الأردن وسيط متوازن بين الأطراف السياسية العراقية

الأردن وسيط متوازن بين الأطراف السياسية العراقية


عمان – مع تقدم القوات العسكرية العراقية في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تتسارع خطى القوى السياسية بين عمان وطهران، لطرح مشاريع مصالحة للاحتماء بها وضمان حقوقها في عراق ما بعد داعش.

لكن مشاريع المصالحة المطروحة لم تجمع الأطراف الرئيسية المكونة للمشهد السياسي العراقي، بل تدفع بكل طرف إلى تفصيل تسوية تناسب مصالحه، فالمبادرة التي أطلقها التحالف الشيعي كانت تخدم المكون الشيعي على حساب المكون السني، الذي لجأ قادته إلى إعداد تسوية مضادة.

حراك سني

تشهد الأوساط السنية العراقية حراكا في الداخل والخارج بهدف إعداد تصوّر لتسوية سياسية، بدا واضحا أن الهدف منها الردّ على التسوية المطروحة من قبل التحالف الوطني الشيعي والتي شرع رئيس التحالف عمار الحكيم بالترويج لها داخل العراق وخارجه من خلال جولة قادته إلى طهران وعمّان.

واعتبرت ساجدة محمد، عضو كتلة اتحاد القوى العراقية، أن “إشراك أطراف خارجية، سواء الأردن أو إيران، في مباحثات ورقة التسوية السياسية سيكون إيجابيا لإنضاج الاتفاق، وأن المحيط الإقليمي له تأثير مباشر على الوضع السياسي في العراق؛ لذا فإن إشراك دول الجوار في الموضوع سيكون من مصلحة الطرف العراقي”.

وعلى خلاف طهران، تبدو العاصمة الأردنية، محل ثقة أكبر في نظر المجتمع الدولي وبالنسبة إلى الفرقاء العراقيين، وخصوصا القيادات السنية، والتي تبدو اليوم في حاجة مصيرية في أن يكون لها دور، والتحضير لمرحلة ما بعد داعش، بعد جمود 13 سنة لم تكن فيها في الحقيقة فاعلة في خدمة قضايا الجمهور الذي تدّعي تمثيله.

ووجد سنة العراق في مشروع المصالحة الشيعي، وما تخلله من بوادر صراع شيعي شيعي فرصة مناسبة للتحرك.

وقد جسد هذا الصراع بالأساس زيارة نوري المالكي إلى طهران التي قال مراقبون إنها تأتي لتعكس خوفا من ضغوط إيرانية لإجبار المالكي على القبول بمبادرة المصالحة التي يروّج لها الحكيم.

في المقابل، ارتأت أطراف سنية أن تقبل بتحكيم إيران لوضع مبادرة المصالحة والإشراف عليها بهدف الحفاظ على التوازن الطائفي داخل العملية السياسية.

وكان عمار الحكيم قد أطلع، خلال زيارته لطهران، المسؤولين الإيرانيين على جملة من التصورات العربية عن التسوية السياسية استمع لها خلال لقائه، قبل ثلاثة أيام من تلك الزيارة، بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بعمان في 7 ديسمبر.

على خلاف طهران، تبدو عمان محل ثقة أكبر في نظر المجتمع الـدولي والفـرقاء العـراقيـين، خصوصا القيادات السنية

لكن، يعلم الطرف السني العراقي أن مشروع المصالحة الذي طرحه الحكيم يحتاج إلى غطاء إيراني ليكون مقنعا لعدد من الأطراف المعترضة عليه وفي مقدمتها الجناح المتشدد من حزب الدعوة الذي يقوده المالكي، وأنه أجندة إيرانية بامتياز بعيدة كل البعد عن تحقيق السلم الأهلي والمصالحة.

دعم الأردن

كان هذا القلق أحد أبرز محاور اللقاء الذي جمع، الاثنين، عددا من القادة السياسيين السنة في العراق بالملك عبدالله الثاني. وتمت خلاله مناقشة الورقة التي تقدم بها عمار الحكيم وسبقهم في الحديث عنها مع العاهل الأردني.

وذكر الديوان الملكي الأردني، في بيان تلقت “العرب” نسخة منه، أن الملك عبدالله الثاني، أكّد خلال اللقاء على ضرورة توفير الدعم العربي لمساعدة العراقيين في ترتيب أوضاعهم، ومد جسور التواصل في ما بينهم. وشدد على أهمية اتفاق جميع مكونات الشعب العراقي على خارطة طريق تقود إلى مستقبل أفضل، مبديا استعداد الأردن الكامل لدعم العراق بكل إمكاناته.

وقال مصدر سياسي في اتحاد القوى الوطنية، إن “قادة اتحاد القوى، أسامة النجيفي (نائب رئيس الجمهورية)، وسليم الجبوري (رئيس مجلس النواب) وصالح المطلك (نائب رئيس الوزراء السابق)، بحثوا خلال اجتماع خاص في الأردن مع الملك عبدالله الثاني، مبادرة التسوية السياسية، التي قدمها التحالف الوطني (الشيعي)”.

وأوضح المصدر أن “الملك عبدالله الثاني يلعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الشيعية والسُنية بشأن التفاهم على ورقة التسوية السياسية”.

وأكدت القيادات السياسية العراقية، خلال اللقاء، على ضرورة رعاية الأردن لمشروع عربي للعراق، مشددين على عامل الوقت والحاجة إلى العمل سريعا لقطع الطريق أمام الجهات التي تسعى إلى تحقيق أجندتها الخاصة.

وسبق أن ذكرت مصادر عراقية في عمان لـ”العرب” أن هناك رغبة عربية في تعديل بعض بنود المصالحة، التي تتعلق باجتثاث البعث في العراق، وحصانة الساسة السنة، قضائيا وأمنيا، على غرار الحصانة التي يتمتع بها الساسة الشيعة.

ويعتبر اتحاد القوى العراقية أكبر كتلة سنية في البرلمان العراقي، ويمتلك 53 مقعدا، بينما التحالف الوطني الشيعي، الفائز بانتخابات البرلمان عام 2014، يمتلك 180 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 328.

وقالت ساجدة محمد، في تصريحات صحافية، إن “اتحاد القوى العراقية لم يقرر حتى الآن موقفه من ورقة التسوية السياسية، التي طرحها التحالف الوطني”.

وجدّد العاهل الأردني، خلال لقاء جمعه أيضا، بنائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، التأكيد على ضرورة وصول مختلف شرائح الشعب العراقي إلى رؤية مشتركة لبناء مستقبل أفضل، وأن الأردن سيبذل قصارى جهده، باعتبار علاقته بالعراق، وباعتباره رئيسا للقمة العربية، في دعم المصالحة العراقية بما يفيد جميع الأطراف.

وثمن علاوي المبادرة الأردنية، مؤكدا على أهمية دور الأردن في دعم ومساندة العراق في جهوده المستهدفة الحفاظ على وحدته واستقراره.

يأتي طرح ملف التسوية السياسية بعد تحذيرات أطلقتها أطراف داخلية وخارجية من خطورة مرحلة ما بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية جراء غياب التوافق السياسي على قضايا أساسية.

وتقول القوى السُنية في العراق إن ظهور تنظيم داعش، واكتساحه العديد من المحافظات العراقية عام 2014، جاء نتيجة الخلافات السياسية، وتفرد أطراف شيعية بالحكم في بغداد، وغياب الرؤية المشتركة لإدارة المؤسسات الحكومية.

لكن، ورغم هذه الحقائق إلا أن الخبراء يؤكدون أن القيادات السنية العراقية تتحمل أيضا مسؤولية تغول الطرف الشيعي وتفرده بالقرار السياسي وأيضا العسكري في البلاد، حيث أضحت القيادة السياسية والعسكرية السنية مترددة جدا، بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم القاعدة، التي لعبت فيها القوات السنية دورا هاما.

وتضاعف هذا التردد بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية في عام 2011، حيث شن نوري المالكي حملة تطهير ضد القادة السياسيين السنة الذين يعتقد أنهم معارضون له، وقام بإقصاء العديد من القادة العسكريين السنة، واتخذت سياسة المحاصصة منحى طائفيا متطرفا، تداعياته مستمرة إلى اليوم وتلقي بظلالها على كل مبادرة مصالحة تطرح.

العرب اللندنية