موازنة العراق 2017: بين تقشف واضح وعجز فاضح

موازنة العراق 2017: بين تقشف واضح وعجز فاضح

 موازنة العراق 2017: بين تقشف واضح وعجز فاضح

 

ان عدم تنويع موارد الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط بشكل كبير جداً ادى الى مزيد من المشاكل التي تواجه الاقتصاد الكلي وتقف المشكلة الاجتماعية المتمثلة بالبطالة على رأس تلك المشاكل بالإضافة الى التضخم وعجز ميزان المدفوعات وانخفاض النمو الاقتصادي.

وتظهر هذه المشاكل نتيجة لسوء توظيف الإيرادات النفطية بما يحقق التنويع الاقتصادي المتمثل بتفعيل القطاعات الإنتاجية كالقطاع الصناعي التحويلي والزراعي والسياحي وغيرها، من اجل بناء الوعاء الضريبي، الذي يُزيد من فاعلية تنويع الإيرادات العامة.

ومن الوسائل اللازمة لمعالجة المشاكل الاقتصادية، اعداد خطة موازنة عامة بشقيها الجاري والاستثماري إنفاقا و إيرادا، لتكون قادرة على مواجهة تلك المشاكل تبعا  لفلسفة الدولة وخطتها في التدخل من عدمه، فاذا كانت الدولة تتبنى مبادئ النظام الرأسمالي فان الدولة تقتصر على الوظائف التقليدية المتمثلة بالدفاع الخارجي والامن الداخلي وتحقيق العدالة بين المواطنين، وتكون الموازنة اقل فاعلية في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، واذا كانت تتبنى مبادئ النظام الاشتراكي فالموازنة تكون أكثر مواجهة له.

ومع  خطط الاستثمار وقوانينه في العراق تتجه وتتحول الان نحو اقتصاد السوق  وقوانينه  الا انها لا تمتلك إلية حقيقية وخبرة لإنجاح هذا التوجه .

وبالرغم من إن جميع الميزانيات العامة منذ عام 2004 أعدت بعجز مخطط وانتهت بفائض حقيقي نتيجة الجهل في التخطيط وسوء التنفيذ- إذ إن نسب الانجاز الحقيقية في تنفيذ جميع الميزانيات الجارية السابقة لم يتجاوز نسبة 70% من المخطط له.

فقد اعدت موازنة 2017 ايضا على الاخطاء  السابقة  نفسها، اذ أقر مجلس النواب العراقي يوم 7/12   مشروع قانون موازنة البلاد للعام 2017  في ظل ازمة مالية يعيشها العراق جراء انخفاض اسعار النفط وتزايد نفقات الحرب ضد داعش ، وصوت المجلس بالأغلبية على بنود الموازنة المالية بعد شبه اجماع على بنودها باستثناء البند الخاص بحصة إقليم كوردستان  . وكان نواب ائتلاف دولة القانون بزعامة نائب رئيس الجمهورية المقال نوري المالكي يعترضون على حصة الاقليم ويطالبون بخفضها الى 13 % وذلك على خلفية النزاع الطويل بين بغداد وإقليم كوردستان على تصدير النفط ،  لكن تم التصويت على  نسبة 17 % للإقليم بشرط ان يوافق رئيس مجلس الوزراء على صرف هذه المخصصات من وزارة المالية.

وتبلغ قيمة الموازنة التي اقرتها الحكومة نحو 95 مليار دولار، وبعجز متوقع نحو 20.5 مليار دولار. وبُنيت ارقام الموازنة بالاستناد الى سعر تخميني لبرميل النفط الواحد يبلغ 45 دولاراً، وتصدير كمية 3.6 مليون برميل يوميا من الخام من ضمنه النفط المصدر من قبل اقليم كوردستان ويقضي الاتفاق المبرم نهاية العام الماضي بتسليم الاقليم 550 الف برميل من النفط يوميا الى الحكومة الاتحادية مقابل حصوله على حصته من الميزانية.

لكن المسؤولين الكرد يقولون ان بغداد لا تلتزم بالاتفاق و الاقليم لا يحصل على مستحقاته المالية مما اضطره لبيع النفط بمعزل عن بغداد لسد النفقات المتزايدة بفعل الحرب ضد داعش وايواء مئات الاف النازحين واللاجئين .

وقال رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الكوردستاني أحمد محسن السعدون إن كتلته لم تحضر جلسة التصويت، ولديها اعتراضات من البداية وترى أن الموازنة التي تم إقرارها لم تلب مطالبها.

وأكد أن تمرير الموازنة لم يحل القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان بما في ذلك صادرات النفط، وأضاف ان الموازنة لم تخصص ما يكفي من الأموال لرواتب موظفي الحكومة ومقاتلي البشمركة في كوردستان. وكانت حكومة إقليم كردستان أعلنت أنها لن تكون ملزمة بقانون الموازنة الاتحادية إذا لم تؤخذ ملاحظاتها وتحفظاتها بنظر الاعتبار قبل تشريعه. وتقول حكومة الإقليم إنها بحاجة شهريا إلى (733) مليون دولار لدفع رواتب الموظفين، وليس( 264) مليون دولار التي تم تحديدها بمشروع الموازنة.

ان العراق الذي يعتمد على ايرادات بيع النفط لتغطية نحو 95 % من نفقاته سيؤدي هبوط اسعار البرميل الى اقل من 40 دولارا الى نقص ايرادات النفط التي ستدفع  اضافة الى ونفقات الحرب ضد داعش  الى المزيد من القروض وهو ما يمكن ان يترتب عليه اعباء مالية اضافية نتيجة الفوائد مستقبلا اضافة الى التبعية الاقتصادية والسياسية .

كما تضمنت ميزانيه 2016 عجزا ماليا كبيرا، اذ بلغ العجز نحو 25 مليار دولار. وسبق أن حذر تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن، من أن عجز الموازنة العراقية بات يهدد قطاع النفط العراقي بوضوح. ووفق التقرير، إن تجاوز العجز مبلغ 50 بليون دولار سيكون العراق عرضة لخطر الإفلاس في العام 2017، والعجز عن دفع رواتب موظفيه. وفي شأن الحلول المقترحة لتغطية العجز في الموازنة العامة، أوضح نواب اللجنة المالية أنها «ستتم عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الإسلامي والقروض الخارجية وإصدار سندات الخزينة.

ومن خلال قراءة  دقيقة لفقرات الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2016 يمكن تأشير الآتي :-

جاء في المادة-1- ب: احتساب الايرادات المتحققة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر (45$) للبرميل الواحد. علماً أن أسعار النفط الخام المصدر الفعلية أقل من ذلك بكثير. و ورد في الفقرة نفسها: ان معدل تصدير النفط الخام من الجنوب والشمال يقدر بـ(3,6) مليون  برميل يوميا، في حين ان الكمية المصدرة فعلاً تزيد على ذلك بمقدار (500 الف) برميل يومياً. وورد في الفقرة نفسها أيضاً:  بضمن كمية الـ(3,6) برميل المصدرة كمية ( 250 الف) برميل نفط يومياً عن كميات النفط المنتج في إقليم كوردستان علماً ان الاقليم يصدر يومياً (600 الف) برميل نفط يومياً عدا كمية الـ(300 الف) برميل نفط المصدرة يوميا من كركوك. و جاء في المادة-2-ثانيا-ب: يخول وزير المالية الاتحادي الاستمرار بالاقتراض لغرض سد العجز الفعلي في الموازنة العامة الاتحادية أو لأي غرض آخر ورد في هذا القانون، بالرغم من تحقق فائض يعادل (172 ترليون دينار) تقريباً للسنوات (2004-2014) وأكثر من 15 ترليون دينار فائض موازنة 2015. ولتعويض انخفاض أسعار النفط الخام المصدر وازدياد الحاجة لإيجاد بدائل، عمدت الحكومة الى تخفيض بعض الضرائب بموجب المادة-24- ب- في موازنة 2016 عنها في  موازنة 2015،  ومنها السيارات بأنواعها والتي انخفضت نسبة الضريبة من  15%   الى 5%  ، والسجائر ، والمشروبات الكحولية من 300% الى 100%.

وفي الوقت الذي ينبغي على الحكومة السعي لا لغاء بعض النفقات غير الضرورية وترشيد بعضها الآخر، فقد تمت زيادة بعض التخصيصات التشغيلية في موازنة 2016 كالآتي:

الوزارات

تخصيصات تشغيلية لموازنة 2015

الزيادة التخصصات  تشغيلية لموازنة 2016

الفرق

رئاسة مجلس الوزراء

1355

2051

696

ديوان الوقف الشيعي

405

415

10

الهيئة الوطنية للاستثمار

10

16

6

المالية

17335

18265

930

العمل والشؤون الاجتماعية

1547

1556

9

الدفاع

5057

6071

1014

العدل

452

475

23

التربية

727

780

53

النقل

132

198

66

الأعمار والإسكان

961

1018

57

الموارد المائية

232

265

33

النفط

999

3674

2675

التخطيط

43

62

19

الصناعة

46

1089

1043

التعليم العالي والبحث العلمي

2733

2801

68

الكهرباء

1910

2709

799

الاتصالات

159

176

17

مليار دينار عراقي

7518

والسؤال  المطروح بعد استعراض الجدول اعلاه، هو: اين ذهب فائض الميزانيات السابقة  البالغ ( 7518) مليار دينار عراقي، ولماذا تشكو الحكومة من العجز المالي، ولم لا تعمل على تصحيح الأخطاء الواردة في بنواد الموازنة بما يتلاءم مع مقتضيات المرحلة.

وقال رئيس الوزراء  حيدر العبادي :”ان الايرادات النفطية المخططة لعام 2017 بلغت ٦٨.٤ ترليون دینار عراقي، والایرادات غیر نفطیة ١١،٦ ترلیون دینار”، مبيناً أن “سعر برميل النفط بموازنة 2017 قدر بـ ٤٢ دولارا.

واضاف ان  قيمة القرض المقدر لسد جزء من العجز المخطط تبلغ 5.6 ترليون دينار، مبينا تخصص  ترليوني دينار من حصة مجلس الوزراء لدعم الفلاحين.

وقال نائب رئيس اللجنة النيابية فالح الساري، إن “التعيينات في موازنة 2017 ستكون في اربع وزارات فقط، وهي الداخلية والدفاع والصحة والتربية”، مبينا انه “تم ايقاف كل التعيينات بالوزارات الاخرى”.

وذكرت عضو مجلس النواب حنان الفتلاوي  ان  الموازنة بنيت على أخطأ تخمينية،  ومنها:  افتراض  عجز تخميني  كبير مثل تقدير تعويضات رواتب الموظفين بـ 39 ترليون  فيما كان الصرف الحقيقي 20 ترليون ، وحددوا للمحافظات 400 مليون  دينار، ولم تحصل على ربع المبلغ، واكدت الفتلاوي ان زيادة الضرائب على الموظفين تعد جريمة بحقهم ، مستغربة تخصيص المستلزمات السلعية بنسبة 22% والبلد يعيش حالة تقشف.

ومن الاخطاء التخمينية بحسب الفتلاوي تخصيص الحكومة احتياطي الطوارئ بموازنة عام 2016  بمقدار 112 مليار  مع انها لم تصرف لوزارة التربية  مبلغ 75 مليار لطباعة الكتب المدرسية ولم يسعف هذا الاحتياطي طلبة المدارس، داعية لالغاء   تخصيصات الطوارئ؛ لانها ستفتح بابا للفساد  !

وكشف المستشار المالي لحيدر العبادي مظهر محمد صالح ان  النفقات لسنة 2017 اقل من اجمالي ميزانية 2016 بمقدار 5% ، وان  86 % الايرادات النفطية من اجمالي الايرادات ، واضاف ان الدولة بحالة تقشف وستزيد الاستقطاعات من رواتب الموظفين من 3%  ستصل الى 4.8%  لدعم النازحين  والحشد الشعبي مع الشكوك بوصول هذه المبالغ الى مكانها الصحيح التي اقتطعت من اجله، وهذا دليل على ان الموازنة تعاني عجزا كبيرا يفترض على الموظف المشاركة بسد العجز، واتجاه الدولة  نحو زيادة الاقتراض سواء من الدخل ام من الخارج لتغطية العجز والاسوأ من الاقتراض هو سوء توظيف المبالغ المقترضة.

مما سبق نستنتج ان الثروة النفطية في العراق بدأت تفقد قيمتها في الموازنة العراقية وليس انتفاء الفائض الذي كانت تحققه الثروة النفطية قبل 2013 فحسب مما يجعل الاقتصاد العراقي يعاني مشكلة المديونية. والاتجاه نحو تنويع الاقتصاد العراقي الذي يتطلب تخفيض نسبة الايرادات النفطية الى الايرادات الاخرى كالضرائب والرسوم وارباح القطاع العام والايرادات الرأسمالية والايرادات التحويلية  وايرادات القطاع الزراعي وغيرها.

 

شذى خليل

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

المصادر :

مركز الفرات للدراسات/ قراءة في الميزانية العامة الاتحادية العراقية لسنة 2016

NRT تقارير

الخلاصة

شفق نيوز

شبكة النبأ المعلوماتية

عراق برس / نص قانون موازنة 2017