إيران: إذا كان القضاء فاسدا فمن سيحاسب المفسدين

إيران: إذا كان القضاء فاسدا فمن سيحاسب المفسدين

قال أحمد توكلي، نائب سابق عن التيار المبدئي في طهران، إنه “لا يمكن إسقاط الجمهورية الإسلامية من خلال انقلاب عسكري أو ثورة مخملية”، بل ستكون نهاية “النظام الإيراني من خلال انتشار الفساد الاقتصادي والإداري في جميع أركانه ومؤسساته الرسمية”.

يلخص هذا التصريح للمرشح السابق للرئاسة الإيرانية، والمحسوب على التيار المحافظ، مدى تفشي الفساد في إيران، التي باتت تحتل المرتبة 136 من أصل 175 دولة على مستوى العالم. وما يشكل تهديدا للنظام، وفق توكلي، هو أن “الأجهزة الرسمية المعنية بمحاربة الفساد في البلاد أصبحت ضمن منظومة الفساد الإداري المستشري داخل النظام الإيراني”.

ومن الصعب محاربة الفساد داخل المؤسسات والدوائر الرسمية الإيرانية، وفي الجدل الذي أثير مؤخرا على خلفية قضية صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية في إيران، الذي يتهمه الإصلاحيون باستغلال منصبه وتحويل الكفالات المالية إلى حساباته الشخصية في المصارف، مثال على ذلك.

طفت فضيحة لاريجاني على السطح حين كشف موقع “دُر” الإيراني أن رئيس القضاء يمتلك 63 حسابا شخصيا. ثم دعم هذه الكشف موقع “آمدنيوز” الذي قال بدوره إن أرصدة هذه الحسابات تبلغ ألف مليار تومان إيراني، أي ما يزيد عن 310 ملايين دولار أميركي.

وهذه الأموال هي قيمة الكفالات المالية التي يدفعها المتهمون، لكن القصة لا تنتهي عند هذه النقطة ولا أحد يشكك بأن لاريجاني يسرق هذه الأموال، بل هذه الكفالات تأتي بأرباح لفائدة حسابه الشخصي تقدر بـ22 مليار تومان شهريا، أي ما يزيد عن 6 ملايين و800 ألف دولار أميركي.

إثر هذا الكشف، تقدم النائب الإصلاحي محمود صادقي، بشكوى ضدّ لاريجاني لدى المحكمة الدينية الخاصة. ولأن المحكمة الدينية هي نظام عدلي يتبع المؤسسة الدينية ومستقل عن النظام العادي، لا يتوقع أن تشهد قضية شخصية ذات نفوذ مثل صادق لاريجاني محاكمة فعلية.

لكن، قد يحصل استثناء إذا رأى المرشد الأعلى أن الفضيحة لن يسهل طيّها. وقد سبق وأن عزل خامنئي العشرات من القضاة في العامين الماضيين. ودعا إلى تطهير المناصب العليا في القضاء بعد أن تكدّست تهم الفساد.

خليفة محتمل للمرشد

تذكّر فضيحة لاريجاني بقضية أثيرت في أكتوبر الماضي، على خلفية ما كشفته محكمة “التفتيش المالي” الإيرانية بشأن الرواتب المفرطة لحوالي 400 شخص من المسؤولين الإيرانيين.

وبلغت بعض الرواتب حوالي 622 مليون ريال إيراني، أي ما يعادل 20 ألف دولار، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الراتب لموظفي الحكومة والمؤسسات الرسمية والخاصة 400 دولار أميركي شهريا.

ونقلت الوكالة عن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني “التقرير سيكون مصدرا لإصلاحات جوهرية في البلاد، وأنه لن يكون بمقدور البعض استخدام النظام من أجل المنفعة الخاصة”، لكن لم يسجّل الإيرانيون أيّ إصلاحات تذكر.

ويؤمن الإيرانيون بأنه لا يمكن للقضاء الإيراني محاكمة المسؤولين الإيرانيين المتورطين في فضيحة الرواتب المفرطة، بسبب نفوذهم داخل النظام. ولم يسبق أن سجن مسؤول كبير، مقرب من السلطة الدينية أو من أذرعها العسكرية السياسية، حتى وإن ثبت تورطه في ملفات فساد.

وقال باحثون في الشأن الإيراني لـ”العرب”، إن الفساد تفشى داخل أروقة النظام الحاكم في طهران، حيث لا يمرّ يوم إلا وكشفت وسائل الإعلام عن تورّط أحد القيادات الإيرانية أو أحد أبنائهم في قضية فساد مالي.

ويوافق أحمد أبوإخلاص، الباحث في الشأن الإيراني، أحمد توكلي، على أن ما فشلت فيه سنوات من المعارضة والمقاطعة والتهديدات وانتفاضات شعبية مثل الثورة الخضراء، يمكن أن يتكفل به الفساد. ويقول أبوإخلاص في تصريحه لـ”العرب”، إن “الفساد الاقتصادي ينخر جسد النظام القائم في طهران وسيكون سببا في زواله”.

وأشار أحمد أبوإخلاص إلى أن وزير النفط الإيراني السابق، محمد غرضي، كان قد صرح في وقت سابق من هذا العام (2016) أن حجم الاختلاس من أموال النفط في إيران بلغ 25 مليار دولار.

وقال كامل البوشوكة، الباحث في الشأن الإيراني، إن الفساد في إيران انتشر بشكل سريع بين الشخصيات الحكومية، مشيرا إلى أن فيروز آبادي، نائب وزير التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية في إيران، قال إن رقعة الفساد تكبر في إيران لأن “الفاسدين” لديهم قوة في السلطة.

التضحية ممكنة

صادق لاريجاني شخصية ذات نفوذ قوي (أخوه هو رئيس البرلمان علي لاريجاني)؛ وهو أيضا حليف مقرّب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومن الأسماء المطروحة لخلافته. ونظرا إلى أن خامنئي لديه تحكم مباشر في المحكمة الدينية الخاصة، فمن المستبعد أن تذهب الدعوى المرفوعة ضد لاريجاني بعيدا. بيد أن الاتهامات تسلط الضوء على مدى الخلافات بين القضاء المحافظ في غالبيته والمعسكرين الإصلاحي والمعتدل.

ويصف تقرير لمركز ستراتفور الأميركي الاتهامات بالفساد في إيران بأنها سلاح سياسي خطير يمكن في الكثير من الأحيان أن يضع حدا لمسيرة سياسي، وإن كانت التهم خطيرة بقدر كاف فإنها تؤدي إلى حكم بالإعدام. ولذلك ليس من الغريب بأن تكون ردّة فعل المرشد الأعلى والسلطة القضائية وباقي المحافظين إزاء التهم، قاسية.

في نوفمبر الماضي، أمر القضاء باعتقال صادقي لكن المحتجين منعوا تطبيق الأمر. وبعد أن تشجع صادقي بهذه المحاولة الفاشلة أصبح أكثر عدائية في مهاجمة لاريجاني. وبالرغم من أن لاريجاني يتمتع بمساندة المرشد الأعلى ومازال عزله أمرا مستبعدا، يمكن التضحية به في نهاية المطاف إذا ما زاد الاحتجاج الجماهيري. وقد سبق وأن عزل خامنئي العشرات من القضاة في العامين الماضيين بعد أن تكدّست تهم الفساد.

إذن بالرغم من أن التغيير أمر مستبعد، ستؤدي الفضيحة إلى تغيير التوازن السياسي مع اقتراب إيران من دورتها الانتخابية.

ومازالت نسبة مهمة من الجماهير تساند روحاني، ويمكنه الإشارة إلى الأداء الاقتصادي كنجاح كبير في فترة ولايته الأولى، لكن الانتخابات الإيرانية معروفة بصعوبة التكهن بها.

يسعى المحافظون المتشددون في البلاد إلى إيجاد خصم طبيعي لروحاني، وإذا استمر روحاني والإصلاحيون في مهاجمة السلطة القضائية، فهناك إمكانية بأن يتوحد المحافظون الأكثر اعتدالا خلف شخصية محافظة، ومن بين هؤلاء المحافظين نجد علي لاريجاني، الذي ساند روحاني والمعتدلين في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر فبراير الماضي.

وبالتالي يجب أن يتقــاسم مرشح المحافظين المثالي مع روحاني آراءه لكنه سيكون أقل استعدادا للدفع نحو قضايا اجتماعية حساسة وأكثر استعدادا لتهميش الإصلاحيين الذين تحدوا القضاء.

حاز حسن روحاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، على دعم الإيرانيين وثقتهم، ونجحت وعوده في إقناعهم بأن يكون رئيسا للبلاد. وفعلا عمل روحاني على تحقيق وعده بالتفاوض مع الغرب لتخفيف العقوبات وإعادة الدخول في دائرة مع الاقتصاد العالمي.

في المقابل، لم يكن روحاني جريئا، بالدرجة التي ينشدها حلفاؤه من الإصلاحيين، في ما يتعلق بوعوده الانتخابية الأخرى، التي تضمنت تحقيق تقدم في القضايا الاجتماعية مثل حقوق المرأة وحرية الصحافة. أما بالنسبة إلى المؤسسة المحافظة فإن الإصلاحات الاجتماعية فكرة ميتة من البداية.

ويذكر أن روحاني انتـقد القضاء الذي يتحكم في الإعلام بسبب إسكات بعض الصحف ومنع الإعلام (بشكل رسمي وغير رسمي) من تغطية بعض الشخصيات الإصلاحية. ورغم أنهم لا يتوقعون تحقيقا عادلا وحقيقيا في ما يتعلق بقضية لاريجاني، إلا أن المتابعين يقولون إن القضية ستفيد الإصلاحيين والمعتدلين، في مخططهم لإضعاف السلطة القضائية والمحافظين قبل الانتخابات في مايو القادم وإحراز المزيد من التقدم.