داعش.. تهريب البشر في خدمة الإرهاب

داعش.. تهريب البشر في خدمة الإرهاب

لا تشكل الحرب ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، في كل سوريا من والعراق، مؤشرا واضحا على النهاية السريعة لهذا التنظيم الذي روّع المنطقة وأقلق راحة العالم.

وبالموازاة مع تراجع التنظيم وضعفه في المناطق التي يسيطر عليها وتشتت مقاتليه وتقلص نفوذه، تنبعث مخاوف جديدة في القارة الأوروبية من سيناريوهات ربما تكون أشدّ خطرا من تمركز التنظيم في دولته التي أعلنها عام 2014. ومع الوقت باتت فرضية انتقال هذا التمركز إلى تعدد في محاور التهديد الإرهابي واحدا من العوامل المثيرة للقلق.

إحدى القنوات التي يعمل التنظيم على استغلالها قناة الهجرة غير الشرعية للمهاجرين، الناشطة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. فطيلة العقدين الماضيين كانت الهجرة السرية موضوعا مؤرقا لبلدان الاتحاد الأوروبي بسبب تدفق الآلاف من المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط، بيد أن قضية الهجرة السرية كانت تعالج في تلك الفترة من زاوية إنسانية بحتة لما تطرحه من مشكلات داخل البلدان الأوروبية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لكن منذ تفجر المشهد السوري وظهور تنظيم داعش ومسألة اللاجئين والنازحين أصبحت الزاوية الأمنية هي الغالبة على نوعية التعاطي مع الهجرة غير القانونية؛ وزاد من الهواجس الأوروبية سقوط ليبيا في حالة من الفوضى وتسلل مقاتلي داعش إليها وسيطرتهم على مدينة سرت الساحلية قبالة الشواطئ الإيطالية. وتشكل مدينة سرت أهم المعابر التي يستغلها التنظيم في تهريب الأشخاص.

فالمدينة تتوفر على شريط ساحلي يقدر بحوالي مئة وخمسين كيلومترا، وهي تعد معبرا مفضلا لمرشحي الهجرة السرية منذ التسعينات من القرن الماضي، عندما بدأت هذه الظاهرة في بلدان جنوب المتوسط، بيد أنها باتت اليوم واحدة من النقاط المحورية في المخطط الإرهابي لتنظيم داعش. وتعد ليبيا أحد أهم المعابر المفضلة للشبكات العاملة في مجال الهجرة غير المشروعة، عبر زوارق مطاطية تقل العشرات من المهاجرين نحو سواحل إيطاليا ومالطا، إضافة إلى منطقة غرب المتوسط في اتجاه إسبانيا، والناحية الشرقية من تركيا في اتجاه اليونان.

ما يعزز مخاوف الدول الأوروبية أن المقاتلين الأوروبيين الذين كانوا في تنظيم داعش بدأوا في العودة، الأمر الذي يطرح تحديا على الأمن الأوروبي

وبسبب تزايد مخاطر ارتباط شبكات الهجرة السرية بالتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم داعش، بادر الاتحاد الأوروبي قبل فترة إلى إطلاق عملية تحت اسم “صوفيا” لمحاربة المراكب التي تقل المهاجرين، تشارك فيها سفن حربية أوروبية، وهي عملية ذات طبيعة عسكرية، الهدف منها توقيف المهاجرين السريين وتفتيشهم للتأكد من وجود إرهابيين بينهم.

وتشير بعض التقارير إلى أن تنظيم داعش نسج طيلة العامين الماضيين علاقات قوية مع الشبكات الناشطة في نقل المهاجرين السريين، أو ربما نجح في إقامة شبكات للهجرة تابعة له، من أجل تحقيق هدفين. الأول يرتبط بالبحث عن مصادر للتمويل، والثاني يتعلق بتمكين الأفراد التابعين له من التسلل إلى أوروبا لتنفيذ هجمات إرهابية، إذ كلما اشتد الخناق على التنظيم في العراق وسوريا وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها في البلدين، كلما لجأ إلى استثمار الهجرة غير الشرعية لتعويض إخفاقاته.

ويوفر التنظيم وثائق وجوازات مزورة للمقاتلين الذين قدموا سابقا من البلدان الأوروبية، من أجل تسهيل مهمة عبورهم إلى بلدانهم بعيدا عن أعين مصالح الأمن في الموانئ والمطارات. وتخشى الحكومات الأوروبية من أن يكون التنظيم قد نجح، حتى اليوم، في تهريب بضعة أشخاص من شأنهم تهديد أمن المجتمعات الأوروبية والقيام بتفجيرات جديدة، وزاد في ترجيح هذا الاحتمال أن المصالح الأمنية الإسبانية اعتقلت في الأسبوع الماضي بمنطقة غاليسيا شخصين جزائريين تابعين لتنظيم داعش، بعد ثبوت تورطهما في عمليات التهريب، وترجح التحقيقات فرضية أنهما كانا وراء تهريب بعض الأشخاص الذين نفذوا تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس في العام الماضي. وتقول إسبانيا إن هناك سوابق لارتباط الهجرة غير الشرعية بالإرهاب والتطرف بالنسبة لأوروبا، ففي العام 2004 اعتقلت مصالح الأمن الإسباني مواطنا جزائريا على علاقة بالجيش الإسلامي للإنقاذ كان قد تسلل إلى التراب الإسباني بطريقة سرية.

ما يعزز مخاوف الدول الأوروبية أن المقاتلين الأوروبيين الذين كانوا في تنظيم داعش قد بدأوا في العودة، الأمر الذي يطرح تحديا أكبر على مصالح الأمن الأوروبي. ويبلغ عدد المواطنين الأوروبيين الذين توجهوا للقتال إلى جانب التنظيم خلال العامين الماضيين قرابة السبعة آلاف شخص، لكن ليس كل هؤلاء يعودون عبر الطرق القانونية التي تمكن من مراقبتهم. وتتصل المخاوف من العائدين بنوايا التنظيم، الذي يعتقد بأنه قد يعوض عن خسائره وفقدان “الدولة” بالتوجه، أكثر فأكثر، نحو السرية والانتشار الأفقي على صعيد البلدان الأوروبية، بحيث يصبح تهديدا “حضريا” للأمن في مختلف العواصم والمدن التي تشهد ازدحاما سكانيا وأعدادا أكبر من المهاجرين.

إدريس الكنبوري

صحيفة العرب اللندنية