“الحشد الشعبي”.. حلبة الصراع السعودي الإيراني في العراق

“الحشد الشعبي”.. حلبة الصراع السعودي الإيراني في العراق

خوض المملكة العربية السعودية حربا سياسية مع إيران، أحد فصول هذه الحرب تدور في العراق، حيث ترفض المملكة وجود “الحشد الشعبي” الشيعي.

وانتقد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، تصريحات لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بشأن الحشد الشعبي، معتبرًا أياها تدخلًا “صارخًا” في الشأن الداخلي لبلاده، ودعا المسؤولين السعوديين إلى حل “صراعهم” مع إيران بعيدا عن العراق، مؤكدا أن الحشد الشعبي مؤسسة رسمية داخل إطار الدولة.

وقال المتحدث الاعلامي باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي، سعد الحديثي، في تصريح صحفي “لا يمكن أن يوصف الحشد الشعبي بالطائفي على الإطلاق، وأي كلام يصدر من أي طرف مخالف لهذا الواقع، كلام مرفوض، ونعده تدخلًا في الشأن الداخلي العراقي”.

أضاف أن هناك قانونًا صدر من مجلس النواب السلطة التشريعية ممثلاً عن الإرادة الشعبية، بجعل الحشد الشعبي ضمن المنظومة العسكرية والأمنية العراقية، ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، وتخضع لقوانين الضبط العسكري، وتأتمر بالأوامر التي يصدرها القائد العام، لافتاً إلى أن الحديث عن الحشد الشعبي، جزء من التدخل بالشأن الداخلي العراقي، وننظر إليه على أنه مخالف للأعراف والقوانين الدولية، المعمول بها بهذا الصدد.

وقالت وزارة الخارجية العراقية إن “المنهج الخاطئ”، الذي تتبعه الرياض في المنطقة، جعلها “سببا” في استمرار التوترات والأزمات في بعض الدول العربية.

ووصفت بغداد تصريحات الجبير بأنها مسيئة، وأشارت إلى أنها تظهر استمرار التعامل السعودي “المتأزم” مع العراق، والمنطلق من “خلفيات طائفية ضيقة”.

أضافت أن الحكومة العراقية لن تسمح للسياسات والمواقف السعودية “الخاطئة”، بأن تؤثر على الوضع في العراق، كما هو الحال في عدد من بلدان المنطقة كاليمن وسوريا، حسب بيان للوزارة، وأشار البيان إلى أن الحشد الشعبي تشكيل أمني وطني رسمي، يعمل وفق القانون.

وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها “لا تعر وزنًا لمثل هذه التصريحات، ترفعًا عن الدخول في جزئيات لا طائل منها، تشير إلى أن العالم بات يدرك كافة الحقائق في العراق، ويتعامل معها باحترام “.

من جانبه، طالب المتحدث الأمني باسم الحشد الشعبي، يوسف الكلابي، وزارة الخارجية والدبلوماسية العراقية، بالرد الحاسم على التجاوزات السعودية، من دون الاكتفاء بالتصريحات والاستنكارات، واعتبر أن تكرار هذا التجاوز إهانة لكل الشعب العراقي، ولدماء الشهداء.

وقال إن “رد الحشد الشعبي على هذه التجاوزات سيكون في الميدان، وسيسحق عصابات داعش وأربابهم ومموليهم”.

وتابع إن “الحشد الشعبي في معارك تحرير الموصل، قاتل في محور واحد خاص به، من دون اشتراك أي جهة أمنية أخرى، وبان زيف ادعاء المتقولين، من خلال حسن سير المعارك، وعدم حصول أي انتهاكات أو تجاوزات مزعومة، بحق المواطنين أو ممتلكاتهم”.

وفي 26 نوفمبر الماضي، أقر مجلس النواب العراقي بالأغلبية، مشروع قانون “الحشد الشعبي”، الذي أعطى فصائله حق “استخدام القوة لردع التهديدات الأمنية، التي يتعرض لها العراق، والقضاء على الجماعات الإرهابية، وعلى كل من يتعاون معها”.

اتهامات للحشد

واتهم وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني ناصر جودة، قوات الحشد الشعبي بالعمل على تهديد وحدة العراق، ووصفها بأنها ميليشيات طائفية يقودها ضباط إيرانيون. وأضاف “الحشد الشعبي، كما يعرف العالم، مؤسسة طائفية بحتة، ويقاد من قبل ضباط إيرانيين، وعلى رأسهم قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني)، وهناك مجازر ارتكبت في مناطق بالعراق، وبالذات في الأنبار، وغيرها من المناطق”.

وقال إن المملكة “تعارض أي قوات طائفية على أرض العراق”، مؤكدا حرصها على “التصدي لأي عملية إرهابية عبر الحدود العراقية”.

سيناريو متكرر

في يونيو الماضي، تكرر نفس ما حدث، حيث فتح الجبير، بعد انتهاء معركة الفلوجة، معركة سياسية ضد الحشد الشعبي في العراق.

فقد صرح في مؤتمر صحفي بأن “الحشد الشعبي طائفي وتقوده إيران، وهناك تجاوزات حدثت خلال معركة الفلوجة، ولا بد من تفكيك تلك الميليشيات، التي تؤجج التوتر الطائفي”.

جاءت هذه التصريحات التهديدية من مسؤولين سعوديين، عقب تصريح لقيس الخزعلي، زعيم عصائب الحق في العراق، وهو فصيل يتبع الحشد الشعبي العراقي، خلال رده على إسقاط جنسية مرجع ديني بحريني، قائلا “الحشد الشعبي العراقي يفكر في التدخل في الخليج، وأن واجبه الثاني نصرة الشعب البحريني، ونصرة أهل الأحساء والقطيف، في حالة تجاوز العدو مراحل وخطوطا حمراء”.

ووقتها، استنكرت هيئة الحشد الشعبي، تصريحات وزير الخارجية السعودي، وأشارت إلى أنه تجاوز كل الحدود، وطالبت الأمم المتحدة باتخاذ موقف من تلك التصريحات، وجاء رد رئيس كتلة بدر النيابية –أحد أكبر فصائل الخشد- قاسم الأعرج،ي طالب الأمم المتحدة إلى ضرورة “تفكيك السعودية ووضعها تحت الفصل السابع، لأنها أصبحت بشكل واضح مصدرا للإرهاب، الذي يهدد العالم كله”.

وقال “فالح الفياض” القيادي في ميليشيات “الحشد الشعبي” إن موضوع “الحشد” ليس من شأن الوزير السعودي، أو غيره، والأجدر به عدم التدخل.

وحذر الفياض من أن ذلك الحديث ليس نافعًا للعلاقات بين الدول، لافتاً إلى أن تعداد الحشد الشعبي وصل إلى 140 ألف مقاتل، بينهم الآلاف من مكونات متعددة.

واتهمت وزارة الخارجية العراقية السعودية بـ”التدخل بشؤون العراق الداخلية”، وعبرت عن “رفضها وانزعاجها للتدخل المتكرر من قبل الخارجية السعودية، ونصحت “بعدم تناول قضايا العراق بخطاب ينقل خلافات المملكة مع بعض الدول، أو يصدر لأزماتها الداخلية”.

وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد جمال، إن “الحشد الشعبي هيئة رسمية، تشكّلت من متطوعين يمثلون كافة مكونات الشعب العراقي، وجزء من منظومة الدفاع الوطني، يأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، ويحصل على تمويله من ميزانية الدولة، ويتصدى مع جيشنا الباسل وباقي تشكيلاتنا المسلحة البطلة، للفكر التكفيري المتطرف، الذي تمت تغذيته واحتضانه في حواضن باتت معروفة”.

واعتبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن “الإساءة” إلى مليشيا “الحشد الشعبي”، إساءة لجميع العراقيين، وأعلن خلال لقاء مع قيادات الحشد الشعبي، رفضه ما وصفها بـ”أصوات تحاول منع بعض العراقيين من المشاركة في المعارك كمعركة الموصل”.

وأشاد رئيس الوزراء العراقي بـ”تضحيات” مقاتلين شاركوا في تحرير أرض ليس لهم فيها أي ملك، في إشارة إلى مقاتلي الحشد الشعبي، مبيناً أن الأخطاء الفردية لا يجب تعميمها.

السبهان

الهجوم على الحشد لم يقم به الجبير وحده، فقد استدعت الخارجية العراقية “ثامر السبهان”، وقت أن كان سفيرا للسعودية في بغداد، احتجاجًا على تصريحاته التي أدلى بها لإحدى المحطات الفضائية العراقية بشأن “الحشد الشعبي”، واعتبرت وقتها أن السفير السعودي “خرج عن دوره، وتجاوز الأعراف الدبلوماسية”.

كما أثار السبهان التوتر في العراق، عندما كتب عبر صفحته على تويتر، أن “سياسات التهديد، التي يلوح بها إرهابيون، ستجد الردع من دولة إيمانها بالله وبعقيدة خالصة له، يقودها ملك الحزم والعزم والقوة بدرع محمد وسيف محمد”، مشيرا بحديثه للحشد الشعبي.

وتحدث السفير السعودي عن وجود شخصيات إيرانية، قرب مدينة الفلوجة العراقية، تريد نشر الطائفية وتغيير التركيبة السكانية في العراق، واتهم السفير السعودي السابق، إيران بتأجيج الأوضاع في العراق ونشر الفوضى؛ لتدمير العرب من خلال صراع سني – شيعي.

وطالب العراق من السعودية تغيير سفيرها، وانتقد وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، تحركات السبهان، معتبرا أنها تدخلا بالشأن الداخلي، ومشيرا إلى أن ما يقوم به السبهان لا علاقة له بدوره كسفير.

واستمر الوضع في حاله توتر، حتى قررت المملكة انتهاء عمله كسفير في بغداد، ليلعب دورا آخر في الحكومة السعودية.

نمر النمر

أحد أسباب توتر الوضع بين الحشد والمملكة، وقتما رفع الحشد الشعبي صور نمر النمر، -وهو رجل الدين الشيعي الذي أعدمته السعودية-، على صواريخ تابعة لهم موجهة ضد داعش، خلال معركة الفلوجة.

وهي الصورة التي هدفت لتوصيل رسالة بعد إعدام النمر، بأن المملكة وداعش كلاهما أعداء هذا الفصيل السياسي في العراق.

كما هددت مليشيا سيد الشهداء في العراق، التابعة للحشد الشعبي، السعودية، معلنة أنها هدف مشروع ومباح، وزعمت بأنها ستضربها وتدمرها، في حال إصرارها على تنفيذ حكم الإعدام بحق نمر النمر، مؤكدةً بأنها “لن تدخر وسعاً في إحراق وتدمير كل ما له صلة بالمملكة، ما لم تعيد هذه النظر بحكم الإعدام”.

ولم يكن هذا التهديد هو الفريد من نوعه، فاعتاد الحشد توجيه تهديدات للمملكة، فقد سبق أن هدد باحتلالها من الجهة الجنوبية عبر اليمن، وذلك على لسان أحد القيادات البارزة، المدعو “أبو عزرائيل”.

هند بشندي

نقلا عن التقرير