خريطة الاقتصاد العربي والعالمي للعام 2017

خريطة الاقتصاد العربي والعالمي للعام 2017

غدًا الإثنين سيكون أول يوم عمل في البلدان العربية في أول يوم من العام 2017 معظم الموازنات المالية تقر وفق العام المالي المعتمد بتواريخ مختلفة، هذا من حيث الدول وميزانياتها المالية، أما من حيث الشركات الكبيرة والصغيرة فأغلبها عمدت إلى تصفية حساباتها والبدء بميزانية جديدة وفتح دفتر حساب جديد مع بداية كل عام بعد إغلاق ميزانية العام الذي سبقه وإعلان النتائج المالية. فماذا سيحمل العام الجديد للاقتصاد العالمي؟

الولايات المتحدة: ترامب سيدخل البيت الأبيض

أهم وأكبر حدث على مستوى العالم هو دخول ترامب للبيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، هذا الحدث ليس مهمًا على المستوى السياسي وحسابات الرؤساء فحسب بل أيضًا على مستوى الاقتصاد الأمريكي والعالمي. فالرجل سيحمل سياسات مالية ونقدية جريئة ستؤثر على الدولار والاقتصاد الأمريكي في حال تطبيقها.

إذ سبق وأن انتقد ترامب سياسات الفيدرالي الأمريكي في عهد أوباما ورئيسته جانيت يلين، ووعد أنه سيعمل على إعادة الدولار والاقتصاد الأمريكي إلى قوته. وهو ما انعكس بالفعل على أسواق المال الأمريكية إذ ارتفعت معظم مؤشرات الأسواق المالية بسبب موجة التفاؤل التي حملها ترامب لهم جراء ما قد تحمله وعود ترامب من نتائج إيجابية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

إذ من المتوقع بأفضل الأحوال أن يتم رفع سعر الفائدة 3 مرات خلال العام الحالي وهذا من شأنه تكريس قوة الدولار أكثر وسحب رأس مال من البنوك والصناديق حول العالم للعودة والاستثمار في الولايات المتحدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومن جهة أخرى فقد وعد بالتوسع في الإنفاق على البنية التحتية لخلق فرص عمل كثيرة والتوسع في الإنفاق الحكومي في هذه الظروف سيتطلب توسيع الدين أكثر علمًا أنه يقف عند 19 ترليون دولار تقريبًا وبالتالي سيعمل على إصدار سندات دين ما يؤدي إلى تهافت البنوك الكبرى الأمريكية لإصدارها والمستثمرين لشراءها. ومن جانب آخر يعد ترامب بإلغاء قانون إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك الذي يقوم على دمج الهيئات التنظيمية والتنظيم الشامل للنظام المالي لتقييم الخطر المالي بعدما تسببت البنوك بأزمة مالية عالمية في العام 2008، حيث يرى ترامب أن هذا القانون أوقف النمو الاقتصادي بسبب خشية البنوك من القروض لأنها تخضع لرقابة صارمة، وهذا برأيه يحد من النمو ويقلص فرص العمل.
ترامب سيدخل للبيت الأبيض في 20 يناير الجاري

ويأتي بند الإصلاح الضريبي أحد أهم حافز للاقتصاد الأمريكي بعد تولي ترامب إذ وعد بخففض مستويات الضريبة من خلال خفض ضرائب معينة وإلغاء أخرى وتخفيف العبأ عن الأنشطة التجارية بخفض نسبة الضريبة إلى 15% وفرض ضريبة على البضائع المستوردة تتراوح نسبتها بين 32- 35% وينوي ترامب إصلاح الميزانية وتنمية الاقتصاد بنسبة لا تقل عن 6% وهو ممكن فعلا في ظل الانتعاشة الأخيرة التي حققها الاقتصاد الأمريكي.

وغني عن التعريف أن انتعاش الاقتصاد الأمريكي وصعود الدولار سيقوض الاقتصادات الناشئة ويجعلها تخطط ماليًا بشكل أكثر مرونة بسبب اعتمادها على الاستثمارات الأجنبية وتوفر العملة الصعبة في بلدانها.

تطبيق اتفاق أوبك والنفط إلى 65 دولار

حدث بارز عالمي آخر هو استحقاق اتفاق خفض الإنتاج بما يقرب من 1.8 مليون برميل يوميًا حسب المتفق عليه بين منظمة المنتجين المصدرين في أوبك وخارجها حيث بلغت الدول المتفقة 22 دولة، إذ من المتوقع أن يكون العام 2017 عامًا بارزًا ومميزًا عن الأعوام السابقة بالنسبة إلى السوق النفطية. وبحسب معظم المحللين سينجح اتفاق خفض الإنتاج في الحد من تخمة المعروض وإعطاء دفعة قوية للسوق نحو استعادة التوازن.

ومن المتوقع أن يدور سعر برميل النفط خلال العام الحالي حول 65 دولار، واستقرار السوق النفطية حول هذا السعر سيقود إلى نمو اقتصادي جيد لكل الدول. ويذكر أن خام برنت تمكن من تحقيق ارتفاع بواقع 50% على أساس سنوي لعام 2016 وهو الأكثر منذ العام 2009.

بريطانيا أمام تحدي تطبيق المادة 50

الاتحاد الأوروبي سيكون في لقاء آخر في قضية البريكست وخروج بريطانيا من التكتل من خلال تطبيق المادة 50 التي تنص على إبلاغ بريطانيا المجلس الأوروبي المؤلف من زعماء دول الاتحاد بعزمها على مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الذي طالب فيه زعماء أوروبيون بالإسراع في تطبيق المادة وأن تتقدم على الفور بطلبها للخروج، صرح وزراء في حكومة تيريزا ماي أن خروج بريطاينا لن يتم بتسرع وليس هناك حاجة لتحريك المادة 50 كما قال وزير الخارجية بوريس جونسون، بينما أشارت رئيسة الحكومة ماي بأن تفعيل المادة 50 سيكون حتى نهاية مارس/آذار المقبل.

 

بريطانيا تستعد لطلب المغادرة من الاتحاد الأوروبي وفق المادة 50

وخروج بريطانيا من التكتل سيكون له تبعات على عملتها الجنيه الاسترليني واليورو الأوروبي وبلا أدنى شك سيضع بريطانيا أمام وضع صعب للتعامل مع الشركات الأجنبية ومعدل النمو الاقتصادي والاتفاقيات التجارية مع أوروبا ومع العالم. وهذا من شأنه أن يعكس أزمة قد ترتد على الاقتصاد العالمي لحجم ووزن بريطانيا ولندن -مركز المال العالمي- في أوروبا والعالم.

فرنسا على موعد مع اليميني فرانسوا فيون

من الأحداث الأخرى التي من المحتم أن ينتظر المستثمر نتيجتها حول العالم؛ الانتخابات الرئيسية في فرنسا والتي أبرزت فرانسوا فيون عن الحزب اليميني وانتكاسة في اليسار الفرنسي، ومن شأن وصول فيون إلى الشانزيليزيه أن يحدث فرقا في السياسة الاقتصادية الفرنسية إذ من المتوقع حسب ما أعلن الرجل أن يتخذ قرارات صارمة لإصلاح الاقتصاد الفرنسي حتى لو كانت قاسية على حد زعمه.

يوصف فيون بأنه ليبرالي جدًا وذكر في بداية عهد نيكولا ساركوزي أن فرنسا في حالة إفلاس، إذ من المقرر أن يعمل على إلغاء نصف مليون وظيفة من القطاع العام وتخفيف المساعدات الاجتماعية للفرنسيين وتمديد ساعات العمل إلى 39 أسبوعيًا ورفع سن التقاعد إلى 69 عامًا. وفي حال حدوث ذلك فإن موجة من التخبط سيحل في الأسواق المالية الفرنسية خصوصًا والعالمية عمومًا بسبب التغيير الذي سيحدثه فيون في الاقتصاد.

اليميني فرانسوا فيون يفاجئ الجميع ويترشح عن اليمين الفرنسي

ميركل ضد التيار الشعبوي

وتنتظر ألمانيا أيضًا أكبر اقتصاد في أوروبا، الانتخابات الرئيسية في رييع العام الجاري ومن غير المستبعد أيضًا أن تحمل هذه الانتخابات صعود اليمين، فالمنافسة لا تزال مستعرة بين الائتلاف الحاكم بزعامة ميركل والتي أعلنت ترشحها لولاية رابعة والأحزاب الأخرى. يذكر أن ألمانيا تشهد تنامي للتيار الشعبوي الرافض لسياسة الهجرة واستضافة اللاجئين حيث استضافت ألمانيا قرابة مليون لاجئ في العام 2015.

ولا يزال من المبكر القول أن التيار الشعبوي سيفوز في الانتخابات القادمة، ولكن الجدير بالذكر أن أي أثر سلبي في ألمانيا سينعكس على الاقتصاد الأوروبي بشكل أعمق لما لألمانيا دور كبير في قيادة الاقتصاد الأوروبي.

تركيا في الواجهة

مر عام عصيب على الاقتصاد التركي إذ سببت العوامل السياسية والأمنية هزات كبيرة على الاقتصاد أدت لانخفاض قيمة العملة المحلية وانخفاض في عدد السياح ومؤشرات أخرى. بينما غادرت تركيا ذلك العام آملة أن يكون عامها الجديد أكثر ازدهارًا واستقرارًا. إلا أن اسطنبول استفتحت عامها الجديد بعملية مسلحة في إحدى الملاهي الليلية قتل فيها 35 شخصًا من جنسيات مختلفة وجرح ما يقرب من 65 شخصًا.

بعيدًا عن ذلك التفجير وآثاره التي لا تختلف عن غيرها من التفجيرات الأخرى التي حدثت طوال العام 2016، فإن الحكومة التركية وبرئاسة بن علي يلدريم أشارت أن عام 2017 سيكون عام الاستثمار في تركيا وزيادة فرص العمل وعام النجاح ورفع حجم الصادرات.

حيث خصصت الحكومة نسبة كبيرة من ميزانتها للمشاريع الاستثمارية من خلال تقديم الحكومة القروض لجميع المستثمرين ورجال الأعمال خلال العام الحالي لأنه لا يمكن للحكومة وحدها أن تحقق كل الأهداف على حد زعم يلدريم.

وذكر أن الحكومة ستدفع 10 مليارات ليرة تركية لأصحاب الشركات وأرباب العمل بغرض الاستثمار وستعمل الحكومة على تغيير نسبة الضرائب وتقوم بتحقيق العدالة بين العمال وأرباب العمل وتسعى لخلق الظروف المناسبة من أجل رفاهية الشعب التركي، كما أشار لذلك يلدريم.

كلام رئيس الحكومة يدلل على توسع في الإنفاق الحكومي وهذا من شأنه أن يرفع معدلات النمو بحكم توجيه الإنفاق إلى قنوات استثمارية ويخفض من معدلات البطالة والفقر بالنتيجة، وفيما يخص الليرة التركية فقد أغلقت بالقرب من 3.50 ليرة مقابل الدولار وهو سعر ستفتتح به تعاملاتها لأول يوم عمل غدًا الإثنين 2 يناير/كاون الثاني، وسيسعى المركزي من خلال سياسته النقدية الحفاظ على هذا المستوى في الأشهر المقبلة، من خلال تحريك سعر الفائدة واستهداف معدل تضخم منخفض، آخذا بالاعتبار قوة الدولار ورفع الفائدة الأمريكية من قبل الفيدرالي.

تونس تتأمل في ظل الصعوبات والتحديات

بالنظر إلى الاقتصاد التونسي والأمل الذي بعثه مؤتمر الاستثمار تونس 2020 في الشهر الفائت من العام الماضي فإن الخبراء رأوا أن الاقتصاد التونسي يواجه صعوبات في العام 2017. مع بقاء بعض التفاؤل من حيث الاستقرار الحكومي والتحسن الطفيف على مستوى عودة الاستثمار الخاص.

وفيما يخص التحديات بعضها بتعلق بالشق الاجتماعي حيث لا يزال الوضع مترديًا جراء الاحتياجات الملحة المتزايدة وفقدان ثقافة العمل والإنتاجية، والشق الأمني من حيث الاستقرار والتهديدات الأمنية إذ شكل اغتيال الزواوي هاجسًا أمنيًا وتحديًا للحكومة والآخر يتعلق بالشق المالي من حيث الإجراءات في قانون المالية والتراجع المتوقع في قيمة الدينار التونسي أمام الدولار والشق السياسي المتعلق بوصول ترامب للرئاسة وكيف ستنعكس سياسته على تونس.

سجل الاقتصاد التونسي العام الماضي معدلات نمو منخفضة 1.5% وشهدت محركات النمو التقليدية وهي الاستثمار والتصدير والاستهلاك ضعفًا ملموسًا بينما من المتوقع تسجيل نسبة نمو 2.5% في العام 2017 ونسبة تضخم عند 3.6% وتداين بنسبة 63.8%.

الاقتصادات الخليجية تنتعش مع انتعاش النفط

اقتصادات مجلس التعاون الخليجي ستتأثر بشكل إيجابي مع كل صعود في سعر النفط إذ تعتمد في بناء ميزانياتها على إيرادات النفط، فإذا ارتفعت الإيرادات ارتفع معها الإنفاق على الشركات لإقامة المشاريع وارتفعت الرواتب والبدلات وأشياء كثيرة أخرى وعليه سيحدث نمو في الاقتصاد وينتعش.

وفي حال العكس كما حصل إبان هبوط أسعار النفط منذ منتصف العام 2014 فقد تكبدت ميزانيات الدول الخليجية عجز مالي واستدانت لتغطية العجز وفرضت إجراءات تقشفية ورفعت الدعم عن بعض السلع والخدمات.

مصفاة نفط تابعة لشركة توتال بفرنسا – صورة من أرشيف رويترز.

تقارير اقتصادية عديدة أشارت إلى تحسن في النمو لدول مجلس التعاون في العام 2017 ليصل إلى حدود 3.4% بعدما تراجع في العام الماضي متأثرًا بتقلص الإنفاق الحكومي وتراجع السيولة المحلية.

الاقتصاد المصري: النزيف يستمر

ربما كان الاقتصاد المصري الأسوأ من حيث الأداء في العام الماضي إذ عملت الحكومة المصرية على تعويم سعر صرف الجنيه ورفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات ومن بينها المحروقات والكهرباء، في الوقت الذي لا تزال معدلات الاستثمار والسياحة والصادرات متدنية بينما ارتفع معدل التضخم والواردات من الخارج فضلا عن الفقر والبطالة.

يتوقع العديد من الاقتصاديين والشركات العاملة في مصر أن يصعد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى 21 جنيه مع عدم إمكانية للهبوط في ظل الظروف الحالية، ويتوقع خبراء أن يقفز المعدل العام للأسعار بنسبة تتراوح بين 25- 30% مكرسًا ضغطًا مستمرًا على طبقات المجتمع المختلفة ومن بينها الفقراء الذي بلغت نسبتهم 27% في العام الماضي أما في العام الحالي فمن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 35%.

بينما نشر معهد ستراتفورد الأمريكي للأبحاث توقعاته لعام 2017 عن اقتصادات العالم وتوقع أن يحقق الاقتصاد المصري استقرارًا في العام 2017 وذكر أن الحكومة ستسعى لجذب التمويل من الشركات الخليجيين عبر الاستثمارات.

مناف قومان

نقلا عن نون بوست