روبرت فيسك: مآسي سوريا.. وإشارة نهاية الثورات العربية

روبرت فيسك: مآسي سوريا.. وإشارة نهاية الثورات العربية

مثلما جلب الغزو الأمريكي للعراق نهاية لمغامرة الجيش الغربي في الشرق الأوسط، أكدت مأساة سوريا أنه لن يكون هناك أي ثورات عربية أخرى، واستغرق الوقت 13 عامًا مخضبة بالدماء – من 2003 وحتى 2016- لإعادة ترتيب القوى السياسية، حتى باتت روسيا وإيران وبعض الميليشيات الشيعية التابعة لهم تعتقد أنها تتحكم في مستقبل المنطقة الآن، ولا يمكن لبشار الأسد ادعاء الانتصار، ولكنه على أرض الواقع يحرز تقدما.

وقال جنرال سوري في جيش النظام إنه يجب السيطرة على حلب قبل سقوط الموصل، وحدث ذلك بعد شهر تقريبًا، وكان ومازال هناك مجموعات قليلة من حلب تلعب عليهم الحكومة وجماعاتها المسلحة دور الشخص الجيد والشخص السيء، وفق مَن يحاصر مَن، وعندما أنهت جماعات سنية حصارها لمدن يقطنها الشيعة، مثل “فاعور”، تزاحم المدنيون على خطوط الحكومة، وأفادت التقارير أن هذه تعد نزاعات محلية غير مفهومة قليلاً.

ولكن عندما دخلت قوات النظام إلى شرق حلب، هاجمه العالم باعتباره يرتكب جرائم حرب، ولكن يتم ارتكاب هذه الجرائم على كلا الجانبين، ولا تدير قوات بشار المعركة بنزاهة، ولكن ذلك ما حدث من قوات البحرية الملكية 42 في أفغانستان، فقصة حلب يتم تكرارها من خلال سيناريوهات مختلفة، من قوات “الجهاد” الكبيرة الباسلة في زي المتمردين، ومعارضيهم والذين تم مقارنتهم بأفعال طيارين صدام عندما استخدموا قنابل الغاز.

كل ذلك سينتهى قريبًا، حيث أدركت روسيا أن أوباما وليبراليي أوروبا كانوا غير جادين بشأن الإطاحة ببشار – والذي يبدو عكس حليف بوتين الأوكراني في كييف والذي هرب – ودعمت جيشه، وعلى الرغم من سخرية موقع إيكونوميست من جنود الجيش السوري لعدم قدرتهم على التحرك عند إقامة عرض عسكري روسي في القاعدة الجوية السورية، إلا أن فوزهم بمعركة لا يعني أنهم يجب أن يتحركوا خلال عرض عسكري، وتفتخر قوات الجيش السوري بأنها قاتلت في وقت واحد على 80 جبهة ضد جماعات مثل داعش وغيرها، بالإضافة إلى بعض الضباط المنشقين، وهو وفقًا للمخالفات في الخطوط الأمامية يمكن أن يكون صحيحًا، ولكنه ليس سجل عسكري يمكن الافتخار به، حيث أنها أعادت السيطرة على تدمر من أيدي داعش ثم خسرتها مرة أخرى أثناء انشغالها بمعركة شرق حلب.

ويملك الجنود السوريون الكثير من الوقت لحلفائهم من ميليشيات حزب الله – الذين يظهرون في المعركة أفضل تسليحًا من السوريين أنفسهم – ولا يملكون نفس الوقت للمستشارين من إيران والذين يملكون معرفة أكبر بالحروب المفتوحة، لقد كنتُ حاضرًا عندما قال ضابط إيراني لآخر سوري بأنه “غبي”، وهو كان محق في هذه الحالة، ولكن في الواقع فإن الضباط السوريين يعدوا أكثر تدريبًا على المعارك من قوات الحرس الثوري الإيراني، والذين أصيبوا – بجانب حلفائهم من الأفغان والشيعة – بخسائر أكثر مما كانوا يتوقعون.

لذا بعد حوالي خمس سنوات، لازال الجيش السوري في أرض المعركة، وقوات النصرة وداعش والتي تحيط بالقطاع الحكومي في مدينة دير الزور ستكون الهدف التالي للجيش بعد استعادة السيطرة على تدمر، ولكن قبل استعادة الرقة، وهي العملية التي ستقوم بها واشنطن، ومن المتوقع أن يقوم الجيش السوري ببناء الدولة بعد انتهاء الحرب، وستقرر مستقبل الدولة.

هذا لا يعني التخلص من بشار، حيث لا يوجد بين معارضيه الرسميين أو أعدائه من الجهاديين أو أعدائه السياسيين من تركيا، مَن يستطيع مجابهته على الأرض، وحتى إذا نجحوا فمن المؤكد أن نفس السجون والزنازين في سوريا ستستمر للعمل على مدار 24 ساعة؛ لحبس وتعذيب المعارضة الجديدة للنظام الجديد، بجانب أنه بعد أن عانى بوتين من الإهانة بعد النجاح الثاني لداعش في “تدمر”، بعد أن احتفل الروس وأقاموا عروض السلام قبل أشهر قليلة، فلن يدع أي مجال لسقوط بشار الأسد.

والغريب في الأمر أن زعماء الغرب لازالوا يجهلون طبيعة الصراع في سوريا وأي جانب يجب أن يدعموه، فعلى سبيل المثال فإن فرنسوا هولاند – والذي اختار إخبار الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أن روسيا وإيران يجب أن يجبرا الأسد على خلق السلام؛ لأنه إذا لم يحدث سيتحملوا هم بجانب النظام مسؤولية الانقسام والفوضى في سوريا، – كل ذلك يعد جيدًا، إلا أنه بعد شهرين فإن هولاند طالب بأفعال جادة ضد جبهة النصرة الإسلامية على الأرض، وهذه الجبهة بقت لاستغلال الوضع بعد انسحاب داعش، وكان ذلك قبل سيطرة داعش ثانية على “تدمر”.

ولكن ينشغل هولاند وحلفاؤه من أوروبا وواشنطن بضعفهم وسياستهم الخاطئة تجاه سوريا، عن إدراكهم للواقع وتحرك القوة على الأرض؛ لذا، فإنه بدلاً من البكاء بشأن وحشية روسيا وقسوة إيران وكذب حزب الله، يجب عليهم إلقاء نظرة على الجيش السوري المسلم السني، والذي يقاتل ضد أعدائه من المسلمين السنة الجهاديين منذ البداية، حيث اعتبروا جبهة النصرة أخطر من داعش، ويعد الجيش السوري محق بهذا الشأن، ويجب على هولاند الموافقة على هذه النتيجة على الأقل.

ولكن تعد قوة الوهم هامة لنا، وإذا لم يستطع الغرب استعادة الموصل من داعش، فلا يمكنهم إيقاف السوريين من استعادة شرق حلب، ولكن يمكنهم بسهولة تشجيع الإعلام الغربي على التركيز على التعامل الوحشي الروسي في حلب، بدلاً من الإصابات البالغة التي لحقت بحلفاء أمريكا في الموصل، وكانت التقارير الصادرة عن حلب الأسبوعين الماضيين تشبه التقارير من المراسلين الحربيين البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، وكذلك شجعت روسيا إعلامها على التركيز على الانتصار في حلب بدلاً من الخسارة في تدمر، أما بالنسبة للموصل، فقد اختفت تمامًا من الأخبار.

كم عدد الأشخاص الذين قتلوا في “تدمر”؟ بهذا الشأن كم عدد من أسروا في شرق حلب؟ هل كانوا حقًا 250000؟ أم كانوا 100000؟ وقالت إحدى التقارير إن عدد الوفيات في الحرب السورية بأكملها وفقًا لإحصائيات وصل إلى 400000، فيما بالغت تقارير أخرى وقالت إن عدد الوفيات 500000، أيهما صحيح؟ أتذكر دائمًا التفجير النازي لنوتردام في 1940، عندما قال الحلفاء إن عدد المدنيين الذين قتلوا هو 30000، ولسنوات كان هذا هو الرقم الأصلي، ثم بعد انتهاء الحرب؛ اتضح أن العدد الحقيقي – على الرغم من صعوبته أيضًا – كان حوالي 900 وهي أقل 33 مرة من الرقم الذي قيل، وهو ما يجعلنا نتساءل: ما هي الإحصائيات الصحيحة في سوريا؟، وإذا لم يمكننا معرفة ذلك، فما الذي نفعله بتدخلنا في الحرب السورية؟

روبرت فيسك  (إندبندنت) – التقرير