رسائل الهيمنة الإيرانية

رسائل الهيمنة الإيرانية

2016012010520

يحلو للبعض أن يتحدث عن إيران باعتبارها قوة مضافة إلى القوة العربية تساندنا في مواجهة الخطر الصهيوني ومخاطر الهيمنة العالمية ومن ثم تجب محالفتها، وهو منطق يمكن أن يكون سليماً لولا مشروع الهيمنة الإيراني الذي ألبسته ثورة 1979 لباساً دينياً مع أنه قومي متطرف بامتياز. وفي إطار هذا المشروع حدث تمدد للنفوذ الإيراني في سورية ولبنان والعراق وأخيراً اليمن، وفي إطاره أيضاً تتوالى رسائل الهيمنة التي تصلنا عبر تصريحات المسؤولين من مزاعم مشبوهة حول البحرين، إلى إصرار على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، إلى التصريح بأن الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود، إلى زهو بإمبراطورية إيرانية تتخذ بغداد عاصمة لها وتضم غير العراق سورية ولبنان واليمن! ولهذا لم تكن التصريحات الأخيرة لرئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري مفاجئة لأحد ممن يتابعون الشأن الإيراني من حيث المضمون، وإنما تمثلت المفاجأة في شكل جديد من أشكال محاولات الهيمنة فقد صرح بأن إيران تحتاج إلى قواعد بحرية في مناطق بعيدة، وأنه ربما يأتي زمن يمكن لإيران أن تنشئ فيه قواعد في اليمن أو سورية أو قواعد بحرية عائمة، وأضاف أنه يجب التفكير بجدية في هذا الموضوع، مؤكداً أن الحصول على قواعد كهذه أهم بعشرات المرات من التقنية النووية.

سبقت هذه التصريحات الخطيرة تصريحات لمسؤول عسكري بارز تحدث عن ضرورة الحفاظ على سيطرة إيران على المناطق التي تتمتع فيها بنفوذ قوي أو هيمنة واضحة ويستلزم هذا وفقاً له «وجوداً مقتدراً»! وأعقبت تصريحات باقري في اليوم التالي مباشرة تصريحات للمرشد الإيراني نفسه خلال استقباله قيادات القوة البحرية الإيرانية دعا فيها إلى تعزيز الوجود الإيراني في المياه الدولية معتبراً أن ذلك يعزز قدرة البلاد. فالمسألة إذن ليست تصريحاً عابراً لباقري ولكنها انعكاس لسياسة واضحة ليس الجديد فيها هو نوازع الهيمنة وإنما أدواتها، إذ إنه للمرة الأولى يتحدث المسؤولون الإيرانيون عن ذراع بحرية تتجاوز مياه الخليج التي يمكن فهم التحركات البحرية الإيرانية فيها من منطلق أمني مباشر، أما الحديث عن تعزيز الوجود البحري الإيراني في المياه الدولية وعن قواعد بحرية ثابتة أو عائمة تتجاوز النطاق المباشر لأمن إيران فليس سوى سلوك يتسق مع مشروع الهيمنة «الإمبراطوري» الإيراني، إذ إننا بالتأكيد إزاء محاولة جديدة لتدعيم التمدد الإيراني خارج الحدود وتوسيعه بوسائل جديدة صدق باقري في وصفها بأنها أقوى بعشرات المرات من القدرة النووية، لأن المعروف أن هذه القدرة منذ استُخدمت للمرة الأولى والأخيرة في نهاية الحرب العالمية الثانية ليست سوى قدرة لردع العدوان غير قابلة للاستخدام الفعلي لآثارها المدمرة الرهيبة، وإلا ما مر قرابة ثلاثة أرباع القرن دون استخدامها لمرة ثانية رغم تعاظم القدرات النووية للقوى العظمى والكبرى وانتشارها عبر الزمن. أما أدوات مثل الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العسكرية التابعة لإيران فهي كما نرى تعيث فساداً في أكثر من بلد عربي فما بالنا بتمدد القدرة العسكرية الإيرانية بأذرع بحرية في أرجاء المنطقة كافة، وليست خافية بالتأكيد دلالة الإشارة المحددة في تصريحات رئيس هيئة الأركان الإيرانية إلى سورية واليمن حيث تعمل الأدوات الإيرانية بهمة ونشاط وهو ما يؤكد تصورنا العام عن مشروع الهيمنة الإيرانية.

ليس تحقيق هذه الطموحات الإمبريالية الإيرانية بالأمر السهل أولاً لأنها ستصطدم بإرادات محلية وإقليمية ودولية، ومن الطريف أن رئيس المجلس السياسي الانقلابي في اليمن قد استهجن التصريحات الإيرانية، وهو ما يثير علامات استفهام حول ما إذا كان جاداً أم أنها تصريحات لعدم إراقة ماء الوجه ما دامت إيران هي الداعم الأول لهم وهي الآن تفضح تبعيتهم. وكذلك يصعب تصور أن تقبل دول مثل تركيا ناهيك بروسيا إقامة قواعد بحرية في سورية، ولكن الضمان الأساسي يبقى متمثلاً في القدرة العربية على الفعل خصوصاً أن هناك سابقة التصدي للتغول الحوثي المدعوم إيرانياً في اليمن. لقد كتبت على هذه الصفحة في أغسطس الماضي مقالاً بعنوان «إعادة الاعتبار للأمن القومي العربي» بعد أن تأكدت بدهية أن القوى العالمية والإقليمية كافة تعمل لتحقيق مصالحها فقط، ونحن الآن أكثر احتياجاً لإعادة الاعتبار هذه.

د.أحمد يوسف أحمد

*نقلا عن صحيفة الاتحاد