العراق بين معارك التحرير وفشل توافق الساسة وتراجع الاقتصاد ونكبة النازحين

العراق بين معارك التحرير وفشل توافق الساسة وتراجع الاقتصاد ونكبة النازحين

مر عام 2016 ليطوي صفحة جديدة في سيناريو الاخفاق المزمن في المشهد السياسي العراقي، الذي حفل بمؤشرات سيادة منهج الاقصاء وعدم التوافق بين القوى السياسية المتحكمة بالسلطة منذ 2003 مع مستقبل مجهول مفتوح على كل الاحتمالات التي أغلبها لا تبعث على التفاؤل.
وكان أبرز مؤشرات الواقع العراقي للعام الماضي الاحباط الكبير الذي عاشه العراقيون وهم يشاهدون تلاشي حلم تغيير أوضاع بلدهم واصلاحها لايقاف انحداره في جميع مناحي الحياة، حيث أثبتت حيتان الفساد ومافياته ان جذورهم أصبحت راسخة في تربة العراق، وان قدرتهم مرتفعة في اجهاض أي تحرك جدي نحو التغيير والاصلاح في مهده. وأثبت الفساد انه السبب الأول للانهيار الشامل للأوضاع في العراق.
فبعد ان عمت التظاهرات المليونية المطالبة بالاصلاحات، كل مدن العراق وتصاعدت إلى حد اعلان الاعتصامات واختراق المتظاهرين للمنطقة الخضراء واحتلال مجلس النواب ورئاسة الوزراء في نيسان/ابريل الماضي، فوجئ الجميع بتوقف كل النشاطات الاحتجاجية، لتبدأ بعدها حيتان الفساد ورموزه في الهجوم المضاد من خلال تحريك أعوانهم لافشال كل القرارات الاصلاحية، رغم محدوديتها، تلك التي أصدرها رئيس الحكومة حيدر العبادي.
وضمن الهجوم المعاكس والصراع على السلطة، تمكنت قوى سياسية معروفة من تحريك نواب موالين في البرلمان لتشكيل لوبي ضغط تحت يافطة الاصلاح، وتمكنت من إقالة وزراء أساسيين في حكومة العبادي منهم وزيرا الدفاع (السني) خالد العبيدي ووزير المالية المخضرم هوشيار زيباري (كردي)، وكانت هناك أسماء أخرى من الوزراء على قائمة الاستجواب والإقالة في البرلمان بينهم رئيس الحكومة العبادي نفسه، تمهيدا لاسقاط الحكومة وتشكيل جديدة استعدت لها شخصيات فاسدة فاشلة معروفة ذات طموح للعودة إلى المنصب رغم النتائج الكارثية التي أوصلوا العراق إليها.
وفي إطار محاولات ترتيب الأوضاع لمرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» الإرهابي، طرح التحالف الوطني الشيعي، نهاية العام، مشروع «التسوية التاريخية» الذي يمثل رؤية التحالف لحل مشاكل العراق، والذي أعتبره الكثير ولد ميتا رغم محاولات الترويج له إقليميا، حيث افتقد التوافق الوطني المطلوب عليه من معظم القوى وحتى ضمن التحالف الوطني. وعده المراقبون مشروعا لبناء قصور في السراب، بينما يعتقد آخرون ان طرحه هو للمحافظة على مصالح الأحزاب الكبيرة ولإلهاء الشعب العراقي عن اعداد ترتيبات حقيقية لفترة ما بعد التنظيم.
وخلال 2016 أكدت كتلة الغالبية البرلمانية الشيعية اصرارها على فرض رؤيتها على شكل الحكم ومساراته ومستقبل البلد السياسي، دون الاهتمام بالتوافقات المعتادة بين القوى السياسية ضمن العملية السياسية. وجاء فرض اقرار قانون «الحشد الشعبي» خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر بإرادة الأغلبية العددية وليس التوافق الوطني، وسط اعتراضات قوية ومخاوف بعض القوى وخاصة السنية، من ان يتحول الحشد إلى مؤسسة مسلحة شبيهة بالحرس الثوري الإيراني الذي أصبح لاحقا متحكما بالمؤسسة العسكرية الإيرانية والدولة.
ومن معالم تعمق الخلافات بين القوى السياسية، مطالبة ائتلاف متحدون برئاسة اسامة النجيفي، من الحكومة العراقية سحب الميليشيات من سوريا ومحاسبتها عقب مجازر حلب في كانون الأول/ديسمبر ضد المعارضة السورية.
ولعل فسحة الأمل الوحيدة في المشهد العراقي خلال عام 2016 هي نجاح القوات العراقية في تحرير العديد من المدن من تنظيم «الدولة» مثل الفلوجة والرمادي والشرقاط والقيارة وأخيرا الموصل، معقل دولته الموهومة والتي تجري فيها المعارك حاليا.
إلا ان معركة تحرير الموصل، فتحت من جانب آخر، مشاكل وأزمات جديدة تتعلق بمأساة ملايين النازحين في مخيمات ينقصها الكثير من الاحتياجات الإنسانية الضرورية. إضافة إلى تدمير المدن المحررة نتيجة المعارك والقصف، في وقت تشكو فيه الحكومة من ضائقة مالية حقيقية.
كما كشفت معركة الموصل جوانب من صراع محلي وإقليمي ودولي على النفوذ والسيطرة على المنطقة وخاصة في مدينتي تلعفر وسنجار، التي أصبحت ساحة صراع للمصالح المحلية والدولية.
أما في مجال العلاقات الخارجية للعراق، فقد أصبح واضحا خلال عام 2016 ان مخاوف الدول العربية بانخراط حكومة بغداد في الحلف الثلاثي إلى جانب إيران وسوريا، لها ما يبررها، حيث تقاربت المواقف العراقية مع توجهات السياسة الإيرانية في المنطقة العربية ومنها المواقف تجاه الحرب في سوريا واليمن، والمشاكل الداخلية تجاه الطائفة الشيعية في البحرين والسعودية وطرد أول سفير سعودي في بغداد.
وشهدت بغداد في تشرين الأول/اكتوبر، ولأول مرة، انعقاد مؤتمر «الصحوة الإسلامية الإيراني» الذي يشرف عليه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ويقام سنويا في إيران ويضم علماء الدين من السنة والشيعة المتعاطفين مع قم، وتضمن البيان الختامي انتقادات لدول عربية بينها السعودية والبحرين واليمن، كما جاءت مواقف وتهديدات الحكومة والقوى الشيعية العراقية من قضية سحب الجنسية من رجل الدين الشيعي البحريني عيسى قاسم، وقضية إعدام المعارض السعودي رجل الدين نمر النمر، منسجمة مع المواقف الإيرانية في التدخل في شؤون البلدان العربية.
أما في إقليم كردستان، فيبدو ان 2016 كان عاما سيئا بشكل عام، سواء في تدهور علاقات الأحزاب الكردية الرئيسية التي تعمقت الخلافات بينها ووصلت إلى بوادر انقسام الإدارتين في الإقليم بين اربيل والسليمانية، حيث اخفقت كل مساعي التقريب بين المواقف بل زادت التناقضات وتبادل الاتهامات وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير. وتميز هذا العام بان الانقسامات بين الأحزاب الكردية جعلت كل منها (ولأول مرة) يسعى للتعامل مع بغداد بشكل منفرد، وسط أزمة قطع رواتب الموظفين الحادة التي جعلت التظاهرات متواصلة في الإقليم.
كما استمرت العلاقة بين حكومتي الإقليم وبغداد، في التأزم وتبادل الاتهامات رغم تعدد زيارات القادة الكرد لبغداد ورغم التعاون بإشراف أمريكا في مجال الحرب ضد تنظيم «الدولة». وبدأ طرح جديد لحكومة العبادي في قبول مبدأ حق تقرير المصير للكرد بعد الانتهاء من أزمة التنظيم، شرط عودة البيشمركه إلى حدود ما قبل 2014 في وقت كرر القادة الكرد التمسك بالأراضي المحررة من قبل البيشمركه، وهو ما ينبئ بمخاطر المواجهة بين العرب والكرد.

مصطفى العبيدي

صحيفة القدس العربي