الاقتصاد الأردني كان دائماً هشاً – وأزمة اللاجئين زادت الطين بلة

الاقتصاد الأردني كان دائماً هشاً – وأزمة اللاجئين زادت الطين بلة

 

%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%83-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87

في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، تم الإعلان عن اعتزام الأردن شراء ما قيمته 10 مليارات دولار من الغاز الطبيعي من إسرائيل، على مدى السنوات الـ 15 المقبلة. ومنذ ذلك الحين، يتظاهر الأردنيون ضد الاتفاق. ويمثل الاحتجاج ضد إسرائيل هواية متكررة في المملكة، ولكن الاضطرابات المنخفضة المستوى هي جزء من مصدر أكبر بكثير من عدم الاستقرار المحتمل، ألا وهو: الضعف المزمن للاقتصاد الأردني، الأمر الذي يدل على بوادر حدوث القليل من التحسن.

وفي هذا الصيف، أثارت المشاكل الاقتصادية – وخصوصاً تلك المتعلقة بالبطالة – أكثر المظاهرات استدامة في الأردن منذ ثلاث سنوات. ففي أيار/مايو، نصب 22 شاباً خياماً في ساحة بلدة ذيبان، على بعد 42 ميلاً الى الجنوب من عمان، احتجاجاً على عدم توافر فرص عمل. واستمر الاعتصام السلمي لمدة شهر تقريباً. وفي أواخر حزيران/يونيو، قامت “قوات الدرك” الأردنية، بهدم الخيام، الأمر الذي أثار سلسلة من الاشتباكات العنيفة بين الشرطة وأهالي البلدة.

وقد أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرت بعد ذلك على موقع يوتيوب، قيام “قوات الدرك” بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بينما دعا المتظاهرون إلى إنهاء النظام الملكي. وقد أعقب ذلك قيام موجة من الاعتقالات، مما أسفر عن قيام المزيد من المظاهرات والسَجْن. وبعد مقتل ثلاثة من رجال الشرطة الأردنيين في ذيبان في 22 تموز/يوليو، سحب رئيس الوزراء هاني الملقي “قوات الدرك”، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حدة التوتر. وانتهت الاحتجاجات في 28 تموز/يوليو عندما تم الإفراج عن المعتقل النهائي من السجن.

وذيبان هي مدينة تعاني الكساد بشكل خاص، إلا أن مشاكلها تختزل التحديات التي تواجه الأردن في نواح كثيرة. ففي عام 2011، كان معدل البطالة الرسمي أكثر من 13 في المائة. وبعد خمس سنوات، في أعقاب إغلاق الحدود مع سوريا والعراق، وتراجع الاستثمارات، وانخفاض التحويلات المالية، وتقلص السياحة، يبلغ معدل البطالة نحو 15 في المائة، وتقترب هذه النسبة بين الشباب العاطلين إلى حد مذهل قدره 40 في المائة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة كبيرة من اللاجئين من سوريا. فوفقاً للأمم المتحدة، تستضيف الأردن حالياً ما يقرب من 650,000  لاجئ مسجل، على الرغم من أن عمّان تقول أن العدد أقرب إلى 1.4 مليون لاجئ. وفي حين لم يتسبب السوريون في ارتفاع معدلات البطالة الأردنية، إلا أن وجودهم يؤدي إلى تفاقم المشكلة. فهناك نسبة صغيرة فقط من اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات، بينما تعيش الغالبية العظمى منهم في المدن والبلدات في المملكة، حيث يستأجرون المنازل ويشاركون في الاقتصاد المحلي. وفي البداية كانت عمان تأمل في الحد من أعمال السوريين من خلال جعلها تقتصرعلى البناء، والزراعة، والقطاعات المحلية، لكي تجبر هؤلاء اللاجئين أساساً على التنافس مع636,000  مغترب مصري يعيشون في المملكة ويعملون فيها. إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في تحقيق هدفها.

وفي محاولة للحد من تدفق اللاجئين الى القارة الأوروبية، استخدمت الجهات المانحة هناك المساعدات الخارجية لإجبار عمان على إصدار المزيد من تصاريح العمل. وهكذا، على الرغم من القيود التي يواجهها السوريون، تمكّن أولئك الذين يتمتعون بحافز ضخم ومبادرة كبيرة من دخول سوق العمل. ولا يحصل السوريون في الصناعات الخدمية على الحد الأدنى من الأجور الأردنية، الأمر الذي يجعل توظيفهم أقل تكلفة [لأرباب العمل]. كما يتسبب التجار السوريون المهرة في إضعاف الحرفيين المحليين. وقد قيل لي مؤخراً، أن السوريين الذين يعملون على تركيب بلاط السيراميك في شمال الأردن، يتمتعون بمهارة عملية وينتجون صناعة متفوقة بسعر دينار ونصف أردني (حوالي دولارين أمريكيين) للقدم المربع الواحد – وهو نصف السعر الحالي الذي يحصل عليه منافسيهم المحليين.

ويبدو أيضاً أن السوريين يستلمون أجور منخفضة و/أو يعملون في وظائف متواضعة القدر، لا يشغلها الأردنيون ببساطة. وفي الواقع، على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة، تمتلئ الأردن بالعمالة الوافدة. فبالإضافة إلى مئات الآلاف من المصريين، هناك عشرات الآلاف من النساء من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، والكثير منهن تحملن تصاريح عمل، وتعملن كخادمات في البيوت. أما “المنطقة الصناعية المؤهلة” أي “مدينة الحسن الصناعية” في مدينة إربد شمال الأردن، والتي أنشئت بعد معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994 لتعزيز التعاون مع الدولة اليهودية وزيادة فرص العمل في الأردن، فمعظم موظفيها من بنجلادش. ويمكن لـ “المناطق الصناعية المؤهلة” بيع منتجاتها في الولايات المتحدة وهي معفاة من الرسوم الجمركية.

إن هذه الدينامية لا تزيد بالضرورة من البطالة في المملكة، لكنها تسلّط الضوء على التحدي الكبير الذي تشكّله لعمّان. فهناك فرص عمل في الأردن – ولكن ليس لوظائف يرغب بها الأردنيون. إن عدم تطابق المهارات والوظائف الشاغرة يشكل جزءاً من المشكلة: فهناك أكثر من90,000  طالب يسجلون للدراسة في الجامعة كل عام، مما يترك 16 في المائة من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل. وحتى هناك نسبة أعلى من الخريجين الذين تُساء استغلال مهاراتهم. وتدفع ندرة الفرص المحلية المناسبة الكثير من الأردنيين إلى مغادرة البلاد إلى الخارج. ووفقاً للحكومة الأردنية، يعمل حالياً نصف المهندسين الأردنيين في الخليج. وهذه الأرقام قابلة للمقارنة في مهن أخرى. ووفقاً لذلك، بلغت تحويلات المغتربين في العام الماضي 14.3 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” للمملكة. بيد، إن انخفاض عائدات النفط في الخليج تجعل هذا الاعتماد عرضاً متقلباً: فمنذ عام 2014، انخفضت التحويلات المالية بما يقرب من أربعة في المائة.

إلا أن جزءاً من مشكلة البطالة هو ثقافي. فالمشاركة في القوى العاملة في الأردن منخفضة جداً – 36 في المائة وفقاً لبيانات “البنك الدولي”. وعموماً، إن ما يقرب من 60 في المائة من السكان في سن العمل في المملكة غير نشطين، وحوالي 60 في المائة من خريجي الجامعات في الأردن هم من الإناث، ولكن التمثيل العام للمرأة في القوى العاملة المحافظة في المملكة يصل إلى نسبة ضئيلة قدرها 15 في المائة.

إن الفرص المتاحة للنساء الأردنيات اللواتي لم تنلن من التعليم إلا قسطاً قليلاً، محدودة أيضاً. فبإمكان النساء الفلبينيات اللواتي تحملن تصاريح عمل أن تكسبن 300 دولار شهرياً في العمل المنزلي في المملكة. وبدون تصاريح عمل، يمكن أن يرتفع ذلك إلى 500 دولار. بيد، إن فرصة الحصول على وظيفة جيدة الأجر لا تتوفر للكثير من النساء الأردنيات. وكما أوضح أحد المحللين الأردنيين سيكون “من المستحيل لأسباب ثقافية أن تقوم الفتيات الأردنيات بهذا العمل.”

ومع ذلك، تتعلق المشكلة الثقافية الأكبر، بالوظيفة المفضلة. فهناك مجتمعان رئيسيان في الأردن – مَنْ هم من أصل فلسطيني، ومَنْ هم من أصل بدوي قبلي يشار إليهم بـ “الشرق أردنيين”. وفي صفوف الأردنيين من أصول قبلية هناك مَيْل واضح للعمل في القطاع العام. فخارج حدود الجهاز العسكري والأمني – الذي يسيطر عليه الأردنيون المنحدرون من القبائل – يريد الشرق أردنيون شغل وظائف في الحكومة لاسباب متنوعة. وعلى الرغم من تدني الأجور – حوالي 300 دينار أو 425 دولار شهرياً – توفر هذه المناصب الأمن الوظيفي، ومعايير متهاونة نسبياً في الأداء والحضور، وسن تقاعد منخفض، ورواتب تقاعدية، وإعانات.

والأهم من ذلك هو الصفة الثقافية المميزة التي تأتي مع المناصب الحكومية. ويقول الأردنيون أنه من الأسهل للرجال الشرق أردنيين الزواج عندما يشغلون وظائف في القطاع العام. وخلال رحلتي الأخيرة إلى المملكة، أُخبرتُ عن قصة شاب قبلي طَلبَ من والد [إحدى الفتيات] إذن بالزواج من ابنته. إلا أن ذلك الشاب الذي كان يعمل في شركة محلية ويتقاضى أجراً محترماً جداً قدره 600 دينار شهرياً، قوبل بالرفض وقيل له بأن يعود ثانية “عندما يكون لديك وظيفة حكومية جيدة” – وظيفة يحصل فيها على نصف معاشه الحالي.

وتقليدياً، تلقت القبائل حصة الأسد من الوظائف المتعلقة بالشؤون الأمنية والبيروقراطية في الأردن. ولكن في المملكة الهاشمية، كما في دول أخرى، [انخفضت نسبة] التوظيف في القطاع العام عما كانت عليه من قبل. ففي عام 2013، شكلت المناصب الحكومية ما يقرب من 39 في المائة من مجموع العمالة في المملكة – 463,000  وظيفة. وهذا الرقم كبير جداً، ولكنه يمثل انخفاضاً كبيراً منذ عام 1986، عندما وفّر القطاع العام أكثر من 51 في المائة من العمالة في الأردن. وأدّى تخفيض النفقات في عمان إلى قيام منافسة شديدة على الوظائف النادرة بين الأردنيين، بغض النظر عن الأصل. وفي عام 2013، قدّم 200,000  شخص من خريجي الجامعات المحلية طلبات للعمل في 6,400  وظيفة في سلك الخدمة العامة.

وهذا الصيف، كان لهذه الدينامية في سوق العمل صدى في ذيبان. ففي محاولة لنزع فتيل الصراع، كانت الحكومة الأردنية هي السائدة على شركات القطاع الخاص فيما يتعلق بإيجاد فرص عمل للمتظاهرين العاطلين عن العمل. فوفقاً لوزير الدولة خالد حنيفات، ضمنت الحكومة 24 وظيفة للنشطاء، الذين رفضوا على الفور ذلك العرض – بتفضيلهم العمل في القطاع العام.

ومع ذلك، فحتى لو وافق المتظاهرون على العمل في تلك الوظائف، فلن يكون لذلك تأثير كبير. فوفقاً للمهندس الزراعي، محمد سنيد، الذي قاد حركة الاحتجاج في ذيبان منذ عام 2011، تبلغ نسبة البطالة في المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها 50,000  شخص، حوالي 70 في المائة.

وسابقاً كانت ذيبان منطقة زراعية، يتم توفير احتياجاتها من المياه من نهر الوالة. ولكن التغيرات في أنماط الطقس – وفقاً لسنيد، تحويل المياه إلى عمان المتعطشة على نحو متزايد – قد أخنقت هذا القطاع. واليوم، يستطيع السكان المحليين الحصول على المياه لمدة ست ساعات فقط في الأسبوع، وهي كمية غير كافية لدعم الزراعة أو تربية الحيوانات على نطاق واسع. وفي السنوات الأخيرة، قامت “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” بزرع الآلاف من أشجار الزيتون وشجيرات اللوز في المنطقة – وهي التي تٌستخدم بذورها كمقبلات في الطبق الوطني في الأردن المكون من لحم الضأن والأرز واللبن، والمعروف باسم أكل المنسف. وأظهرت جولة أخيرة في الضواحي وجود العشرات من البساتين الزاخرة بالأشجار الناضجة، التي لا تؤتي ثمارها بسبب افتقارها إلى المياه الكافية.

أما الفرص في الصناعة المحلية فهي أفضل قليلاً. فلمنطقة ذيبان مصنع واحد لإنتاج الملابس. ويوظف مصنع “الصافي” في بلدة مليح، 490 عاملاً – والكثير منهم من خارج ذيبان – ويتقاضون 210 دينار أو 295 دولار شهرياً، وهو دخل دون مستوى خط الفقر البالغ 500 دينار. وفي تموز/يوليو 2015، أضرب عمال صناعة الملابس، ولكنهم لم يفلحوا في تأمين رواتب أعلى.

وهناك منطقة أخرى لتوليد فرص العمل ألا وهي تل ذيبان، التي تضم الأنقاض التاريخية لعاصمة مملكة مؤابية يعود تاريخها إلى القرن السادس إلى السابع ميلادية. وعلى الرغم من عدم بُعد هذا الموقع سوى 18 ميلاً من الوجهة السياحية “مادبا” – التي هي موطن مجموعة الفسيفساء القديمة الأكثر إثارة للإعجاب في الأردن، وكنيسة القديس يوحنا المعمدان، وقُربها من جبل نبو، حيث توفي موسى وفقاً للتقاليد – إلا أن هناك القليل من الزوار الذين يقومون في النهاية بزيارة ذيبان. ولم يتم تجديد الموقع ولا تأمينه، مما يشكل فرصة ضائعة للحصول على عائدات في مجال السياحة. وفي الوقت نفسه، وخلال الاشتباكات التي وقعت هذا الصيف، اختفى العديد من الأعمدة القديمة التي كانت قائمة عند مدخل الموقع الأثري.

وبعد مرور أربعة أشهر على بدء المظاهرات، وعلى الرغم من استمرار ارتفاع معدلات البطالة، لا تزال ذيبان هادئة في الوقت الحاضر. فساحة البلدة خالية من الخيم، والتوترات بين السكان المحليين والحكومة قد تضاءلت إلى حد كبير. وفي 29 تموز/يوليو، استضاف والد محمد خليل الهواوشة – آخر المتظاهرين المفرج عنه – عشرات المُهنئين في منزله. وكان الهواوشة، الذي قضى 20 يوماً في السجن، في حالة معنوية جيدة. بيد، لم تحقق الأشهر التي قضاها في نشاطاته سوى فائدة ضئيلة. وقال لي إنه لا يزال دون وظيفة ولا أمل له في العثور على عمل. وأضاف إنه لا ينوي المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأردنية في 20 أيلول/سبتمبر، مؤمناً بأنه لن يكون لهذه الانتخابات تأثير يذكر على آماله في الحصول على عمل.

ولحسن الحظ، تعترف الحكومة الأردنية أن حل أزمة البطالة في البلاد يشكّل أولوية بالنسبة لها. ولدى المملكة خطة – مفصّلة في “الاستراتيجية الوطنية للتشغيل” للفترة 2011-2020 – لمعالجة المشاكل الهيكلية، من خلال التركيز على الحد من العمالة الوافدة، وتشجيع الاستثمار، ودعم المشاريع التجارية والأعمال الحرة، والتدريب المهني. ومع ذلك، فمن الواضح أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذ هذه الاستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، ولكي تنجح الخطة في النهاية، سيتعيّن على الأردن تغيير ثقافة قوته العاملة، وهو أمراً صعباً في أحسن الأحوال.

وعلى المدى القريب، إن الهبات الدولية [التي تقدمها بعض البلدان] ستساعد المملكة على النجاة من هذه الأزمة. على سبيل المثال، ستقدم الولايات المتحدة وحدها دعماً اقتصادياً وعسكرياً للأردن تزيد قيمته عن 1.6 مليار دولار في عام 2016، أي ما يعادل 10 في المائة من الميزانية الوطنية. وسوف تستفيد المملكة أيضاً من الرغبة العارمة لمعظم السكان بالاستقرار. وحيث يشعر الأردنيون بالقلق من تدهور الأوضاع في بلادهم على غرار ما جرى في سوريا، فقد تجنبوا إلى حد كبير القيام باحتجاجات منذ عام 2011. ومع ذلك، فكما تشير أحداث هذا الصيف في ذيبان، فلصبرهم حدود أيضاً.

ديفيد شينكر

معهد واشنطن