بداية النهاية بالنسبة لشرق حلب

بداية النهاية بالنسبة لشرق حلب

خلال الأسبوع الماضي، شنّ الجيش السوري وحلفاؤه حملة استمرت أربعة أيام استولوا خلالها على أكثر من 40 في المائة من المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة المتمردين في مدينة حلب. ويُعتبر ذلك نصراً كبيراً يُعلن بداية النهاية بالنسبة للمتمردين في المدينة.

وكان الجزء الخاضع للمعارضة في شرق حلب محاصراً منذ تموز/يوليو، عندما قطعت قوات نظام الأسد “طريق الكاستيلو”، الذي هو طريق الإمدادات الرئيسي للمتمردين المحليين. وقد تمكّن التحالف الجهادي «جبهة فتح الشام» (إحدى الجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» التي كانت تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة») من خرق الحصار في آب/أغسطس من خلال فتح ممر عبر منطقة الراموسة الواقعة جنوبي شرقي حلب، لكنه عجز عن قلب منحى المعركة الأوسع في المنطقة.

 ونجح النظام في ردم هذه الهوة بحلول 21 أيلول/سبتمبر، وهي المرحلة التي بدأ خلالها الجيش وحلفاؤه بشنّ هجوم آخر من حندرات، مخيم اللاجئين الفلسطينيين السابق شمالي المدنية. ولا تُعتبر هذه المنطقة مكتظة جداً بالسكان، وبالتالي لم تبرز عنها مقاومة تذكر في وجه تقدّم الجيش؛ وبعد شهر من القتال (22 أيلول/سبتمبر – 30 تشرين الأول/أكتوبر)، استعادت قوات بشار الأسد عشرة كيلومترات مربعة من الأراضي. وقد تمّ تحقيق بعض الانتصارات في أماكن أخرى حول حلب، لكنها كانت محدودة ولم يكن الهدف منها سوى تشتيت الانتباه. وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بدأ النظام بقصف مدفعي دام ثلاثة أسابيع تحضيراً للتقدّم الميداني الأخير. وبعد ذلك، استعادت قوات الأسد حي هنانو حيث فرضت سيطرتها على ما مجموعه 15 كيلومتراً مربعاً تقريباً. وفي غضون شهرين من القتال، سقطت نصف أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المتمردين.

لقد تمكّنت قوات النظام من التقدّم نحو شرق حلب بمؤازرة القوات الجوية الروسية، والأهم من ذلك، بدعم من قصف مدفعي مكثّف قوّض خطوط دفاع المتمردين. ويبدو أن الأسد يملك حالياً عدداً كافياً من القوات البرية في المنطقة لشنّ هجمات في مناطق حضرية حيث كان الجيش قد تحاشى سابقاً القيام بهجمات بسبب عدم وجود قوات. وعلى الرغم من انعدام تقديرات موثوقة لقوات النظام في حلب، إلا أن مصادر المعارضة استشهدت بمقال نشرته صحيفة “ديلي ميل” في 30 آب/أغسطس ادّعى أن إيران أشرفت على إرسال ما يقرب من 60 ألف عنصر ميليشيا شيعي إلى سوريا. وبغض النظر عن الأرقام الصحيحة لتلك المليشيات، نجح الكثير من المقاتلين من دون شك في الوصول إلى حلب ودعم حملة الأسد في المدينة.

ووفقاً لتقرير صدر عن صحيفة “لو فيغارو” في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، تشير التقديرات إلى أن عدد المتمردين يبلغ عشرة آلاف مقاتل فقط. ومن بين هؤلاء يتراوح عدد عناصر «جبهة فتح الشام» بين 1500 و2000 شخص، ويناهز عدد أفراد «أحرار الشام»، شريكها الرئيسي في ائتلاف «جيش الفتح»، 2000 شخص. أما الستة آلاف شخص المتبقين، فهم من ائتلاف «فتح حلب» المرتبط بـ «الجيش السوري الحر»، لكنه أثبت عدم قدرته على تنسيق العمليات بين أفراده.

وكانت «جبهة فتح الشام» قد عزّزت وجودها في حلب في ربيع هذا العام، مما سمح لها بالسيطرة على «فتح حلب» ومنع استسلام أي متمرّد. وكانت رغبة الجماعة الأولى في الهيمنة قد أدّت إلى اندلاع معارك مع متمردين آخرين خلال الأسابيع الأخيرة، لا سيما في الشمال، الأمر الذي سهّل عملية تقدّم [قوات] النظام. ومن وجهة نظر عسكرية، كان من المستحيل على الأرجح نجاح المتمردين المحاصرين في الحفاظ على حدود خطوطهم الأمامية على أي حال، نظراً إلى امتدادها على أكثر من خمسين كيلومتراً وكانت تتعرض للهجوم من كافة الاتجاهات.

وسيهدف هجوم النظام التالي في حلب، الذي يُقال إنه بدأ في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر، إلى تقسيم منطقة المتمردين أكثر فأكثر. وبعد السيطرة على “تلّة 400″، التي هي نقطة إستراتيجية غرب المطار، بدأت قوات الأسد تقدّمها باتجاه “قلعة حلب” من الشرق. وإذا نجحت هناك، سيتمّ عزل حي الميسر ومن المرجح أن يسقط بسهولة. وفي غضون ذلك، تمّ شن هجوم من الجهة الشمالية من حي “الشيخ سعيد”، بهدف عزل حي “صلاح الدين” على الأرجح.

ورداً على ذلك، يتراجع المتمردون إلى أحياء في المدينة القديمة جنوبي القلعة يسهل الدفاع عنها بشكل أكبر. فهيكلية الشبكة الضخمة في المنطقة من مبانٍ وشوارع صغيرة وأنفاق تجعلها حصناً حقيقياً سيصعب على الجيش استعادته أكثر من أي مناطق أخرى.

وفي أعقاب الهجوم الحالي، من غير الواضح ما التي ستكون خطوات النظام القادمة. وربما يأمل الجيش السوري في أن يؤدي الجوع إلى دفع المتمردين المحليين إلى التفاوض بشأن الانسحاب باتجاه محافظة إدلب، كما حصل مؤخراً مع المتمردين المحاصرين في داريا. غير أن هذا الأمر قد يستغرق أشهراً، وقد لا يكون الأسد راغباً في الانتظار لهذه الفترة الطويلة. ويبدو أنه وحلفاءه في موسكو متعطشون لفرض كامل سيطرتهم على حلب قبل استلام إدارة ترامب مهامها، ليفرضوا بشكل رئيسي على الرئيس الأمريكي الجديد سياسة الأمر الواقع بشأن أشهَر جبهة في الحرب السورية.

 فابريس بالونش

 معهد واشنطن