حرب الموصل من منظور عسكري

حرب الموصل من منظور عسكري

أولا: جغرافية المعركة
ثانيا: القوات القتالية
ثالثا: الغطاء المروحي
رابعا: القوة الاستطلاعية

كيف تُمكن قراءة معركة الموصل من منظور عسكري؟ وما هي الخلاصات التي يُمكن الخروج بها على هذا الصعيد؟

أولا: جغرافية المعركة
بداية، إن المعركة الدائرة في مدينة الموصل ومحيطها تشكل نوعاً جديداً من الحروب، تمتزج فيها الأسلحة المتطورة بفنون القتال غير التقليدي أو غير النظامي. إنها حرب عصابات من حيث الجوهر -وإن كان ثمة نقاش يُمكن إطلاقه على صعيد التعريف والمصطلح- وليست حرب جيوش.

القضية هنا ليست مجرد إشكالية نظرية (أو فكرية)، بل مشكلة واقعية ذات صلة بما يدور على الأرض وما يُمكن أن يحدث عليها.

“في المنطلقات النظرية للمقاربة، تحال معركة الموصل إلى مفاهيم حروب الشوارع (والحروب غير النظامية عامة)، وذلك مع ضرورة تطويع أدوات التحليل لتنسجم مع خصوصية البيئة التي نحن بصددها، على الصعيدين الأمني والعام”

في المنطلقات النظرية للمقاربة، تحال معركة الموصل إلى مفاهيم حروب الشوارع (والحروب غير النظامية عامة)، وذلك مع ضرورة تطويع أدوات التحليل لتنسجم مع خصوصية البيئة التي نحن بصددها، على الصعيدين الأمني والعام.

في هذه الحروب -مع ملاحظة الخصوصية العراقية- هناك ثلاثة شروط للنجاح، هي:

1- قوات مدربة على حرب العصابات.
2- غطاء مروحي كثيف.
3- قدرة استطلاعية متقدمة.

قبل ذلك، تأتي مهمة التحليل الجغرافي الدقيق لساحة المعركة (أو جغرافية الحرب أو الجغرافيا العسكرية)، في هذه الجغرافيا تجري دراسة الأرض، وما إن كانت سهلية أو جبلية، والتلال والمرتفعات القائمة، والفواصل البحرية أو النهرية، والطرق والجسور، والحدود الإدارية أو الوطنية، والتوزيع الطبوغرافي، ومواصفاته الهندسية، وانتشار الكتلة البشرية، ومناطق تركزها، والقرب النسبي للعمران والسكان من ميادين الحرب أو ساحات الاشتباك المحتملة.

وفي ضوء دراسة جغرافية الحرب ونتائجها توضع الخطط الأولية للمعركة (خطط التمركز والانطلاق والحركة الميدانية)، ويجري على نحو أولي أيضاً تحديد نوعية الأسلحة ومدياتها ومواقع تمركزها، وحجم القوات على الأرض، أو في الحد الأدنى قوات المشاة.

ثانيا: القوات القتالية
على مستوى القوات المشاركة في معركة الموصل، ارتكزت القوات المهاجمة إلى قوات الجيش العراقي بالدرجة الأولى، وبدرجة ثانية القوات الكردية المعروفة بالبشمركة، وثالثاً القوات الرديفة المعروفة في غالبيتها باسم الحشد الشعبي. وهناك أيضا الإسناد البري الخلفي المقدم من قبل العناصر الدولية، وهو إسناد ناري وفني ونوعٌ من الدور القتالي.

“على مستوى القوات المشاركة في معركة الموصل، ارتكزت القوات المهاجمة إلى قوات الجيش العراقي بالدرجة الأولى، وبدرجة ثانية القوات الكردية المعروفة بالبشمركة، وثالثاً القوات الرديفة المعروفة في غالبيتها باسم الحشد الشعبي. وهناك أيضا الإسناد البري الخلفي المقدم من قبل العناصر الدولية، وهو إسناد ناري وفني ونوعٌ من الدور القتالي”

القوات العراقية المشاركة تعد قوات نظامية (أو شبه نظامية) تدربت على حرب الجيوش، وغير معنية بحرب العصابات أو غير معدة لذلك إعداداً أساسياً.

وحتى اليوم، خاضت قوات البشمركة جملة مواجهات تشير إلى أنها أعدت في جزء من تدريبها على حرب عصابات.

بقية القوات قاتلت قتال القوات النظامية بصفة أساسية، أو لنقل في مسارها العام. وهذا يشمل أيضاً التشكيلات الرديفة للجيش العراقي مع بعض الاستثناءات. ومشكلة هذه التشكيلات هي القصر الشديد في مدة الإعداد الخاصة باكتساب المهارات (أو الفنون) الأساسية. وهذه مهمة لا يمكن إنجازها عادة في أقل من ستة أشهر.

إن نوعية القوات المهاجمة تمثل معضلة رئيسية في حرب الموصل التي تعد في جوهرها حرب عصابات، أو لنقل هي كذلك على مستوى الواقع، إذ كيف يُمكن أن تواجه قوة عصابات بقوة نظامية أو شبه نظامية.

حرب العصابات هي حرب متحركة تعتمد على قوة قادرة على الانتشار بكافة أسلحتها والمواجهة بكافة هذه الأسلحة، والانسحاب بها بسرعة قياسية. هذا هو المثلث الذهبي الذي بلوره قادة تاريخيون منذ عدة عقود استناداً إلى تجارب قتالية عديدة.

ولهذه الحرب أيضاً تكتيكاتها ذات الصلة بالتضليل والتمويه والاختباء، الذي يمنح الفرد القدرة على المفاجأة ويحميه من رد الفعل الانتقامي. إنها حرب من نوع آخر لا صلة للقوات النظامية بها.

لكن هل يعني هذا أن على القوات العراقية التخلي عن المهمة التي أطلقتها؟ ليس هذا ما قصدناه. وهنا نأتي للبعد الثاني من معضلة المعركة الراهنة.

ثالثا: الغطاء المروحي
في التعامل مع حرب عصابات -وحتى مع ملاحظة أن القوة المتاحة للهجوم هي قوة نظامية في أساسها- تبرز ضرورة توفير غطاء مروحي كثيف من المروحيات الهجومية والمتعددة الأغراض، حيث تصبح المروحية بمثابة مقاتل من أعلى يحارب عن قرب، ويوفر قوة نيران واستطلاع وتعقب، ويُمكنه التعامل مع المفاجآت التي تمثل سمة ثابتة في حروب العصابات، على اختلاف أشكالها.

وما هو أبعد من ذلك، توفر المروحيات الحربية الحديثة ما يُطلق عليه “الحراسة الجوية” للقوات، على نحو لا تستطيع أية وسيلة أخرى توفيره. وبدون هذه “الحراسة” يصعب على القوات الاحتفاظ بالمواقع التي تستعيدها، أو قد تحتفظ بها بثمن كبير.

على مستوى ما لديه من مروحيات، كان العراق قد تعاقد على شراء 24 مروحية من طراز “EC-135” و”EC-635″، وهي مروحية خفيفة تعمل بمحركين من إنتاج مصانع Eurocopter التابعة لشركة “EADS”. ويستخدم نموذج “EC-135” في الغالب لأغراض الطوارئ الطبية من قبل مشغلين مدنيين، في حين يستخدم نموذج “EC-635” لأغراض حربية.

“في معركة الموصل الراهنة، تساهم القوات الدولية بعدد من المروحيات الهجومية، بيد أن هناك فرقا -على مستوى المفهوم- بين أصل استخدام المروحيات والغطاء المروحي ذي الصلة بحرب العصابات”

وجرى التعاقد أيضا على شراء ست مروحيات فرنسية من طراز “الغزال”SA-342 Gazelle))، وهي مروحيات قديمة نسبيا إذ تعود إلى عام 1967، إلا أنها خفيفة ومتعددة المهام، تستخدم في الهجوم والاشتباك بالمروحيات وقصف الدبابات، كما تستخدم مروحية تدريب ونقل. وهناك نحو عشرة نماذج من هذه المروحية.

وتعاقدت بغداد أيضا مع روسيا على نحو 40 مروحية من طرازات “Mi-8″ و”Mi-17” و”Hip-H”، حصلت على جزء منها بأسعار مخفضة في سياق محاولة الروس دخول السوق العراقية.

واقتنى العراق من الولايات المتحدة 64 مروحية خفر خفيفة من طراز “Bell” من أجيال مختلفة، و12 طائرة تدريب وقتال من طراز “Cessna-172/T-41″، وطائرات من طراز “Comp Air-7SL”، وأخرى من طراز “ISR King Air-350” الذي يجمع بين مزايا الطائرات المسيرة والطائرات المأهولة، على مستوى المراقبة الجوية وإطلاق الصواريخ الموجهة بالليزر.

ولدى العراق في حظائره الجوية بعض المروحيات الهجومية لكنها لا تكفي بمعيار الوضع الراهن، بل لم تكن كافية حتى في المواجهات السابقة الأقل اتساعاً، والتي جرت في كل من محافظتيْ الأنبار وصلاح الدين، وخلال موجة العنف التي أعقبت تفجير مقام الإمامين الهادي والعسكري في مدينة سامراء يوم 22 فبراير/شباط 2006.

وفي معركة الموصل الراهنة، تساهم القوات الدولية بعدد من المروحيات الهجومية، بيد أن هناك فرقا -على مستوى المفهوم- بين أصل استخدام المروحيات والغطاء المروحي ذي الصلة بحرب العصابات.

قبل حرب الخليج الثانية، كانت قوة العراق الجوية تتألف من 513 طائرة مقاتلة، و584 مروحية عسكرية. وخلال الحرب دُمرت حوالي 300 طائرة، ورُحِّلت إلى إيران 137 طائرة أخرى، وتضررت حوالي 100 طائرة.

وبذلك، أصبحت القوة الجوية العراقية في حدود نصف طاقتها، وفي فترة الحصار فقدت نصفها الآخر. وخلال حرب عام 2003، لم تكن هناك ولا طائرة حربية واحدة صالحة للاستخدام. وقسم من هذه الطائرات والمروحيات جرى تفكيكه وبيعه في سوق الخردة.

رابعا: القوة الاستطلاعية
معضلة أخرى يواجهها العراق في معركته الراهنة، تكمن في افتقاره لأية منظومة استطلاع حديثة. ونقصد بذلك منظومات الاستطلاع المدمجة.

“بالنسبة للحرب الدائرة في الموصل ونينوى؛ يُمكن القول إننا بصدد معضلات ذات طابع بنيوي ثلاثي الأبعاد، ترتبط الأولى بنوعية القوات، والثانية بالغطاء المروحي، والثالثة بمنظومات الاستطلاع”

في الوقت الرهن، يمتلك العراق عدداً من وسائط الاستطلاع الجوي المفردة، بينها طائرتا استطلاع من طراز “SB7L-360″، وست من طراز “Cessna 208B”، وثمان من طراز “CH-2000”.

وشملت الأسلحة التي حصل عليها العراق أيضاً طائرات استطلاع مسيّرة من نوع “ScanEagle”، وثلاثة مناطيد من نوع “أيروستات” المزوّدة بالمجسّات، كما تقرر قبل أكثر من عامين إرسال 48 طائرة استطلاع بدون طيّار من نوع “Raven”.

هذه الوسائط مهمة بمعيار المهام الحربية العامة، بما في ذلك عمليات البحث، لكنها لا تشكل بديلاً عن منظومات الاستطلاع المدمجة التي لا غنى عنها في مواجهة حرب العصابات. ولم يكن العراق يمتلك -في أي وقت من الأوقات- منظومات استطلاع من الأجيال المتطورة، لكنه كان يتمتع خلال الثمانينيات بمصفوفات رادارية متقدمة نسبياً.

وكان العراق قد شهد خلال الفترة التالية لعام 1968 حركة تسليح متسارعة الخطى، بلغت ذروتها قبيل حرب الخليج الثانية التي قضت على القسم الأكبر من القوة العراقية وحيّدتها بالمعنى العام، وأنهت التوازن الإستراتيجي الهش الذي ساد الخليج لبضعة عقود.

ختاما وبالعودة إلى الحرب الدائرة في الموصل ونينوى؛ يُمكن القول إننا بصدد معضلات ذات طابع بنيوي ثلاثي الأبعاد، ترتبط الأولى بنوعية القوات، والثانية بالغطاء المروحي، والثالثة بمنظومات الاستطلاع.

وبالطبع، فإن هذا الاستنتاج من منظور التحليل الدفاعي العام ليس ذا علاقة أو صلة بالمقاربة السياسية أو الدبلوماسية للحدث أو بسياقه الاجتماعي، فتلك مسألة أخرى لسنا معنيين بها في هذه العجالة، وإن كنا نأمل أن يأتي اليوم الذي تستقر فيه هذه المنطقة من العالم.

والمطلوب دائماً هو تشجيع الناس على كل ما يجمعهم ويوحدهم لبناء وتطوير دولهم، وصون مكتسباتهم التي تحققت بجهود كافة القوى الاجتماعية على مدى عقود مديدة.

عبد الجليل زيد المرهون

المصدر : الجزيرة