بسبب الحرب في الموصل.. “لا أمل ولا ماء ولا طعام”

بسبب الحرب في الموصل.. “لا أمل ولا ماء ولا طعام”

قيادة السيارة في شوارع الموصل كانت أشبه بالمرور خلال مشاهد أحد أفلام هوليوود المروعة. فقد كنت أرى في كل مكان أدلة على المعركة المستمرة. ففوارغ الرصاص وأغلفة الصواريخ تنتشر في كل مكان، وكذلك حطام السيارات التي استخدمت كسيارات ملغومة. تقريبًا كل المباني الموجودة على جانبي الشوارع دُمّرت أو أحرقت بالنار، كما لا يوجد أي شخص في الشوارع سوى سيارة الإسعاف الغريبة تلك أو الهامر العسكري الذي يسير على سرعة عالية.

وفجأة، وبينما نقترب من المناطق التي حُررت مؤخرا، بدأ الناس يظهرون من منازلهم ويطاردون قافلتنا المحملة بالدقيق والماء والمواد الغذائية الأساسية.

ركض الأطفال باتجاهنا مبتسمين فرحين، وكانوا يرفعون أيديهم بإشارة السلام، أملا منهم في الحصول على أي شيء. وإذا أمعنت النظر فإنك ترى الخوف والتوجس على وجوههم، فهم لا يعرفون ما الذي يجب أن يتوقعوه من زوارهم الجدد بعدما قضوا عامين كاملين تحت حكم تنظيم الدولة.

1

خريطة مخيمات الخازر وحسن الشامي للاجئين حول الموصل، العراق

وبعد أسابيع من الحملة التي بدأتها الحكومة العراقية لطرد تنظيم الدولة من المدينة والمعروفة “بمعركة تحرير الموصل”، قررت أنا ومجموعة من الأصدقاء، ونحن جميعا من أصول عراقية، إننا يجب أن نفعل أي شيء.

فلكل واحد منا أسرة وأصدقاء مقربين لا يزالون محاصرين بالداخل، لذلك وجدنا أنفسنا بالموصل في آخر أسابيع نوفمبر، ونحاول توصيل المساعدات للناس الذين هم في أمس الحاجة لها.

محاصرون بالداخل

حتى الآن، نجحت القوات العراقية المدعومة من الحلفاء الغربيين في تحرير أطراف الجانب الشرقي من المدينة من مقاتلي تنظيم الدولة. وبالرغم من كون التقدم بطيئا، إلا أنه مستمر.

ومع ذلك، بعيدا عن الخسائر والمكاسب العسكرية، فإن الوضع الإنساني متردٍ للغاية، ويسوء يوما بعد يوم. فهناك مليونا شخص محاصرين داخل المدينة، ومن بينهم أفراد من العائلة وأصدقاء، يعيشون ظروفا معيشية مروعة، فهم لا يستطيعون الحصول على الضروريات الأساسية للحياة كالطعام والكهرباء، ومع اقتراب الشتاء، مصادر الدفء.

وتقدر التقارير الأخيرة  أن نحو نصف مليون لا يستطيعون الحصول على المياه الجارية النظيفة. وتقول الأمم المتحدة، إن نحو 75 ألف شخص نزحوا من المدينة، وهو رقم يزيد كل يوم حيث يستمر الناس في التدفق إلى مخيمات اللجوء على أطراف الموصل.

جيل مسروق

كانت خطتنا الأساسية هي توصيل المساعدات للنازحين داخليا في مخيمات اللجوء في شمال العراق.
وأخبرنا المسؤولون المحليون وممثلو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى، أن المناطق التي حررت مؤخرا في المدينة لم تصل إليها أي مساعدات حتى الآن.

ومن ثم، فإن حاجتهم أكبر، فقررنا الدخول إلى هذه المناطق وتوزيع ما نستطيع من المساعدات. ولكن أولا، ذهبنا إلى مخيمات الخازر وحسن الشامي للاجئين التي يعيش بها الآن نحو 35 ألفًا و15 ألف شخص، على التوالي، وهؤلاء فروا من الموصل وعدة مدن أخرى داخل العراق.

وما إن وصلنا إلى الخازر، رأيت حشودًا من الناس تقف خلف الأسيجة، وتحدق بالشاحنات الواقفة، والتي تحمل زجاجات المياه والمواد الغذائية، آملين في الحصول على مزيد من المساعدات.

1

في مخيمات اللجوء، الناس في أمس الحاجة للغذاء والمواد الأخرى

نظرنا حولنا، كانت هناك خيام على مرمى البصر. هذه الخيام مصنوعة من قطعة بسيطة من القماش المشمع ومغطاة تماما بالرمال. وحفرت قنوات صغيرة لتعمل كأنابيب مياه بدائية تحمل الماء غير النظيف إلى خارج المخيم، ما أدى إلى تحولهما إلى طين كثيف.

وخلال ساعات قليلة قضيناها هناك، غطتنا الرمال والطين بالكامل واستغرقنا وقتا لكي ننظفها. وفي كلا المخيمين، قضينا معظم وقتنا في تسليم الأغطية للوافدين الجدد الذين واجهوا بدايات فصل الشتاء داخل خيام في وسط الصحراء العراقية، حيث تهبط درجات الحرارة عادة لما تحت درجة التجمد.

وأخبرتنا سيدة، كانت تعمل مديرة مدرسة بالموصل وتعيش الآن في مخيم حسن الشامي للاجئين، كيف هربت مع عائلتها في منتصف الليل تاركة جميع ممتلكاتها خلفها.

وقد حدثتنا عن الحياة الرغدة التي عاشتها مع عائلتها من قبل، في منزل بنته هي وزوجها من كدهما وعملهما، وقالت إن كل هذا زال، إضافة إلى مجوهراتها ومالها ومدخراتهما التي جمعاها على مر السنين.

وقالت إنها لا تمتلك طعاما أو موقدا، وتضطر إلى الذهاب إلى الخيام الأخرى بالمخيم لطهي الطعام، ثم تعيد أي فائض من الطعام.

وفي خضم كل هذا، فإن الشيء الذي من المؤكد أنه سيظل في عقلي لسنوات مقبلة، هو مشهد الأطفال الذين يحاولون التسرية عن أنفسهم ويركضون حول الخيام وفي أيديهم قطع الحبال والعصي أو الحجارة، وهم غافلون تماما عن كل ما يحيط بهم. ومع ذلك، فمع النظر مطولا. وأدركت أن جيلا كاملا سرقت منه طفولته وبراءته.

1

الأطفال هم أكثر المتضررين من الصراع

أكثر ما شاهدته إيلاما كان منظر فتاة صغيرة، ربما لا يزيد عمرها عن عامين. كانت بين ذراعي أمها وتثني ركبتيها لتصل إلى ذقنها، وكانت تغلق عينيها بشدة وتضع يديها على أذنيها، وكانت ترتجف وتتشنج طوال الوقت.

وإذا حاول أي شخص الاقتراب منها أو التحدث إليها كانت تصرخ وتبكي، ووقف صامتا متسائلا عما قد تكون قد شاهدته ليكون رد فعلها بهذا الشكل.

توصيل المساعدات

كانت رحلتنا الثانية إلى المناطق المحررة مؤخرًا من الموصل، وبخاصة إلى منطقة الزهراء، التي كانت لا تزال تحت سيطرة تنظيم الدولة حتى قبل 5 أيام من وصولنا.

عندما وصلنا إلى وجهتنا الأخيرة، قدنا داخل أحياء مهجورة بالكامل بينما كان يطادرنا مئات الناس، بعضهم ركض لكيلومترات. تجمع حول الشاحنات بضع آلاف من الناس للحصول على المساعدة، ما جعل توزيع المساعدات شبه مستحيل.

لقد علقت داخل الحشود، ووجدت نفسي أسحق بين السيارة والناس الذين يركضون في اتجاهنا للحصول على المساعدات. وهدأت الأوضاع في النهاية وسنحت لي الفرصة للحديث إلى اثنين من المدنيين.

كان أحدهما يشكو من الهجمات الصاروخية الأخيرة التي استهدفت أنبوب المياه المغذي للمنطقة. فقد دمر الأنبوب وأصبح بلا فائدة وقطعت إمدادات المياه.

1

مخلفات القذائف والأسلحة تنتشر في كل مكان حول الموصل

كانت هناك سيدة أخرى تتوسل ليس من أجل الدقيق أو الماء، ولكن من أجل رغيف من الخبز كي تطعم أطفالها الكثيرين الذين تقول إنهم لم يأكلوا شيئا منذ عدة أيام.

وكان واضحا من نظرات الناس والطريقة التي ركضوا بها خلف القافلة كم المعاناة التي يعانونها، وبعد قضاء عامين تحت حكم تنظيم الدولة، يواجهون الآن شتاء قاسيا من دون أي من الحاجات الأساسية.

التمسك بالأمل

في طريقنا إلى المدينة، كان هناك العديد من العائلات التي تحمل أمتعتها وتسير على الطريق.. توقفنا وتحدثنا معهم وعلمنا أنهم كانوا متجهين إلى مخيمات اللاجئين على بعد 50 كيلومترا.

هل تستطيع تخيل الحياة التي تجعل هؤلاء الناس يضطرون إلى السير كل هذه المسافة لكي يعيشوا في خيمة؟.

أخبرتنا إحدى الأمهات،  “ليس هناك أمل ولا ماء ولا طعام وكهرباء ولا نعلم إن كنا سنعيش أو نموت”. وعلى الأقل في المخيمات سيكون هناك سقف فوق رؤوسنا، وسيكون هناك ماء نظيف ووجبات يومية.

مع أن العملية العسكرية لا تزال في بدايتها ولم تحقق الكثير والأوضاع تسوء يوما بعد يوم، إلا أننا قابلنا عددا قليلا من الأشخاص المتفائلين. وقال لنا أحد الرجال: “الحمد لله، لدي سقف فوق رأسي ولا تزال عائلتي على قيد الحياة”.

إن ذلك الأمل وتلك الثقة هما السبب في أن سكان الموصل لا يزالون عاقلين، ولا يسعنا إلا أن ندعوا لأولئك الذين لا يزالون عالقين بالداخل.

أما أنا فسأدعو للأطفال والأرامل والأمهات والآباء وعائلتي ومن يواجهون هذه المصيبة وحدهم.

ميدل إيست آي – التقرير