مليارا وربع المليار للحكومة في العام 2007 ، داعيا الى رفع مبلغ العقد في العام 2014 بسبب تزايد عدد المشتركين، الذين كان عددهم 5 ملايين مشترك في تاريخه، وفي عام 2014 تجاوز العدد 25 مليون مشترك؛ واكد حرب ان توقيع عقد مع شركات الاتصال لمدة 15 عاماً يعد قضية” احتكارية”.
واوضح عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب عن كتلة الفضيلة حسن الشمري، ان توقيع هيئة الاعلام والاتصالات عقد استخدام ترددات الجيل الثالث مع شركات الاتصالات مخالفة قانونية وإهدار كبير للمال العام، داعيا رئيس الوزراء الى إيقاف العقد والتحقق من قانونيته، وعلى هيئة الإعلام والاتصالات الالتزام بالقانون(2).
وتابع الشمري ان “هدر المال العام يتمثل بان العائد المالي المقرر ان تدفعه الشركات الثلاث: ( اسيا سيل ، زين ، كورك ) مجتمعة للخزينة العامة للدولة ضئيل جداً وهو مبلغ (921) $ مليون عن السنوات السبع القادمة”، لافتا الى ان “هذا يمثل خسارة فادحة بحق الدولة بالمقارنة مع الأرباح الهائلة التي تجنيها الشركات وللتوضيح بالأرقام وحسب البيانات التي أعلنتها الشركات بخصوص ما تحصل عليه من معدل ربح شهري، وتزايد عدد المشتركين موزعين على الشركات الثلاث والأكثرية مع شركة “زين” الكويتية ومعدل الربح “12” دولار شهرياً عن المشترك الواحد عن خدمة الاتصال فقط دون أرباح الرسائل والإعلانات والأنترنت”.
وبحسب الشمري بلغ مجموع الحد الأدنى من الأرباح التي ستحصل عليها الشركات (3 مليارات و456 مليون دولار) مقابل مبلغ لا يصل الى مليار واحد يدفع للدولة، اضافة الى انه لا يدفع بشكل فوري وإنما خلال فترة سنة ونصف السنة، موضحا انه “بذلك لن تتكلف الشركات أي مبلغ من حسابها الخاص وستدفع من الأرباح التي ستجنيها خلال سنة واحدة”.، اضافة الى الخدمة الرديئة وارتفاع الاسعار .

واوضح القانوني طارق حرب (3) ان العقد كان لمدة طويلة بلغت 15 سنة وبمبلغ واحد لا يتغير تدفعه الشركات الى الحكومة على الرغم من التوسع في الاستخدام وزيادة اعداد الهواتف ،وذلك المبلغ الوارد بالعقد تم دفعه سنة 2007 هو نفس المبلغ الذي دفع في 2015 وسيستمر العقد نفسه الى سنة 2022 ، مبينا ان هذا العقد لم يضمن حقوق الدولة ، ولا حقوق المواطن من تعسف تلك الشركات .
وبين الخبير انه بعد تحويل ضريبة المبيعات المقررة على شركات الاتصالات الى ضريبة مشتريات مقررة على المشتركين لم يلاحظ وزراء ورؤساء هيئات سنة 2007 ضمان حقوق الدولة والشعب امام تلك الشركات !
وقد تم عرض الموضوع أمام محكمة القضاء الإداري الذي قضى بانه لا يحق لهيئة الإعلام والاتصالات المضي بتوقيع العقد، ومع كل هذا استمر الفساد واصبح ينتشر كالنار في الهشيم في ظل غياب مراقبة ومحاسبة للشركات القطاع الخاص العاملة في البلد خاصة شركات الاتصالات والتي استغلت الظروف الاستثنائية التي نعيشها لتحقيق ارباح خيالية على حساب المواطن الفقير.
وكشفت لجنة الخدمات والاعمار النيابية عن ان شركات الهاتف النقال العاملة في البلد “زين العراق، آسيا سيل، كورك” استغلت المواطن بشكل بشع عندما طبقت نظام التحاسب بالثواني منذ العام 2011، مؤكدةً ان السرقات عن طريق هذا النظام باتت مكشوفة لأعين الجهات المسؤولة (4)
وقالت عضو اللجنة عن القائمة الوطنية الدكتورة صباح التميمي: إن تلك الشركات طبقت النظام وكان تطبيقه بعنوان مصلحة المواطن في تحمله اجور النداء الفعلي وليس اجور دقيقة كاملة عن أجزائها “ثوانٍ منها”، اضافة الى ان هذا الاسلوب في الاحتساب مشار اليه في عقد الترخيص.
وأضافت التميمي، ” ان هذا النظام بدل أن يكون لمصلحة المواطن اصبح وبالاً عليه بتحمله مبالغ تفوق التي كان يتحملها وفق نظام الدقائق نتيجة لخطأ واضح في تطبيق هذا النظام”، مبينةً أن “الخطأ تمثل في تحديد سعر الثانية الواحدة بدينارين للنداء داخل الشبكة واربعة دنانير خارجها، في حين كان يفترض ان يقسم سعر الدقيقة وفق نظام الثواني على 60 ثانية؛ لتحديد سعر الثانية الواحدة”.
وأوضحت التميمي انه “نتيجة لهذا الاجراء اصبح سعر الدقيقة داخل الشبكة وفق نظام الدفع بالثواني 120 ديناراً بعد ان كان 90 ديناراً وفق نظام الدقائق اي أن الزيادة هي 33.3 % ويتحملها المواطن، اما سعر الدقيقة خارج الشبكة فاصبح 240 ديناراً بعد ان كان 110 دنانير بنظام الدقائق أي بفارق 118 % وهذه الزيادة يتحملها المواطن ايضا”، مبينة أنه “بمعادلة حسابية بسيطة فان عدد الدقائق التي توفرها بطاقة الشحن برصيد 10 آلاف دينار لنداء خارج الشبكة وفق نظام الدقائق يساوي 90 دقيقة في حين ان عدد الدقائق التي يوفرها ذات الرصيد وفق نظام الثواني المعمول به حالياً هو 41 دقيقة بمعنى ان عدد الدقائق التي خسرها المواطن من رصيد بطاقة الشحن من فئة 10 الاف دينار هي 49 دقيقة والمتبقي له 41 دقيقة من اصل 90 دقيقة لتكون نسبة الخسارة في الرصيد مساوية لـ54.4 بالمئة من الرصيد الكلي”.
واضاف المصدر نفسه ان دور هيئة الاعلام والاتصالات هو تنظيمي واشرافي ورقابي وبما يخدم مصلحة المواطن إلا أنه لم يصحح هذا الخطأ واستمر في تحميل المواطن هذه المبالغ من تاريخ تطبيق هذا الاجراء، ونبهت التميمي الى ان “قانون الموازنة الذي اضاف نسبة 20% من ضرائب المبيعات على بطاقات الشحن جعل المواطن هو الخاسر الاول إذ اصبحت خسارته من الرصيد بنسبة 62 .3%”.

وفي نفس منظومة كشف الفساد اشار عضو اللجنة المالية النيابية هيثم الجبوري الى وجود ملفات سرقة وفساد كبيرين في هيئة الاعلام والاتصالات مؤتمر صحفي (5)
وان الفساد والمخالفات فيما يتعلق بزيادة ارباح شركات الاتصال بلغ 250 % بعد ان استبدلت نظام الاحتساب من الدقائق الى الثواني مضيفا ان الربح المتحقق يأتي على حساب استغفال المواطن البسيط .
ومن اشكال الفساد في هذا القطاع ان هيئة الاعلام والاتصالات جعلت العمل محتكرا على ثلاث شركات هي: ( شركة اسيا سيل، شركة وزين ، وشركة كورك ) بحجج عديدة منها مخاطر العمل في العراق ولكونها تقدم خدمة رخيصة للمواطن، وكونها تقدم ارخص العطاءات، واستبدالها يعد مضيعة للوقت ! ولو أجرينا مقارنة مع الشركات في دول أخرى لوجدناها تقدم 7 أضعاف الخدمة بالدول الأخرى.
واشار الجبوري الى ان عقد خدمة ل 3G لا يحتوي على فقرة تسمح للشركات الثلاثة ( اسيا سيل ، وزين ،وكورك ) باحتكار اي جولة تراخيص جديدة، مؤكدا ان الهيئة تحتكر الخدمة لهم !
ويبرر رئيس الهيئة بان الخدمة المذكورة، تعطي امتيازات للمواطن ولا نرغب بان يفقد المواطن تلك الامتيازات ، وهناك مخاطر جمة اذا قمنا بادخال شركات جديدة وهذا مضيعة للوقت ، ولكن الواقع يظهر ان تلك الحجج واهية اذ ان ادخال شركات جديد يحول السوق من احتكار الى منافسة فيزداد التنوع العروض والخدمات المقدمة للزبون وتصبح الاسعار تنافسية يستفيد منها المواطن، وتزداد عائدات الدولة من هذه الشركات ، ففي حين يبلغ سعر 3G في المغرب 1جيجا = 2 $ فانه يبلغ في العراق 15 $ .
واضاف ان كل امناء الهيئة وقعوا على اقالة رئيس الهيئة التنفيذي ولمدة 8 اشهر من التاريخ اعلاه ولم تتم موافقة الحكومة على الاقالة في حينها.

ودعت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية هيئة الاتصالات الى اعداد ورقة إصلاحات لعمل شركات الهاتف النقال. (6)
وكشف عضو اللجنة عبد السلام المالكي في مؤتمرٍ صحفي بحضور عدد من النواب ” خرق الشركات لبندٍ يُلزمها باستثمار ما نسبته 75% من وارداتها في مشاريع داخل البلد”.
وكشف أن شركات الهاتف النقال، تستولي على حصة كبيرة من مدخولات البلاد، اذ : ” تستنزفُ يومياً ما قيمته 15% من عوائد النفط عن طريق خدمة الاتصالات، دون أن تعلم الدولة مصير هذه المبالغ وكشف أيضاً : ” انّ المشتركين في تلك الشركات بلغ الملايين كما كشف ان حجم المبالغ التي حولتها تلك الشركات الى خارج البلاد، تجاوزت السبعة مليارات دولار، والتي كان من المفترض أن يكون منها ما نسبته 75% للاستثمار داخل البلد.. أي ما يساوي تقريباً 5.5 مليار دولار وبما يضمن التزام تلك الشركات ببنود الاتفاق المبرم معها مع تشكيل لجان مختصة تحمل على عاتقها، وضع آليات محاسبة لضمان عدم تكرار تلك التلاعبات “.
ودعا النائب المالكي هيئة الاتصالات ، والجهات الرقابية الى ” تطبيق جميع بنود العقود لشركات الهاتف النقال والانترنت وبأثرٍ رجعي لجميع السنوات ، وأن يتم الزام تلك الشركات بتسديد ما بذمتها من أموال ومستحقات، وإلّا فإن على الجهات المعنية الغاء عقودها والزامها بشرط الجزاء، والتعاقد مع شركات أخرى اكثر مصداقية ومهنية”. من هذا كله يكشف بأن شركات الهاتف النقال، تستولي على حصة كبيرة من مدخولات البلاد.
من الجدير بالذكر و كما إلى أن وثيقة (7) ورد فيها ان بعض الدول التي اقدمت شركاتها الوطنية على تنفيذ مشروع الهاتف النقال، وبعد ان شغلت الشبكات الأولى استفادت منها على بيع إجازات ثانية بمبالغ ضخمة حققت إيرادات جيدة لخزائنها فمثلاً: باعت السودان الإجازة الثانية بمبلغ (150) $ مليون والجزائر بـ(735) $ مليون ، وتونس بـ (450) $ مليون ، والمغرب بـ (1.1) $ بليون ، وتركيا بـ (2.5) $ بليون ، والنمسا (1) $ بليون ، وإنجلترا (2) $ بليون.
وفي مملكة البحرين كانت قطاع الاتصالات شركة حكومية ثم أصبحت شركة عامة عقدت إيران اتفاقاً مع شركة إيرانية لتطوير شبكة الـ (شة) وتشغيلها وتطويرها وتغطية الأراضي الإيرانية كلها لتقوية مركزها ودعم سعرها قبل بيع قسم منها .
اما الإمارات العربية المتحدة فمازالت شركة حكومية لم تبع أية إجازة لحد الآن لقد بلغت ارباح شركة الاتصالات الإماراتية للستة الأشهر الأخيرة (388 ) $ مليون ، وشركة الاتصالات المغربية حققت أرباحاً سنوية للسنة الأخيرة بلغت 650 $ مليون .
وكان على العراق ان يجعل مشروع خدمات الهاتف النقال عراقياً كأول مشروع غير نفطي يدر أموالاً وطنية على خزينة العراق تستفيد منه البلاد لحملة إعمار العراق ولكن العراق كما بين قانون الاستثمار الأخير معروض للبيع سراً وعلانية .
و ختامًا لا بد من تأكيد الاهتمام بهذا القطاع ، نظرًا لما له من أهمية حقيقية ، يستطيع العراق أن يعظم إيراداته من خلاله ، و أن يجعل منه رديفًا لقطاع النفط أو مساهمًا معه إلى حد كبير ، في تنمية البلاد ، إلا أنه لابد بداية من الوقوف بوجه الفساد الذي نخره حتى العظم ، و وضع الخطط و القوانين و التشريعات اللازمة ، و العمل بجد على تنفيذها ، ليتمكن هذا القطاع من أداء الدور المأمول منه ، في المساهمة بتحقيق إيرادات عادلة تلبي حاجات التنمية، وأن يقدم للمواطن الخدمة بالمستوى اللائق الذي يلبي طموحاته.

شذى خليل 

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

(1) مصدر المدى /21/8/2015.
(2) مصدر عين على نيوز.
(3) مصدروكالة (نون الاخبارية).
(4) مصدر جريدة الصباح / شبكة الاعلام العراقي /29/9/2015.
(5) https://youtu.be/Xshx6Dcwil4 في 13/ sep//2015.
(6) مصدر العراق اليوم /بغداد 31-08-2015.
(7) مصدر موقع (دنيا الوطن- وثائق سرية عن صفقة الهاتف النقال في العراق).