هل تتسبب حقوق الإنسان في إسقاط رئيس إيران؟

هل تتسبب حقوق الإنسان في إسقاط رئيس إيران؟

بوصول حسن روحاني في العام 2013 للرئاسة، اعتبر الرئيس الإيراني وفريقه الحكومي الاتفاقية النووية خطوة أولى في إعادة صياغة أسس العلاقات الإيرانية الخارجية، وتطبيع العلاقات الإيرانية مع غيرها، في محاولات الإصلاح الاقتصادي.

أحد أهم أعمدة التطبيع، التي يسعى إليها روحاني، هو تحسين حالة حقوق الإنسان بإيران. وعلى الرغم من أنها من المستحيل أن يندهش أحد، فإن موقف حقوق الإنسان قد تلطخ مشروع التطبيع ببرمته، ويصعب على داعمي ايران في الخارج، الحفاظ على مصداقية قضيتهم.

تاريخ حقوق الإنسان الضعيف والمتهالك للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يقلق المجتمع الدولي منذ فترة طويلة، وانتقدت أمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لإيران سالفًا، وفي العام 1985 أعتبرت إيران رابع دولة توضع في أجندة مجلس الأم،ن بسبب عدم احترامها لحقوق الإنسان.

على مر السنين، أتهمت إيران بالعديد من التهم؛ منها انتهاك حقوق الإنسان، وحقوق الجنسين، والحقوق الدينية والحق المدني والحرية السياسية. فاشتهر النظام الإيراني بسوء معاملة وتعذيب سجنائه، والقتل خارج بنود القانون، والاستخدام المفرط لعقوبة الإعدام، وأحكام قضائها القاسية، حتى الأقليات لم يسلموا من أفعالهم غير الإنسانية.

وساءت أحوال سجلات حقوق الإنسان بشدة في إيران، في أثناء فترة رئاسة محمود أحمد نجاد في بداية عام 2005. فقد أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” زيادة عدد عمليات الإعدام من 85 حالة في العام 2005، لتصل الى 317 حالة إعدام في العام 2007. إضافة إلى استخدام الأساليب التعسفية، والاحتجاز لفترات طويلة للنشطاء السلميين والصحفيين والطلاب والمنادين بحقوق الإنسان، وهم الذين اتهموا عادة بالعمل ضد مصلحة الأمن القومي.

وفي العام 2008، أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها الشديد من سجل حقوق الإنسان الإيراني، خصوصًا بحالات التعذيب وازدياد أحكام الإعدام وإعدام الأحداث صغيري السن، واضطهاد أي امرأة تسعى الى البحث عن حقوقها الإنسانية، والممارسات العنصرية ضد الأقلية، ومهاجمتهم مثل مهاجمة وسائل الإعلام للبهائيين. بينما شهدت المظاهرات، التي اندلعت في العام 2009، اعتراضًا على “سرقة الانتخابات” على مقتل العشرات والقبض على المئات الأخرى، بما فيهم عشرات من زعماءالمعارضة، وبالطبع لن ننسى وسائل القمع المتبعة ضد وسائل الإعلام المعارضة لهم.

وعلى الرغم من وعود روحني، بتحسين وضع هذه السجلات التي يرثى لها، لم يتغير الكثير في فترة رئاسته. فوفقًا لمنظمة العفو الدولية، زادت حالات الإعدام في العام 2015، لتصل وحدها إلى إعدام 977 شخصًا، مقارنًا بـ743 في العام السابق لها. وبناءً على الإحصائيات الأولية للنصف الأول من العام 2016، تشير إلى كونه أسوأ من سابقه. حيث رصد مركز التوثيق الإيراني لحقوق الإنسان ومؤسسة عبدالرحمن بوبوماند, إحدى المؤسسات المستقلة المراقبة لحقوق الإنسان في إيران، 386 حالة إعدام حتى الآن.

وفي مؤشر مقلق، يبدو أن عمليات القمع ومحاكمة الجرائم، المعروفة بجرائم نمط الحياة، بما في ذلك زيادة إجبار النساء على ارتداء الزي الإسلامي. وظهرت بعض الآراء المطالبة بالدفع بقانون يمنع السيدات من متابعة الرياضة في الملاعب، وهي مشكلة فتحت منذ العام 1979 حتى وقتنا هذا، للحد من حريات المرأة.

وما لم تحمد الحكومة الإيرانية عقباه، زاد استهداف الإيرانيين مزدوجي الجنسية. حيث تم اعتقال 7 مواطنين من ذوي الجنسية المزدوجة على الأقل منذ شهر أكتوبر من العام 2015، واتهم العديد منهم بالتجسس، أومحاولة قلب نظام الحكم الإيراني، ما أثار اهتمامًا شديدًا لدى الغرب، وزاد من اعتقادهم بعدم التزام إيران بقواعد حقوق الإنسان.

وفي قضية أخرى رفيعة المستوى، أعدمت السلطات الإيرانية “شهرام أميري”, خبير نووي سابق حاول الهرب إلى الأمم المتحدة، في 3 من أغسطس الماضي، بعد تهديدات شديدة له ولأسرته للعودة إلى إيران في 2010، ومن ثم تم الحكم عليه بالسجن لمدة 10 أعوام، بينما أصر النائب العام لمحكمة العليا لإيران على إعدامه. وفسر المحللون أن إعدامه المفاجئ, الذي اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية بتغطية أحداثه بشدة، بكونه محاولة جديدو من قبل متشددين لإعاقة جهود روحاني للتطبيع.

يعلم الرئيس الإيراني جيدًا أنه من الصعب تطبيق مشروع إيران للتطبيع مع المجتمع الدولي، وعودة اندماجها مع بقية شعوب العالم، دون تحسين سجلها لحقوق الإنسان.

فقد حاول روحاني مرارًا وقف انتهاكات حقوق الإنسان، وأكد على أن الامتثال بحياة الشريعة لا يمكن أن يكون بالإجبار، لكن طواعية دون إرغام. فقد صرح روحاني في إحدى المرات: “لا يمكنك أن ترسل الناس إلى الجنة بالكرباج”, لينم بذلك عن توبيخ واضح للمؤسسة الدينية الإيرانية.

لسوء الحظ، كل التعنتات السابقة والخرق الواضح لحقوق الإنسان، تحكمت في مجريات الأمور، بسبب غرابة النظام الإيراني، المعروف “بنظام التفاوض السياسي”. فبعد الثورة الإيرانية أعاد تشكيل النظام القضائي ليتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية, مع الحفاظ على بعض الأحوال المدنية. فبالإضافة الى المحاكم العامة، والجنائية أو المدنية, تتولى محاكمم الثورة الإسلامية بإيرا، في قضايا محددة؛ من جرائم غير محددة، مثل الجرائم التي تهدد الأمن القومي، والجرائم التي تسيئ الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حيث تجد أن محاكم الخاصة برجال الدين، مستقلة تمامًا عن النظام القضائي المتعارف عليه وعرضة للمحاسبة من قبل القائد الأعلى وحده، لتكون أحكامها غير قابلة للنقد أو الاستئناف، وتعمل على ملاحقة رجال الدين المعارضين للنظام وغيرهم ممن يشكل خطرًا على عقيدة النظام.

وفي شهر أبريل من العام الحالي، أطلقت منظمة “كشت إرشاد”، المدعومة من قبل ميليشيات الباسيج، المكلفة بتطبيق القانون الإيراني الإسلامي على العامة، حملة لتطبيق تعاليم الدين الإسلامي، المتعارف عليها في المناطق العامة والخاصة أيضًا، بينما تجد أن فرض الحجاب من أهم أولوياتهم. ولديهم الحق والصلاحيات التي تسمح لهم باتهام أي مشتبه به، وفرض الغرامات، واعتقال أي شخص, إضافة إلى السماح لهم بتدمير أطباق الأقمار الصناعية، وأجهزة استقبالها، كجزء من محاربتهم للأجهزة التي وعلى حد قولهم: “تشيطن الأخلاق والثقافة المواطنين”.

مما لا شك فيه، أن فشل حكومة روحاني في الحد من انتهاكات حقوق الإنسان، تسبب في استياء محلي ودولي. حيث نشرت مؤسسة الأمم المتحدة للسلام، على الرغم من تعاطفها المستمر في السابق مع معتدلي إيران، تصريحًا في بداية هذا العام بعنوان “فشل روحاني في تطبيق إصلاحات في حقوق الإنسان”. بالطبع علا صوت كل من عارض الاتفاقية النووية الإيرانية في واشنطن، بينما لم تترك إسرائيل مثل هذه الفرصة السانحة للتبليغ المستمر عن حالة حقوق الإنسان المردية.

ثارت العديد من الشكوك عن عدم رضا أوصياء إيران، عن سجل البلاد لحقوق الإنسان، لأسباب ليس أقلها أنهم يتوقعون أنها ستستخدم في الإنتخابات الرئاسية لعام2017، فمتطرفوها لم يترددوا من قبل في استخدامها لإسقاط حكومات بعيتها ولن يترددوا لإستخدامها كمبرر مرة أخرى.

فالحكومة الإيرانية غير مجبرة على تنفيذ مثل هذه الاتفاقية عكس الإتفاقية النووية المفروض تنفيذها من الدولة, ولكن من الممكن أن يستخدمها معارضي ورحاني في

الإنتخابات القادمة للإيقاع بالتيار الحالي, فقد كانوا واضحين تمامًا في موقفهم, المتخذ من تخريبها بأي شكل كان. فمن الممكن أن يتصدى أي كان لاتفاقية حقوق الإنسان، لكن لن يمس أي من الجانبين باتفاقية النووية، لأن إيران لا تريد أن تعود إلى الخضوع إلى العقوبات، التي فرضتها أميركا عليها من قبل.

تعتبر حكومة روحاني أكثر من حاولوا في تغيير النظام الإيراني المتبع، للتحسين من موقفها الدولي وتحسين حالتها الاقتصادية. وبالنسبة لمعارضي الاتفاقية النووية مع إيران من الغرب، حاولوا مرارًا استغلال العقوبات المفروضة عليها للحد من قوة الأوصياء على الاتفاقية، وبالطبع كل هذه الضغوطات الخارجية قادرة دون شك على زعزعة ميزان القوة، في مصلحة من يحاول إفساد هذه الاتفاقيات. وبالطبع لا يمكن استبعاد إنهيار اتفاقية النووية المبرمة, مما يؤدي إلى خلق جولة جديدة من الصراع في منطقة هشة بالفعل.

اشيونال إنتريست – التقرير