“ثورة الضمير” غائبة.. خيبة أمل عالمية تتكرر مرة أخرى أمام محرقة حلب

“ثورة الضمير” غائبة.. خيبة أمل عالمية تتكرر مرة أخرى أمام محرقة حلب

بات العالم كله يشاهد المذابح، التي يرتكبها النظام السوري، وحلفاؤه من الروس والإيرانيين، والميلشيات الشيعية، التي جاءت من لبنان وباكستان وأفغانستان، في حلب الشرقية، ولا حراك، سوى بيانات شجب واستنكار من الأنظمة العربية والإسلامية، وخذلان من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وعجز كامل من الأمم المتحدة، بعد الفشل في استصدار قرار من مجلس الأمن، بوقف آلة الحرب الجهنمية، وحماية النساء والأطفال وكبار السن.

الجميع وقف ليشاهد أكبر جريمة تحدث بعد الحرب العالمية الثانية، حتى الشعوب العربية -المغلوبة على أمرها- المُجرم فيها التظاهر، أو التجمعات للتفاعل مع مأساة أهالي حلب، استكانت للقيود، ورضخت تحت هراوة جحافل قوات الأمن، التي تعتبر التظاهرات “جريمة لا تغتفر”، يحاكم مرتكبوها بالسجن المشدد والغرامات الباهظة.

دعوات لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بشأن حلب، ومطالب بعقد جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تتولى بموجبها الجمعية العامة مسؤولية حماية الأمن والسلم في سوريا، التي ما زالت تهددها العمليات العسكرية التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه، بعد الفشل المتكرر في مجلس الأمن، بسبب استخدام الفيتو الروسي والصيني، وطلب لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، على مستوى المندوبين الدائمين، لمناقشة الوضع المأساوي في مدينة حلب السوري، وتنديدات واستنكارات وشجب وادانة، صدرت من عواصم عالمية، لكن لم تحرك ساكنا.

الوضع في حلب الشرقية مأساوي، إعدامات بالجملة، وخطف وقتل مدنيين جهارا نهارا، ودخول المنازل وتصفية كل من فيها، رجال ونساء وأطفال، وتقارير أممية موثقة عن الإعدامات والاختفاء، ووصف للحالة في حلب الشرقية بـ”المرعبة”، و”الفظيعة” و”المأساة التي لا يمكن وصفها”، مائة ألف نزحوا من المدينة، مئات الأطفال محاصرون ومهددون بالإبادة، والجريمة مستمرة.

جلسة استثنائية طارئة

على المستوى العربي، أكدت السعودية على ضرورة عقد جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تتولى بموجبها الجمعية العامة مسؤولية حماية الأمن والسلم في سوريا، التي ما زالت تهددها العمليات العسكرية، التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه ضد أبناء الشعب السوري، الذي يتعرض لعمليات قتل جماعي وتشريد وحصار، وغير ذلك من الجرائم، التي يجب التصدي لها وإيقافها.

وطلبت قطر عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، على مستوى المندوبين الدائمين، لمناقشة الوضع المأساوي في مدينة حلب السوري، وأوضح مندوب الكويت الدائم لدى الجامعة العربية، السفير أحمد عبد الرحمن البكر، أن الأمانة العامة تلقت مذكرة بهذا الشأن من المندوبية الدائمة لدولة قطر، مشيرا إلى أن الكويت أيدت الطلب القطري، وأكد البكر أنه تجري حاليًا المشاورات بين الأمانة العامة للجامعة العربية وتونس، الرئيس الحالي لمجلس الجامعة، لتحديد موعد لعقد الاجتماع.

ضرورة وقف المجازر

قال مسؤول أممي، إن الأمم المتحدة تلقت معلومات من “مصادر موثقة” بارتكاب النظام السوري والميليشيات الداعمة له “إعدامات جماعية”، في حلب، شمالي البلاد، وأضاف زيد رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أن المعلومات تلقاها مكتب الأمم المتحدة في جنيف، وتشير إلى تنفيذ الإعدامات بالمناطق التي سيطروا عليها مؤخراً (شرقي حلب)، إضافة إلى مقتل الكثير من المدنيين في الغارات المكثفة خلال الأيام الأخيرة.

وشدّد في بيان، على ضرورة وقف المجازر والعمليات الإرهابية في حلب، والتعامل مع المدنيين الفارين من شرقي حلب، والمحاصرين أو الذين لم يستطعوا النجاة من قبضة النظام السوري، وفق القوانين الدولية، ودعا زيد رعد الحسين، المجتمع الدولي إلى الإنصات لنداءات الاستغاثة، التي يطلقها المدنيون، الذين يتعرضون للمجازر، وقال “يوجد أعداد كبيرة من جثث القتلى في شوارع أحياء حلب الشرقية، والأهالي لا يستطيعون إزالة تلك الجثث، خشية القصف والقنص”.

القوانين الإنسانية

وحذّر المسؤول الأممي من احتمال مواجهة القاطنين في مدينة دوما، بالعاصمة دمشق، ومحافظتي الرقة وإدلب الشماليتين، نفس المصير، داعياً المجتمع الدولي إلى عدم السماح بتكرار هذا السيناريو المروع مرة أخرى، وأكّد الحسين أنّ نظام الأسد مرغم على تقديم الخدمات الطبية للجرحى، من دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين، وذلك بموجب القوانين الإنسانية، المتفق عليها دوليًا.

100 طفل محاصرون

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، إن أكثر من 100 طفل محاصرون في إحدى مناطق شرقي حلب “يتعرضون لإطلاق النار”، وطالبت المنظمة في بيان، بـ”إخلاء المنطقة، وتأمين خروج آمن للأطفال”، وعبر المدير الإقليمي للمنظمة، غيرت كابيلا، في البيان نفسه، عن قلقه العميق مما يتعرض له الأطفال في حلب، وقال “لقد حان الوقت لأن يقف العالم من أجل أطفال حلب، ويوقف الكابوس الذي يعيشونه”.

الإعدامات والاختفاء

وقال مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير ماثيو رايكروفت، إن بلاده وفرنسا دعتا، إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، بشأن حلب، وأضاف للصحفيين أن “تقارير الإعدامات والاختفاء باتت مرعبة في حلب، لذلك دعونا اليوم مع فرنسا إلى اجتماع عاجل بمجلس الأمن”.

قلوبنا تحترق

المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وصفت الوضع في سوريا بالمأساوي، قائلة: “الوضع كارثة حقيقية. قلوبنا تحترق. ينبغي عليَّ فعلًا قول ذلك”، وأضافت في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، في العاصمة الألمانية برلين، أن بلادها ستبذل مع فرنسا قصارى جهدها، لتحسين وضع الشعب السوري، وتوفير الحماية المدنية والمساعدة الإنسانية له، وشددت ميركل على أنها ستبذل جهودها من أجل دفع النظام السوري وروسيا وإيران لإظهار تفهم حيال الوضع في حلب.

“غير مقبول”

أما الرئيس الفرنسي، فشدد على أن الوضع الإنساني في سوريا “غير مقبول”. وقال: “في حلب 120 ألف شخص، موجودون كرهائن، ولا يمكن وصف ما يحدث بشكل آخر. هم تحت القصف، ويشعرون بالألم، وحياتهم مهددة في حال حاولوا الخروج من المدينة”، ونوه بأهمية إجلاء المدنيين من حلب، وفتح ممرات لدخول المساعدات الإنسانية، وقال: “سنعمل على زيادة الضغط على النظام السوري وروسيا”.

وأوضح أولاند، أن روسيا تعيق من خلال حق النقض (فيتو) مجلس الأمن من تحقيق أي تقدّم فيما يخص الوضع في سوريا، وقال: “دون روسيا، لن يجد النظام السوري أي فرصة لإجراء عمليات عسكرية”، لافتا إلى أن جميع المستشفيات تدمَّرت في حلب، ومشددًا على ضرورة حماية البنية التحتية الصحية في المدينة، وتابع أولاند: “نحن بحاجة إلى إعلان مهلة إنسانية، لأن بيت القصيد في هذا السياق هو حياة البشر. هناك عشرات الآلاف من الأشخاص المحاصرين. لذلك، نحن بحاجة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة”.

الهجمات المفجعة

تركيا، أعربت  عن غضبها ودهشتها، تجاه الهجمات المفجعة التي تشنها قوات النظام السوري وداعميه على المدنيين في مدينة حلب شمالي البلاد، وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية: “نتلقى بصدمة وغضب كبيرين، قتل النظام وداعميه لعدد كبير من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في الأحياء الشرقية لحلب، والواقعة تحت الحصار وقصف كثيف منذ يوليو/ تموز الماضي”.

وشدد البيان على أن النظام دمّر المستشفيات والمدارس وشبكة الكهرباء، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في المدينة، وأضاف: “النظام أجبر سكان حلب في الأحياء الشرقية على العيش في ظروف غير إنسانية”، ولفت إلى أن النظام لم يكتف بالحصار والدمار، ولجأ إلى استهداف المدنيين بشتى أنواع الأسلحة، الأمر الذي يرقى إلى “تصفيات جماعية” بحقهم.

التصفيات الجماعية

بيان الخارجية، أكد أن قوات النظام تمنع خروج المدنيين، الراغبين بمغادرة المدينة، وأعرب عن قلق تركيا من مواجهة عشرات آلاف المدنيين مصير أقرانهم، ممن قضوا تحت القصف أو التصفيات الجماعية، وأفاد بأن الأعمال السابقة تعتبر بمثابة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية، محملاً النظام السوري وداعميه مسؤولية تلك الانتهاكات، وطالبت الخارجية بوقف فوري للهجمات على حلب، وإخلاء المدنيين بشكل آمن تحت رعاية الأمم المتحدة، وفتح الطريق لدخول المساعدات الإنسانية، مؤكدة مواصلة تركيا مبادراتها مع المنظمات الدولية والدول المعنية لتحقيق ذلك.

جرائم تستوجب العقاب

فرنسا، دعت الأمم المتحدة إلى استخدام كل الآليات على الفور، للوقوف على حقيقة ما يحدث في الأحياء الشرقية من مدينة حلب المحاصرة، شمالي سوريا، وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرلوت، في بيان ، إنه “ينبغي تسليط الضوء على المعاناة التي يتعرّض لها المدنيون في حلب”، وأضاف: “على المجتمع الدولي أن يعمل بطريقة تضمن عدم إفلات هذه الجرائم من العقاب”.

“ثورة الضمير”

ومجدّدا دعوته لإنهاء القتال في حلب، استعرض الوزير الفرنسي الفظائع المرتكبة من قبل ميليشيات النظام السوري، مثل مجزرة قتل عائلة بأكملها بدم بارد، بسبب الاشتباه في كونها مقرّبة من المعارضة، والإعدامات الجماعية، وإحراق أشخاص أحياء في منازلهم، إلى جانب الاستهداف الممنهج للمستشفيات وموظفيها والمرضى المتواجدين فيها، وغيره، ووصف آيرلوت ما يحدث في حلب بـ”الفظائع”، وشدد على أنها تفجّر “ثورة الضمير” .

الوحشية والقسوة

أما وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، فقال إن بلاده تبذل مساعٍ حثيثة من أجل وقف الظلم، الحاصل في مدينة حلب خصوصًا، وسوريا عمومًا، مشددًا على أن حلب تتعرض في هذه الآونة لوحشية وقسوة لم يشهدهما التاريخ البشري، نظيرًا لها، وأضاف أن الخارجية تجري اتصالات مع الدول الفاعلة في الأزمة السورية، خصوصًا روسيا وإيران، من أجل وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، وتحقيق حل سياسي.

مقترحات ملموسة

وتابع الوزير التركي: “قدمنا (للمجتمع الدولي) على الدوام مقترحات ملموسة، لكننا للأسف رأينا عدم صدق العديد من البلدان، رأيناهم كيف تركوا حلبَ وحيدةً. رغم الوعود التي قطعت لوقف إطلاق النار في المدينة، فإن القصف استمر على حلب بكل وحشية. تم استهداف المستشفيات على وجه الخصوص، كي لا تتم معالجة الجرحى. والمسؤول عن ذلك هو النظام السوري وداعموه”.

وأشار جاويش أوغلو إلى أن النظام السوري وداعموه، لم يسمحوا بإخراج الجرحى من حلب، وإدخال مساعدات إنسانية لسد رمق المدنيين الذين يموتون في حلب جوعًا. لافتًا إلى أن تركيا لن تقف صامتة حيال ما يجري في حلب، رغم صمت الجميع، وستستمر ببذل الجهود مع جميع الأطراف في سبيل إيجاد حلّ للأزمة.

إيصال المساعدات الإنسانية

واعتبر الوزير التركي، أن الصامتين إزاء الظلم الحاصل في حلب، هم مسؤولون أيضًا حيال الانتهاكات التي تشهدها المدينة، لافتًا إلى أن الإدارة التركية ستكثّف اتصالاتها مع روسيا، من أجل توفير ممرات آمنة تضمن إخراج المدنيين من حلب، واحترام وقف إطلاق النار، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، وأكّد جاويش أوغلو، أن المحادثات التي ستجريها تركيا اليوم – الأربعاء- مع روسيا، تحمل أهمية خاصة، مطالبًا الإعلاميين بمنح أهمية خاصة للتصريحات التي ستصدر عنه.

عبداللطيف التركي – التقرير