معركة حلب… النظام الإيراني وحركة النجباء العراقية

معركة حلب… النظام الإيراني وحركة النجباء العراقية

لم يكن تدخل النظام الإيراني في سوريا ووقوفها إلى جانب نظام بشار الأسد في مواجهة المعارضة المسلحة مجرد تخمينات، بل حقيقة أكدها المسؤولون الإيرانيون بأنفسهم، حيث أكد ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي فيي الحرس الثوري علي سعيدي في آخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أنه لولا تدخل بلاده لدعم نظام دمشق “لكانت ضاعت” إيران والعراق ولبنان وسوريا.

وفي إطار معركة حلب كانت الضربات الجوية الروسية العامل الأهم على الإطلاق في انتصار بشار الأسد. فقد مكّنت قواته من تشديد الحصار على شرق حلب بحيث صار مدمّرا واستعادت سيطرتها الكاملة على ما كان يمثل أكبر مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية قبل الحرب. لكن على الأرض لعبت المليشيات الشيعية المسلحة، التي جاءت من  بلدان مختلفة حتى أفغانستان، دورا مهمّا لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومن هذه المليشيات  المليشية العراقية حركة النجباء. وفي هذا السياق سنسلط الضوء عليها كونها “حزب الله اللبناني” في نسخته العراقية، وسنتاول أيضاً أثر سيطرة بشار الأسد وحلفائه على حلب  في رسم خارطة الهلال الشيعي.

“حركة النجباء” مليشيا عراقية شيعية تدين بالولاء الديني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وتحظى بعلاقات وطيدة منذ نشأتها مع حزب الله اللبناني، تعد من أكبر فصائل الحشد الشعبي الشيعي، وأبرز المليشيات العراقية المقاتلة مع نظام بشار الأسدفي سوريا. والاسم، حسب مؤرخي الحركة: “اقتبس من خطبة عقيلة بني هاشم السيدة زينب في مجلس الخليفة الأموي يزيد؛ حيث وصفت الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره بحزب الله النجباء”.

أسسها أكرم الكعبي، عقب انشقاقه من ميليشيا “عصائب أهل الحق”، وكانت تابعة لجيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر، وكان الكعبي من ضمن قيادة “حركة النجباء” منذ تأسيسها مع قيس الخزعلي وعبد الهادي الدراجي.. شغل  الكعبي منصب نائب الأمين العام والمسئول الجهادي لعصائب أهل الحق. ومع اندلاع الصراع السوري المسلح كُلف الكعبي بتشكيل فصيل مقاتل في سوريا يكون تحت ضل العصائب، فأسس حركة النجباء لواء عمار بن ياسر مطلع عام 2013، ثم ما لبث الكعبي وانشق عن عصائب أهل الحق وتفرده بالأمانة العامة لحركة حزب الله النجباء، وانتقل إلى سوريا ليشرف ميدانيا ويقود العمليات بنفسه بعيدا عن رفيق دربه قيس الخزعلي.

وتتكون الهيكلة العسكرية للحركة من الألوية التالية: “لواء عمار بن ياسر”، “لواء الإمام الحسن المجتبى”، “لواء الحمد”، وإضافة إلى تمركزها في أنحاء العراق تقاتل هذه الألوية في سوريا وتضم مقاتلين شيعة من دول عربية عديدة، متوزعة على مناطق إستراتيجية في طليعتها دمشق وحلب، وهي مدربة جيدا على استعمال مختلف الأسلحة بما فيها المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ.

وفي حين يقول مراقبون للشأنين العراقي والسوري إن أهداف “حركة النجباء” تتلخص في خدمة النفوذ الإيراني ونشره بدول المنطقة؛ تصف الحركة نفسها بأنها “إحدى فصائل المقاومة الإسلامية في العراق التي تهدف إلى الدفاع عن الوطن والمقدسات وخصوصا في سوريا والعراق، حيث سطر أبناء الحركة أروع صور التضحية والبطولات في صمودهم وانتصاراتهم المتكررة ضد قوى الشر والإرهاب التكفيري”.

وتمتلك الحركة جهازا إعلاميا متكاملا لخدمة أهدافها، يضم قناة تلفزيونية باسم “قناة النجباء الفضائية” وموقعا إلكترونيا يحمل اسمها أيضا، ومجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي، وهي لا تخفي أنها تتحصل على الدعم المالي والعسكري والفني من النظام الإيراني و”الجهات المؤمنة والمجاهدة التي أخذت على عاتقها دعم المقاومة وتحرير العراق”، كما تتلقى التدريب العسكري على أيدي خبراء عسكريين من حزب الله اللبناني. شاركت في الحرب على  الفصائل السنية، وكانت جزءً رئيسيًا في حملات الاعتداء الشهيرة على مناطق السنة في العراق، والتي راح ضحيتها الآلاف من سنة العراق.

وعلى إثر اندلاع الثورة السورية كانت حركة النجباء في طليعة الفصائل الشيعية المسلحة التي انتقلت إلى الأراضي السورية للقتال مع القوات الحكومية السورية وحزب الله اللبناني وقوات إيرانية (ضمنها الباسيج) وأطراف أخرى، لحماية النظام السوري من السقوط على أيدي مقاتلي المعارضة السورية، وذلك تحت ذريعة “حماية المقامات الشيعية المقدسة”.

لكن الوجود الأكبر للحركة هناك كان بعد معركة القصير في يونيو/حزيران 2013، إذ زادت عدد مقاتليها وانتقلت إلى تنفيذ عمليات عسكرية في العاصمة دمشق وريفها وحلب وريفها شمالي البلاد، كما شاركت في عمليات فك الحصار عن قرى شيعية مثل نبل والزهراء، وتقول إنه كان لقواتها “دور بارز ومميز في عمليات فتح طريق حماة/حلب”.

وفي 18 فبراير/شباط 2016 تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر أفرادا من حركة النجباء وهم يسحلون أحد عناصر قوات المعارضة السورية المسلحة في ريف حلب الجنوبي، وقد تفوه بعض عناصر الحركة بعبارات طائفية في حق الضحية، من قبيل “هذا هو ابن أمية.. وابن عائشة”. وفي 7 أيلول/سبتمبر الماضي قال المتحدث باسم حركة النجباء الشيعية العراقية هاشم الموسوي  إن جماعته أرسلت أكثر من ألف مقاتل آخر إلى الأجزاء الجنوبية من مدينة حلب السورية لتعزيز مواقعها. وأضاف الموسوي أن “أكثر من ألف مقاتل من حركة النجباء أرسلوا إلى حلب لتقديم المساعدة على الأرض”. وذكر أنه تم إرسال المقاتلين الإضافيين لتعزيز المناطق التي انتزعت من المعارضة السورية المسلحة. وفي اليوم نفسه أعلنت الحركة أيضا أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني تفقد قطاعات عمليات مقاتليها في ريف حلب بسوريا، وأنه حضر اجتماعَ قادة الحركة في ريفِ حلب “وقدم لهم الإرشادات اللازمة”.وجاء هذا الإعلان بعد أيام من زيارة الأمين العام للحركة أكرم الكعبي لإيران، ولقائه قادة عسكريين ودينيين إيرانيين للتنسيق بشأن ما يجري في المنطقة وخصوصا في العراق وسوريا. وتحتل حركة النجباء مع حزب الله مناطق منيان ومعمل الكرتون وضاحية الأسد ومساكن 3000 والأكاديمية العسكرية والحمدانية بحلب.

وقد كانت حركة النجباء كغيرها من المليشيات الشيعية أحدى أدوات النظام الإيراني في كسر المعارضة السورية المسلحة في معركة حلب، لرسم خارطة الهلال الشيعي في المشرق العربي، يقول روبرت كابلان، في كتابه “انتقام الجغرافيا”، “في زمن الاضطرابات الشيء الوحيد المهم هو الخرائط. فعندما تتحرك الأرض السياسية بعنف من تحت أقدامنا، تظل الخارطة، حتى ولو لم تكن مؤكدة، نقطة البداية لتحديد منطق ما يجري”. والنظر في خرائط الصراعات الدائرة اليوم في منطقة الشرق الأوسط، يساعد على فهم أسباب الدور الذي يلعبه النظام الإيراني سوريا، وأهمية التطورات الميدانية في حلب. ولا يمكن فهم هذه التطورات بمعزل عما جرى ويجري في العراق وخارطة الهلال الشيعي التي رسمت في طهران. نزل النظام الإيراني بكل عتاده وقوته الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى حلبة القتال في حلب. ولئن كانت مدعوماً جوا بالطائرات الروسية، فإن الفاصل في المعركة كان خليط الميليشيات الشيعية كحركة النجباء التي أنشأها ودرّبها النظام الإيراني وقام بالزج بها في ساحة الحرب لتخوض حربا عسكرية تقليدية ضد مقاومة المعارضة.

وتعني سيطرة النظام السوري/إيران على حلب، أن طهران باتت قاب قوسين أو أدنى من إقامة هلال شيعي يمتد من الحدود الأفغانية إلى البحر المتوسط. هذا المحور الاستراتيجي هو الهدف الرئيسي من حالة الاستنفار المادي والتجييش التي قامت بها إيران. وهذه الخطة تنفذها إيران منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين في العراق وتضاعفت إثر اندلاع الصراع في سوريا في 2011.

واعتبر باحثون في الشؤون الإيرانية أن التورط الإيراني في سوريا هدفه ممارسة طهران سلطتها على مساحة واسعة في الشرق الأوسط تمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وهو قوس نفوذ كانت قوى عربية خاصة السعودية تحذر منه منذ سنوات. وقال هلال خشان أستاذ الدراسات السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت “لا يخالجني شك في أن هذا القوس أو الهلال الشيعي سيتشكل، الإيرانيون سينشئون دائرة نفوذهم من العراق حتى لبنان”.

ويقول محمد محسن أبوالنور، الباحث في الشأن الإيراني، إن “إيران منذ العهد الشاهنشاهي تحلم بالوصول إلى البحر الأحمر والمتوسط وإيجاد منفذ لها على أحد البحار الكبرى”.وكان تقرير نشرته صحيفة “الأوبزفور” البريطانية، في شهر أكتوبر الماضي، تحدث عن هذه الخارطة. وأشار التقرير إلى أن الطريق من إيران صوب المتوسط يمر ببعقوبة، عاصمة محافظة ديالى (60 ميلا شمالي بغداد)، التي تجمع بين السنة والشيعة، لينتقل إلى الشمال الغربي، حيث المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم البغدادي قبل شهور.

ويمتد الطريق إلى بلدة شرقاط في محافظة صلاح الدين، التي سيطرت عليها القوات العراقية في 22 سبتمبر الماضي، على أن تكمل تلك الطريق نحو الحافة الغربية للموصل، إلى نقطة تبعد 50 ميلا جنوب غربي سنجار، والتي تمثل النقطة القادمة في الممر، وتفصل بينهما بلدة تلعفر التركمانية، معقل تنظيم داعش. وقرب سنجار تتوجه الطريق إلى معبر رابعة مع سوريا ومنها إلى بلدات القامشلي وكوباني وصولا إلى عفرين. وتعتبر حلب النقطة المفصلية لذلك الممر. ومن شأن إقامة هلال شيعي أن يمنح طهران نفوذا سياسيا هائلا في المنطقة؛ كما أن الوصول إلى المتوسط يعني متنفسا للإيرانيين يساعدهم على تحدي العوائق الجغرافية ويحميهم في حال تغيّرت الظروف الإقليمية الراهنة التي ساعدت إيران على كسر عزلتها الجغرافية والسياسية.

لذا يعتبر المحللون السياسيون والخبراء العسكريون دحر المعارضة المسلحة فى حلب بمثابة نصر إيرانى بعد خسائر فادحة لقوات الحرس الثورى والتى تساعدها ميليشيات متحالفة معها، مثل قوات حزب الله اللبنانى. وأن هذا الدحر يؤسس لامتداد (للنفوذ) الإيرانى بدء من حكومة يسيطر عليها الشيعة فى بغداد مرورا بتحالف شبه عسكرى شيعى تدعمه طهران يعمل فى غرب منطقة الهجوم الذى تدعمه واشنطن فى الموصل ووصولا إلى الساحل السورى ثم إلى بيروت حيث تمكن حزب الله من تنصيب حليف مسيحى رئيسا للبنان، فى إشارة إلى الرئيس ميشيل عون.

ولم تساعد مشاركة النظام الإيراني منذ أكثر من خمس سنوات، في البداية عن طريق توفير المستشارين العسكريين ثم تدريب وتسليح ميليشيات شيعية في تشكيل الصراع السوري فحسب، وإنما عزز نفوذه في أنحاء المنطقة. فللمرة الأولى أمكن للنظام الإيراني ممارسة سلطته على مساحة واسعة في الشرق الأوسط تمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وهو قوس نفوذ كانت قوى عربية سنية خاصة كالمملكة العربية السعودية تحذّر منه منذ سنوات.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية