العراق والبحث عن استراتيجية جديدة بعد خروج “داعش” لسد الفراغ

العراق والبحث عن استراتيجية جديدة بعد خروج “داعش” لسد الفراغ

يتمدد جنديين عراقيين جرحى على أسرة في مستشفى عسكري بشمال مدينة الموصل، في زيهم العسكري الرسمي، في مشهد عشوائي لم يُخَطط له. المشفى حوائطه يغلب عليه اللون المشمشي، وكأنه كان في الأصل مشروع آخر غير مقر المستشفى.

داخل هذا المشهد، يوجد جندي آخر على كرسي متحرك ويُغطي الجزء السفلي منه بأكمله بواسطة بطانية متعددة الألوان.

أصيب هؤلاء الثلاثة، في ريعان عمرهم من العقد العشرين، في أثناء محاولتهم إنقاذ عراقيين حاولوا الهروب من بطش ما يُعرف بتنظيم الدولة، بعد بزوغ شمس 26 من شهر ديسمبر الماضي، خارج بلدة تل أسقف، التي تبعد 20 ميلا عن عاصمة “داعش” في العراق.

يروي الجنود ما حدث بعدما رصدتهم عناصر “داعش” في أثناء محاولتهم الهروب من خلف دفاعاتهم مُصاحبين للمواطنين العراقيين، ما أدى إلى تبادل إطلاق النار وموت العديد، ليُحتَسبوا شهداء عند ربهم، حيث قتل ثلث ممن معهم بينما أصيب ثلث آخر، ونجح الثلث الأخير في النجاة بحياتهم والهرب منهم، بينما أطلقت النار على جنديين، وأصيب الآخر بفعل الشظايا الناتجة عن انفجار صاروخ هاون.

طلب الجنود الثلاثة بعدم الإفصاح عن أسمائهم في وسائل الإعلام، خوفًا من انتقام أعضاء “داعش” منهم ومن عائلاتهم المحاصرين في الموصل حتى آن ذاك.

لا ينتمي الجنود الثلاثة إلى الجيش العراقي، أو البيشمركة الأكراد أو حتى إلى قوات الحشد الشعبية المُقننة من قبل الحكومة العراقية بعد أن أصبحت، في وقت لاحق جزءًا من الجيش العراقي. إنما ينتمي هؤلاء الثلاثة المصابين الى ميليشيات السُنة من بلدة الموصل، فيحاربون من أجل تحرير المقربين منهم؛ فلا هم يثقون في العبادي ولا حكومته التي يسيطر عليها الطابع الشيعي.

ولكن عندما يرحل “داعش” عن العراق بعد هزيمته، من المحتمل أن يملؤوا فراغ “داعش”، وإذا ما عانت مجتمعاتهم مرة أخرى، وهو ما سيترتب عليه جر المواطنين العراقيين في حرب أهلية جديدة بالقرب من الحدود السورية، وبالطبع ستتدخل أمريكا في معطياتها.

حكومة عبادي على وعيٍ تام بالمخاطر التي تمر بها البلاد، بسبب وجود الشيعة بالجيش في محاولة لإجبار الجيش الشيعي على الانسحاب من جميع القواعد العراقية بعد انتهاء الحرب ضد “داعش” تزامنًا مع نشرهم للميليشيات المقننة الجديدة من أجل الحفاظ على سلام وأمان المدن التي ظهروا منها.

لا ترحب حكومة العبادي بالجماعات المحلية مثل  حرس نينوى، بسبب انتماء أعضائها العرب السنة والشيعة والمسيحيين والإيزيديين واستجابتهم لمحافظ الموصل السابق، أثيل النوجيفي، وهو من يلوم بعض الشيعة المنخرطين في السياسة على فشلهم في وقف توسع “داعش” بعد أول معركة انتصروا فيها وسيطروا من خلالها على البلاد في العام 2014.

فالعالم انشغل بصراعه مع “داعش”، وظلت هذه الجماعات نائمة غير متحركة، ولكنها ستعود للظهور بعدما يتوقف القتال بسبب حنق الجنود الحالي من إهمال الحكومة لهم وفشلها في توفير احتياجاتهم الأساسية من الدواء والطعام وغيره.

وفي محادثة تمت بين المتحدث الرسمي عن جماعة الحشد الشعبية مع صحيفة “الديلي بيست” مدافعًا عن وطنه بغداد: “منذ اليوم الأول، كان كل ذاك من أجل العراق، وليس من أجل قطاع ديني محدد”.، بينما وصف حركة الحشد الشعبية بكونها “قوات المتطوعين” فيصل عدد أفرادها إلى 60 جماعة مختلفة تقريبًا، متطوعين دون  أجور، وبناءً عليه، حددت الحكومة العراقية ميزانية معينة من أجل دفع رواتب ما يصل لـ110 آلاف مقاتل وفقًا للقانون الجديد.

وأسست بعض هذه الجماعات من البداية من أجل التصدي للاحتلال العسكري الأمريكي، فقد تسبب مقتضى الصدر، زعيم الشيعة، في مقتل عشرات الأمريكيين. ولكن انضم معظم المقاتلين إلى هذه الحركة بعدما أعلن آية الله السيستيني، الشيعي، عن فتوة في العام 2014 تطالب العراقيين بحماية بلادهم من “داعش”، وسنجد أن الأسدي يعترف أن جزءًا كبيرًا من هذه الميليشيات يتكونون من الشيعة، ولكنه يؤكد احتوائها لأطياف أخرى مثل السنة والمسيحية والإيزيدية.

وأضاف أنه حان الوقت لفصل هذه الميليشيات عن الأحزاب السياسية أو الحركات التي أسست سمعة جيدة لهم لينصاعوا فقط إلى قرارات رئيس الوزراء العراقي، ليس ذلك فقط، وإنما ستطبق القوانين العسكرية أيضًا عليهم، على الرغم من أن الحكومة لا تزال تعمل على تنسيق التفاصيل داخل قانون البرلمان العراقي في صفحة ونصف.

واتهمت مثل هذه القوات العسكرية بتطبيقها لأجندات وسياسات التخلص من أهل  السنة وكل من يشتبه فيه التعامل مع “داعش”، وهو تصرفٌ في حد ذاته يتوافق مع حملة الهجمات الدامية واستهداف الأحياء الشيعية عن طريق تفجيرها، مثلما حدث في بغداد، السبت الماضي، والذي أسفر عن مقتل 20 شخصًا.

وتنص التقارير، التي يرفض الأسدي الاعتراف بها، المقدمة لهذه القضية، على احتجاز معظم متطرفي هذه الجماعات لما يتخطى 3000 محتجز في 5 سجون مؤقتة بسبب جرائم ملفقة وأخرى كفدية لتساعد على تمويل أنشطة الميليشيات.

يعتقد تاونسند أن صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن يكون قوة تبعث الاستقرار والأمان في العراق إذا ما اعتبر كحرس وطني وجزء لا يتجزء من العراق، عوضًا عن انتمائه إلى إيران.

وتعمل إيران على إمداد الحشد الشعبي بالنصائح اللازمة، لأن لا أحد يقدم لهم يد العون، فإيران تعتبر دولة مجاورة للعراق، وهي واقع لا يمكن تجنبه أو فعل أي شيء تجاهه.

فيتمسك العديد من المسؤولين، طالبوا بعدم الإفصاح عن أسمائهم، بأن رغبة العراق من الاستقلال ستتغلب على قدرة إيران في التصرف وكأنها محرك الدمى للعراق المتحكمة فيه. ليس بالضرورة أن يتحد جميع الشيعة مع إيران بالفطرة؛ لأن هناك العديد من القوميين المحبين لبلادهم ممن يرون أن إيران ما هي إلا منافس لهم.

وماذا عن مستشاري إيران وأمريكا داخل ساحة المعركة؟

أضاف تاونسيند في إجابته على هذا السؤال “سيبقون هم هناك، وسنظل نحن هنا. وسأحاول ألا أسمح لهم بإزعاجي”.

بينما عبر صفاء الشيخ، نائب مستشار الأمن القومي العراقي، عن صعوبة السيطرة على بعض الميليشيات، وهو سبب آخر ادعي من أجل إدراج هذه الميليشيات تحت مظلة القانون والحكومة العراقية.

ومن المهم جدًا أن يكون هناك قانون يعمل على تنسيق واحتواء وحدات الحشد الشعبية وإلزامهم بالانضباط. فهناك عشرات الآلاف من الأقليات التي كوّنت ميليشيات عديدة تحت أعيُن الحكومة، بينما ستجد أن حركة الحشد الشعبية قد أسيئ فهمها في الخارج. وينطبق ذلك خاصة على كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق التي تلجأ عادة إلى الحكومة لتنال النصح الإرشاد منها.

وأضاف صفاء قائلا: “لدى إيران تأثير قوي على هذه الجماعات، ولن ننسى دور الحكومة العراقية الطفيف في التأثير عليهم، إضافة إلى وجود نسبة ضئيلة من المصالح الذاتية التي تُسَيّر أفعالهم”.

فوفقًا لتقارير منظمة حقوق الإنسان، تعتبر كتائب حزب الله، المسؤولة عن حبس أعداد كبيرة من السجناء بطرق غير مشروعة، وعلى خوف المسؤولين الغربيين والعراقيين من التحدث عن الواقع بسبب حساسية الموضوع، وهو ما فشلت الحكومة في التأكد منه أو نفيه، بينما انتشرت حالات الثأر الفردية جراء تزايد تعداد الموتى.

وأضاف أن الحكومة العراقية تدرس وضع خطة محددة لأحوال البلاد بعد رحيل “داعش” تنص على سحب معظم قوات الشيعة من العراق، إضافة إلى القوات غير الشيعية، منعًا لخلق حالة من الاحتكاك داخل السكان المحليين، فمن وجهة نظره، كانت تلك المشكلة الأساسية التي أدت إلى ظهور “داعش” في الموصل من بين أغلبية السنة.

ويتساءل فلاح مصطفى، رئيس الخارجية الكردي، عن السبب من وراء اختيار حركة الحشد الشعبية لضمها إلى الجيش العراقي مع أنهم كانوا من الممكن الاستثمار في مستقبل الجيش العراقي لكي لا يقتصر على طائفة واحدة فقط، ثم تساءل إن كانوا يتجهون إلى أسلمة الدولة.

فعلى الرغم من تقدير الأكراد للتضحيات التي قدمها البعض من أجل المساعدة في حماية بغداد والعراق أجمعها إلا أن بعض الجماعات لا تزال غير منضبطة، ما سيتسبب في مشكلات عديدة للعراق في المستقبل.

ولكن لا تزال المشكلات الطائفية متأصلة في العراق، فما زالت جماعات الحشد الشعبية تشعر بالاضطهاد ولا تراعيهم الحكومة طبيًا ولا تقدم لهم الامتيازات أو تدفع لهم الرواتب، فهم لا يضمنون أن يرعاهم أحد. فأموال البلاد تتجه فقط ناحية الشيعة العراقيين المسيطرين على الحكومة فقط، وحتى آمالهم بالمساعدات الأمريكية بعد وصول إدارة ترامب إلى مقاليد حكم أمريكا الموالية للحكومة الشيعية.

ديلى بيست – التقرير