تحولات متواصلة: حدود العلاقة بين تنظيمي “المرابطون” و”القاعدة”

تحولات متواصلة: حدود العلاقة بين تنظيمي “المرابطون” و”القاعدة”


تشير العملية الأخيرة التي قام بها تنظيم “المرابطون” في شمال مالي، والتي استهدفت مطار “غاو” الذي تتواجد فيه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في 29 نوفمبر 2016، إلى أن التنظيم، الذي يعد من أقوى التنظيمات المرتبطة بـ”القاعدة” في منطقة الساحل والصحراء، ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، وفي أماكن متفرقة، رغم الضغوط التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التي تشنها بعض الأطراف ضده خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن دخل في صدام حاد مع تنظيم “داعش” نفسه.

تنظيم معقد:

تم الإعلان عن نشأة تنظيم “المرابطون” في 23 أغسطس 2013، بعد اتفاق كلٍّ من زعيم كتيبة “الملثمون” مختار بلمختار، وقائد تنظيم “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” أحمد ولد العامر، على دمج الحركتين في تنظيم واحد أطلقا عليه اسم “المرابطون”.

ورغم انفصال التنظيم الجديد عن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، إلا أنه ظل مرتبطًا بـ”القاعدة” فكريًّا ومنهجيًّا، وهو ما أدي إلى اندلاع خلافات وظهور انقسامات عديدة، لا سيما عندما أصدر أبو الوليد الصحراوي قائد التنظيم، بيانًا في 13 مايو 2015، يعلن فيه مبايعة تنظيم “داعش” ويدعو كل الجماعات الإرهابية إلى الانضمام للتنظيم الجديد.

وقد دفع ذلك مختار بلمختار إلى المسارعة بإصدار بيان مضاد ينفي فيه الالتحاق بتنظيم “داعش”، ويجدد البيعة لتنظيم “القاعدة” وزعيمه أيمن الظواهري، معتبرًا بيعة “داعش” “لاغية وباطلة” و”لا تلزم مجلس شورى المرابطين”.

وقد أدى ذلك إلى تصاعد حدة الصراع بين الطرفين، والذي انتهي بالإطاحة بأبو الوليد وتولي بلمختار القيادة. ويبدو أن ذلك أدى إلى اتساع نطاق الخلافات بين تنظيم “المرابطون” وتنظيم “داعش” الذي دعا أنصاره إلى استهداف بلمختار، باعتبار أنه مسئول عن عرقلة انضمام التنظيم الأول إلى “داعش”، بشكل كان من الممكن أن يدعم من نفوذ الأخير في شمال إفريقيا.

وتشير اتجاهات عديدة إلى أن أحد مبررات بلمختار لرفض الانضمام إلى “داعش” يتمثل في أن نفوذ ونشاط الأخير ربما يتراجع تدريجيًا خلال المرحلة القادمة، في ظل العمليات العسكرية التي يتعرض لها في العراق وسوريا والتي أدت إلى إضعافه واستنزاف قدراته بشكل كبير، وهو ما يعني، في رؤية بلمختار، أن تنظيم “القاعدة” ربما يستعيد موقعه مرة أخرى باعتباره التنظيم الأول والرئيسي على خريطة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم.

هجمات مختلفة:

منذ عودة تنظيم “المرابطون” إلى صفوف تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وهو يعد من أنشط المجموعات القاعدية التابعة له، وأكثرها انتشارًا، حيث تمكن من القيام ببعض العمليات النوعية التي كان من أبرزها الهجوم الذي استهدف مطعمًا في العاصمة المالية باماكو في مارس 2015، وهو ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص منهم أوروبيون، وإصابة نحو ثمانية أشخاص، فضلا عن هجوم آخر شنه التنظيم على فندق “راديسون بلو” في باماكو، في نوفمبر 2015، وقتل على أثره أكثر من عشرين شخصًا من جنسيات أمريكية وروسية وصينية.

إلا أن هجمات التنظيم في بوركينافاسو في يناير 2016 تُعد الأخطر على الإطلاق، نظرًا إلى أنها وقعت خارج نطاق نفوذه، حيث هاجم مقاتلو التنظيم مطعم “كابتشينو” وفندق “سبلنديد” في قلب العاصمة واجادوجو، مما أسفر عن مقتل 29 شخصًا، وإصابة ما يقرب من 20 شخصًا. وفي 4 نوفمبر 2016، قام التنظيم بتفجير عربة عسكرية تابعة للجيش المالي، كانت تُقل ستة جنود ماليين على الطريق بين مدينتي غاو ونتهاق، هذا بالإضافة إلى عددٍ من العمليات المتفرقة التي تستهدف بشكل مستمر القوات الدولية في شمال مالي.

متغيرات عديدة:

ربما يمكن القول إن ثمة متغيرات عديدة دعمت من قدرة تنظيم “المرابطون” على تنفيذ عمليات نوعية في مالي وبوركينا فاسو وبعض الدول الأخرى، ويتمثل أبرزها في:

1- نشاط عملياتي: بعد تولي مختار بلمختار قيادة التنظيم عقب تمكنه من الإطاحة بمنافسه أبو الوليد الصحراوي، شهد التنظيم نشاطًا عملياتيًّا واضحًا، نظرًا لإصرار بلمختار على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، على غرار عملية احتجاز الرهائن التي خطط لها في وحدة إنتاج الغاز في عين أميناس جنوب شرقي الجزائر في يناير 2013.

كما أن بلمختار تولى خلال العقدين الأخيرين قيادة عدة تنظيمات مسلحة، حيث كان أميرًا لمنطقة الصحراء في “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، وأميرًا لـ”كتيبة الملثمين” في تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وهو أيضًا مؤسس “كتيبة الموقعين بالدماء”، وهو ما منحه خبرة كبيرة من الناحية التنظيمية والقتالية، انعكست في نشاط التنظيم بعد ذلك.

2- خبرات متراكمة: تمتلك العناصر الإرهابية في تنظيم “المرابطون” خبرة قتالية لا تبدو هينة، نتيجة مشاركتها قبل ذلك في بعض العمليات الإرهابية، فضلا عن انضمامها لأكثر من تنظيم إرهابي، مثل تنظيم “الموقعون بالدماء” الذي كان يقوده بلمختار في السابق عقب انفصاله عن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بسبب بعض الخلافات مع عبدالمالك درودكال قائد التنظيم الأخير، قبل أن ينضم بلمختار من جديد إلى التنظيم ويرفض إعلان البيعة لتنظيم “داعش”.

3- كثافة عددية: يضم تنظيم “المرابطون” في صفوفه مقاتلي تنظيم “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” الذي كان يعد الأكبر من الناحية العددية مقارنةً بالمجموعات والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن بعض هؤلاء المقاتلين ينتمون لبعض القبائل العربية المنتشرة في تلك المناطق، ويتميزون بخبرتهم في التنقل عبر الدروب الصحراوية، والقدرة على تنفيذ مهام في ظروف مناخية صعبة، وهو ما دعم من قدرة التنظيم على تنفيذ عملياته.

4- تمويل متعدد: يعتبر بلمختار من أكبر المهربين في المنطقة، حيث كان يُطلق عليه “مستر مارلبورو”، نظرًا لشهرته الواسعة في مجال تهريب الأدخنة، وهو ما مكن التنظيم من السيطرة بشكل واسع على طرق ومسالك التهريب، ومن جني أموال طائلة، سواء من خلال الضرائب التي يفرضها على المهربين الذين يسلكون الدروب الصحراوية التي يسيطر عليها رجال التنظيم، أو عبر عمليات التهريب التي يقوم بها التنظيم بنفسه، خاصةً في مجال تهريب البشر، إضافةً إلى تهريب المخدرات والسلع والبضائع المختلفة.

5- حدود هشة: يستفيد تنظيم “المرابطون” بقوةٍ من حالة الهشاشة الحدودية الموجودة في المنطقة، أكثر من أي مجموعة أو تنظيم مسلح آخر، نظرًا للخبرة الواسعة التي تمتلكها عناصره في التهريب والتنقل عبر الحدود، خاصةً في المنطقة الحدودية بين شمال مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا، والتي يصعب السيطرة عليها بشكل كامل، نظرًا لأنها تمتد آلاف الأميال، الأمر الذي يستغله التنظيم في التحرك والتنقل بين هذه الحدود بقدر كبير من الحرية.

وأخيرًا، يمكن القول إنه رغم أن نشاط تنظيم “المرابطون” يدعم بقوة موقف تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي يُعد المظلة الرئيسية التي تعمل من خلالها المجموعات القاعدية في منطقة شمال إفريقيا، وأنه ربما يساهم في عودة التنظيم إلى موقعه التقليدي باعتباره التنظيم الإرهابي الرئيسي في خريطة التنظيمات الإرهابية، إلا أن هذا النشاط يُعد سلاحًا ذا حدين، إذ أنه من ناحية يدعم مكانة تنظيم “القاعدة”، غير أنه من ناحية أخرى يزيد من نفوذ مختار بلمختار، المعروف بتوجهاته وتحالفاته المتغيرة باستمرار، وهو ما يُمكن أن يدفعه مستقبلا إلى محاولة الإطاحة بالقيادة الحالية في تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أو على الأقل الانفصال مرة أخرى بـتنظيم “المرابطون”، بشكل يمكن أن يهدد التماسك التنظيمي لـ”القاعدة” في المستقبل.

مركز المستقبل