ملامح الاقتصاد العالمي للعام 2017

ملامح الاقتصاد العالمي للعام 2017

شهد الاقتصاد العالمي محطات تاريخية واحداث مهمة  في عام 2016 اسهمت في تشكيل رؤية شبه واضحة لمسار الاحداث للعام 2017 وربما ما بعده، وتميز العام الذي يوشك ان يودعنا بعد ايام قليلة بزخم الاحداث وبروز نوع من التعاون  الاقتصادي الدولي للوقوف في وجه الكثير من التحديات التي تواجه المجتمع الدولي ، ومن جهة اخرى شهد العام قرارات هامة في اوروبا واسواق النفط العالمية .

  • اسواق النفط العالمية

بدأ عام 2016 بأهم حدث اقتصادي  وهو انهيار اسعار النفط الى “القاع”  فقد بلغ سعر البرميل27 دولار، وبلغت تخمة المعروض النفطي نسب قياسية تجاوزت 1.6 مليون برميل يوميا ،في حين وصل الانتاج العالمي 94مليون برميل يوميا ،وكان الانتاج الاكبر من روسيا التي ضخت في الاسواق 11مليون برميل يوميا وهو بحسب المراقبين أكبر انتاج منذ الحقبة السوفيتية ، اما إنتاج السعودية فقد بلغ معدلا قياسيا عند نحو 10.7 ملايين برميل يوميا، كذلك ارتفع انتاج دول مثل العراق حيث بلغ انتاجها  4.7 ملايين برميل يوميا، وبلغ إنتاج إيران نحو 3.7 ملايين برميل يوميا بعد رفع العقوبات الدولية عنها. أما إنتاج أوبك الإجمالي فقد تجاوز 33.6 مليون برميل يوميا لأول مرة في عدة سنوات.

في خضم هذا التنافس المحموم داخل السوق النفطية والشد والجذب بين المنتجين التقليديين و المنتجين غير التقليديين (النفط الصخري) هوت الاسعار واستمرت عند معدلات متدنية افضت الى اطلاق صرخات بعض الدول التي اوشكت على الافلاس لاعتمادها على النفط كمصدر دخل رئيسي لإيراداتها، وعليه بدأت الدول القيادية في اسواق النفط تبحث عن المخرج ، وبدأ في الربع الاول من عام 2016 اول هذه المحاولات الجادة تحديدا اجتماع الدوحة وتلاه اجتماع الجزائر وصولا الى اتفاق فيينا مطلع هذا الشهر الذي افضى الى اتفاق على تثبيت سقف الانتاج، وقد اسهم هذا الاتفاق الى انتعاش اسعار النفط عالميا، وبالتالي سيكون هذا الاتفاق بداية مرحلة جديدة لأسواق النفط قد تنهي عامين من اصعب السنوات التي شهدها سوق النفط منذ عقود.

  • الاقتصاد ورفع الفائدة

تترقب الاسواق نتائج رفع أسعار الفائدة الأمريكية وبحسب المحللين فأن الأسواق أصبحت على شبه يقين بأن الفدرالي الأمريكي سيقوم برفع أسعار فائدته بمقدار 25 نقطة أساس ، وتعتبر هذا المرة الثانية التي يقوم فيها الفدرالي برفع أسعار فائدته خلال آخر 10 سنوات، وكذلك فإن الأسواق بالقرب من تقدير كامل لمرتي رفع العام القادم، كما أوضح فريق الأبحاث في BNP Paribas.

هذا الرفع قد يتسبب باضطرابات كبيرة للاقتصادات الصاعدة. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وخفض أسعار العملات نظرا لأن الأموال ستتحرك نحو الولايات المتحدة لتستفيد من ارتفاع أسعار الفائدة هناك. وهذا بدوره سيجعل سداد القروض بعملة الدولارا باهظا جدا.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فقد بلغ سقف الدَّين العالمي إلى أعلى مستوى له منذ عام 2000، متجاوزة حاجز 225 %من الناتج المحلي الإجمالي.

فيما يتعلق بالمنطقة العربية توقع كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بنك “HSBC” سايمون ويليامز، عودة ثقة المستثمرين إلى منطقة الخليج عند دخول التعديلات التي اتخذتها حكومات المنطقة حيز التنفيذ.

وقال ويليامز: “لا أعتقد أن التطورات العالمية ستدعم نمو المنطقة خصوصا مع ارتفاع الدولار ورفع معدلات الفائدة الأمريكية”.

واستبعد حدوث أزمات مالية ولا أزمات عملة، ولكنه عبر عن اعتقاده بأن الاقتصاد العالمي مقبل على عام صعب “ولا أرى تعافيا في الأفق بعد”.

اما فيما يتعلق بالاقتصاد الصيني ثاني اقتصاد  في العالم، فمن المتوقع ان تستمر حالة التباطؤ التي تلقي بضلالها على اقتصادها، وبحسب الخبراء فالنمو الاقتصادي المدفوع بالدين لا يمكن ان يستمر بنفس الوتيرة، لا سيما بعد ان وصل اجمالي الدين الصيني الى الناتج المحلي الاجمالي الى حوالي 240 %. اضف الى ذلك ان قوة الدولار وارتفاع فائدته يشكلان تحديا امام السوق الصينية وسائر الاسواق الناشئة التي استفادت كثيرا من موقعها كملاذ للباحثين عن العوائد في ظل اسعار الفائدة المنخفضة.

 

  • القارة الاوروبية

شهدت القارة الأوروبية في العام 2016 العديد من الاحداث التي كان لها أهمية كبرى ،وشكل استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد اكبر هذه الاحداث ، ولم يكن بحساب الكثيرين بأن هذا الانفصال سيكون بداية التحدي  للاتحاد الاوروبي، فقد شهدنا بعد ذلك ارتفاع صوت الشعوبية الاوروبية، وقد يعني هذا بحسب المراقبين بداية مؤلمة لنهاية الاتحاد الاكبر في العالم، كذلك  يرى المراقبين ان عام  2017 سيشهد  استمرار اجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك الانتخابات في كل من فرنسا وألمانيا وهولندا واحتمال إيطاليا أيضاً، مخاطر تهدد النمو؛ فمن شأن فوز المرشحين الشعبويين زيادة الانعزالية والحمائية بشكل يدعو للشك حول استمرار وجود الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو نفسها أضف الى ذلك أزمة الديون اليونانية ؛ وهو ما من شأنه زيادة حالة عدم اليقين والتقلبات في الأسواق المالية، والتأثير بشكل سلبي على النمو.

 

  • قراءة أولية لملامح الاقتصاد العالمي في 2017

القراءة الاولية لما ستكون عليه الاوضاع الاقتصادية في عام 2017 تنبأ بأن العالم امام عام مليء بالأحداث الهامة ، وهو عام قد نطلق عليه عام القرارات الصعبة والتي قد تغير ملامح الاقتصاد العالمي، وهذا مبني بالدرجة الاولى على التحولات الاقتصادية والسياسية التي رافقت الحراك الشعبوي الذي تشهده القارة الاوروبية كما اسلفنا، و نمو الاقتصاد الصيني،  اضف الى ذلك وصول المرشح الرئاسي دونالد ترامب الى البيت الابيض وما تشير اليه سياسته الاقتصادية ،من جهة ثانية يحمل العام المقبل اخبار سارة لأسواق النفط حيث تشير التوقعات الى انتعاش اسعار النفط، وهذا ايضا يعتمد على التزام الدول المنتجة بهذا الاتفاق، وبالرغم مما سبق الا ان التكهن بالمستقبل امر ليس باليسير الا انه يبقى للتوقعات هامش يمكن ان تكون مقاربة لما ستكون عليه الاوضاع في المستقبل، لكن الايام المقبلة هي الفصل الاساسي لأي توقعات.

 

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية