الثمن الباهظ لزيادة إنتاج النفط وراء تغير موقف السعودية

الثمن الباهظ لزيادة إنتاج النفط وراء تغير موقف السعودية

قال محللون إن التحول في

لندن – لوحت السعودية منذ فترة طويلة أنه بإمكانها إنتاج نحو 12 مليون برميل يوميا من النفط، إذا اقتضت الضرورة، لكن سياسة الضخ بالمستويات القصوى، التي تتطلب إنفاقا استثماريا ضخما لاستغلال الطاقة الفائضة، لم توضع فعليا موضع الاختبار.

وتقول مصادر إن الرياض، ربما تكون بلغت أقصى حدودها هذا العام بإنتاج قياسي بلغ نحو 10.7 مليون برميل يوميا، وقد يكون ذلك وراء تحولها إلى السعي لإبرام اتفاقية عالمية لخفض الإنتاج.

وتضررت السعودية أكبر بلد مصدر للخام في العالم، جراء تراجع الأسعار تحت حاجز 50 دولارا للبرميل في وقت تواجه فيه صعوبات تمويل حربها في اليمن ومهمة إصلاح الاقتصاد وخلق آلاف الوظائف.

ومع شحّ الموارد اضطرت السعودية إلى تقييم جدوى استثمار مليارات الدولارات لزيادة إنتاجها النفطي إذا أرادت زيادة حصتها السوقية في إطار استراتيجية تبنتها في 2014.

وقال مصدر في قطاع النفط يعمل في السعودية من الأفضل أن يكون “الاستثمار في زيادة الإنتاج حين تكون الأسعار مرتفعة وليس عندما تكون منخفضة”.

وأضاف أن “الخيارات أصعب في الوقت الحاضر. والسؤال هو: هل ستوجه الرياض، في ظل ميزانيتها التقشفية، استثمارات ضخمة نحو زيادة الإنتاج أم توجهها نحو مجالات أخرى تحتاجها بشكل أكبر؟”.

وارتفعت أسعر النفط لتصل إلى أعلى مستوياتها في 18 شهرا بعدما توصلت منظمة أوبك وبعض منافسيها إلى أول اتفاق لخفض مشترك في الإنتاج منذ عام 2001.

وتم تداول مزيج برنت أمس فوق 54 دولارا للبرميل. وبموجب الاتفاق فإن السعودية القائد الفعلي لأوبك ستخفض إنتاجها اعتبارا من يناير إلى نحو 10 ملايين برميل يوميا وهو أقل بنحو مليوني برميل مما أكدت الرياض أنها تستطيع إنتاجه.

وتقول مصادر مطلعة إن السعودية لا تستطيع مواصلة الإنتاج عند مستويات مرتفعة تاريخيا لفترة طويلة، وإن شركة أرامكو لم تختبر أبدا الإنتاج عند مستوى 12 مليون برميل يوميا وستجد صعوبة في تدبير الاستثمارات اللازمة لتحقيق ذلك في ظل الأسعار الحالية للنفط.

ونسبت رويترز إلى مصدر مطلع على إدارة الإنتاج في أرامكو قوله إن طاقة الإنتاج القصوى للشركة تبلغ 11.4 مليون برميل يوميا، وإن الشركة لا تزال تعمل على زيادتها إلى 12 مليون برميل يوميا بحلول 2018.

علي النعيمي: أرامكو تحتاج إلى 90 يوما للوصول بإنتاجها إلى 12 مليون برميل يوميا
وأضاف، طالبا عدم الكشف عن هويته “تم التخطيط للوصول بطاقة الإنتاج القصوى إلى 12 مليـون برميـل يـوميا منـذ 2008، وتستهـدف كل ميزانية سنوية الوصول إلى هذا الهدف”.

وذكر أن الشركة تخصص نفقات تشغيل سنوية تبلغ نحو 20 مليار دولار وإنفاقا رأسماليا بنحو 40 مليار دولار لتحقيق ذلك الهدف.

وعندما “تتحقق خطة الطاقة القصوى عند 12 مليون برميل يوميا بحلول 2018 فإن إجمالي الإنفاق الرأسمالي سينخفض إلى 20 مليار دولار”. ولا تفصح أرامكو عن الأرقام المتعلقة بنفقات التشغيل السنوية أو الإنفاق الرأسمالي.

وقـدرت شركة بيـرا الأميـركية لاستشـارات الطاقة في مايو الماضي، الطاقة الإنتـاجية المتاحة للسعودية حينئذ بنحو 10.5 مليون برميل يوميا بعد تتبع خطط التوسع منذ 2008 وحساب معدل انخفاض سنوي عند 4 بالمئة.

وقالت إن “السعودية تستطيع إنتاج المزيد، لكن ذلك سيأتي على حساب الاستغلال الأمثل للمكامن. إنهم يستطيعون بالتأكيد الإنتاج من حقول جديدة، لكنها عملية تستغرق سنوات ومكلفة أيضا”.

وأضافت أن “السعودية لم تضف حتى الآن أي طاقة إنتاجية جديدة كبيرة بناء على المشروعات المعلنة ونشاط الحفارات، لكنها عدلت معدل الانخفاض السنوي إلى 6 بالمئة بدلا من 4 بالمئة المذكور سلفا”.

ويؤكد مسؤولون سعوديون أنهم يستطيعون إنتاج ما يصل ربما إلى 12.5 مليون برميل يوميا عند الضرورة، وبصفة خاصة في حال حدوث انقطاع عالمي مفاجئ في الإمدادات. لكن محللين يقولون إن المسألة لا تتعلق بما يستطيع السعوديون فعله وإنما بالوقت الذي سيستغرقه ذلك.

وكان وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي قد ذكر أن أرامكو تحتاج إلى 90 يوما لنقل منصاتها من أنشطة التنقيب إلى حفر آبار جديدة وزيادة الإنتاج للوصول إلى إنتاج 12 مليون برميل يوميا.

وعملت السعودية معظم هذا العام على زيادة الأسعار بدلا من ترك هذه المهمة لقوى السوق، وهو ما يشكل تحوّلا عن الاستراتيجية التي تبنتها منذ نوفمبر 2014.

وكانت أوجاع النفط الرخيص كافية لجلب منتجين آخرين إلى طاولة المفاوضات، لكن مصادر مطلعة أكدت أن المملكة كانت حريصة أيضا على إبرام اتفاق في وقت تخطط فيه لبيع حصة في أرامكو بحلول 2018.

واضطرّت الرياض للبحث عن مصادر جديدة للدخل، من بينها فرض ضرائب ورسوم أخرى وخفض الإنفاق، بعد أن واجهت موازنتها ضغوطا كبيرة وسجلت عجزا قياسيا في العام الماضي.

وتحاول الحكومة زيادة الإيرادات غير النفطية وتحديث الاقتصاد من خلال خطة الإصلاح (رؤية 2030)، التي يشرف عليها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتلعب فيها صفقة بيع حصة في أرامكو دورا محوريا.

لكن من قبيل المفارقة فإن السعودية تحتاج إلى إيرادات من مبيعات النفط لتنفيذ الإصلاحات قبل تقليص الاعتماد على الخام.

العرب اللندنية