روسيا وطالبان: تقارب لضرب الناتو والوجود الأميركي في أفغانستان

روسيا وطالبان: تقارب لضرب الناتو والوجود الأميركي في أفغانستان

نزل الروس بقوة في ملاعب كانت حكرا على الأميركيين. وحركوا بيادق مؤثرة على الرقعة الممتدة من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى. ونجحوا في تسجيل أهداف لصالحهم.

أخذوا زمام الصراع الدائر في سوريا، وضموا إلى حلفهم إيران وتركيا، ودخلوا العمق الأفغاني وفتحوا قنوات تواصل مع حركة طالبان، صنيعة المخابرات الباكستانية والأميركية، التي انقلبت على صانعها وباتت ألدّ أعدائه، يحاربها منذ سنوات في المكان الذي خلقها فيه دون جدوى.

بعد مرور أكثر من 15 عاما على الحرب الأميركية في أفغانستان؛ و37 سنة على الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 – 1989)، حدث تحول كبير في العلاقة بين حركة طالبان، التي ولدت من رحم الحرب السوفييتية، وروسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي. أصبح الطرفان “حليفان”.

ووصل الأمر إلى درجة أن أضحت موسكو تتكلم بالنيابة عن طالبان في المحافل الدولية وتحث العالم على إعادة النظر إلى هذا التنظيم المتشدد.

خرج هذا التقارب إلى العلن بشكل واضح، وتحول إلى مصدر قلق كبير في أوساط حلف شمال الأطلسي والإدارة الأميركية، في شهر ديسمبر الماضي، على خلفية اجتماع انعقد في موسكو بحضور مبعوثين من الصين وباكستان لمناقشة الحرب في أفغانستان التي لم تحضر حكومتها، المقربة من واشنطن، هذا الاجتماع.

وكان لافتا، عند الحديث عن مخرجات هذا اللقاء، حث موسكو المجتمع الدولي على أن يكون مرنا في التعامل مع طالبان، في خطوة اعتبرتها واشنطن والناتو تهديدا لنفوذهما في أفغانستان.

تغيير المعادلة

وعقب المؤتمر، قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن “الدول الثلاث أعربت عن قلقها من النشاط المتزايد في البلاد للجماعات المتطرفة، وعلى وجه التحديد الفرع الأفغاني من تنظيم الدولة الإسلامية.

وأضافت زاخاروفا أن بكين وإسلام آباد وموسكو وافقت على اتباع “نهج مرن لإزالة بعض شخصيات طالبان من قوائم العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار السلمي بين كابول وحركة طالبان”.

وأشادت طالبان، التي تصف نفسها بأنها إمارة أفغانستان الإسلامية، باجتماع موسكو في بيان نشر على الإنترنت بعد عقد الاجتماع بيوم واحد. وقال محمد سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة، إن “حركة طالبان تعرب عن سعادتها لرؤية دول من المنطقة فهمت أن الإمارة الإسلامية في أفغانستان هي قوة سياسية وعسكرية معتبرة ووازنة”.

وأضاف أن “اقتراح الاجتماع الثلاثي في موسكو لشطب أسماء قيادات من الإمارة الإسلامية من قوائم العقوبات الأممية يمثل خطوة إيجابية إلى الأمام في إحلال السلام والأمن في أفغانستان”.

في قراءته للتوجه الروسي، ومناورة موسكو بورقة طالبان، يقول كبير محرري مجلة الحرب الطويلة، الباحث الأميركي توماس جوسلين، إن طالبان بطبيعة الحال ليست مهتمة بمزاعم “السلام والأمن”. فهذه الجماعة الجهادية تريد كسب الحرب الأفغانية بينما تستخدم المفاوضات مع القوى الإقليمية والدولية لتحسين موقفها.

وسبق أن تلاعبت طالبان منذ فترة طويلة “بمفاوضات السلام” مع القوى الدولية كذريعة لشطب العقوبات التي تحد من قدرة كبار شخصياتها على السفر وفي نفس الوقت لم تقدم هذه الحركة أي بوادر جدية نحو السلام. ويضيف جوسلين أن إدارة أوباما حاولت مرارا، وفشلت، في فتح الباب أمام السلام.

ففي مايو 2014، نقلت الولايات المتحدة خمس شخصيات بارزة في طالبان من غوانتنامو إلى قطر. وتمت مبادلة هذه الشخصيات مع بو روبرت الجندي الأميركي في قوات حفظ السلام بأفغانستان الذي أسرته طالبان.

وكانت إدارة أوباما تأمل في أن تؤدي عملية التبادل إلى مقدمات للحوار المستمر بعدما تحققت من إجراءات بناء الثقة. لكن قادة طالبان لم يوافقوا على أي من هذه المناقشات. إنهم ببساطة أرادوا رفاقهم، وتحديدا قياديين يشتبه في ارتكابهم أعمالا إرهابية، وهذا ما تحقق لهم من خلال التبادل، إذ تم تحريرهم من غوانتنامو دون حدوث أي تقدم في عملية السلام.

وفي ما يتعلق بالسياسة الروسية الراهنة، يرى جوسلين أن موسكو تمكّن طالبان من الاستمرار في دبلوماسيتها المخادعة، بالادعاء أن تنظيم الدولة الإسلامية هو التهديد الأكثر خطرا.

وبالتالي يجب الانفتاح على طالبان لتوحيد القوى ضد داعش. ويمارس الروس هذه اللعبة منذ أكثر من عام، حيث نشطت تصريحات الدبلوماسيين والإعلاميين في الترويج لهذا التقارب.

وكان من بين أكثر المتحدّثين عن هذا الموضوع زامير كابولوف، الذي يشغل منصب ممثل خاص لفلاديمير بوتين في أفغانستان، حيث نقل عنه في شهر ديسمبر عام 2015 قوله إن “مصلحة طالبان تتطابق بموضوعية مع مصالحنا” عندما يتعلق الأمر بمحاربة الموالين لأبي بكر البغدادي. وذهب كابولوف أبعد من ذلك باعترافه أن روسيا وحركة طالبان لديها “قنوات لتبادل المعلومات”، وفقا لصحيفة واشنطن بوست.

الحجة التي يدفع بها الروس تقوم على أساس أن تنظيم داعش يمثل تهديدا عالميا، بينما طالبان ليست سوى حالة محلية

وفي حوار حديث له، أجري مع وكالة الأناضول التركية، في شهر ديسمبر 2016، بمناسبة الغزو السوفييتي لأفغانستان، قال كابولوف، الذي شغل منصب سكرتير ثان في السفارة السوفييتية بالعاصمة الأفغانية كابول، في الفترة بين 1983 و1987، إن الغزو السوفييتي لأفغانستان كان “قرارا خاطئا”، رافضا في الوقت نفسه تحميل الاتحاد السوفييتي السابق مسؤولية فشل الدولة الأفغانية وظهور التنظيمات المتطرفة بها.

وأضاف الدبلوماسي الروسي المخضرم أن “أفغانستان تتوسط عددا من الدول الكبرى على مستوى العالم، الصين وروسيا والهند، كما تتموقع في مفترق طرق مصادر النفط في آسيا الوسطي، روسيا والخليج العربي وبحر قزوين، وأسواقه الكبرى في الصين والهند وجنوب شرق آسيا”.

وفي ظل ميل أفغانستان إلى موسكو إبان الحرب الباردة، سعت واشنطن إلى امتلاك موطئ قدم لها في إيران المجاورة، من خلال دعم نظام الشاه، لكن اليوم تغيرت المعادلة، وباتت طهران حليفة لموسكو في سوريا، وأضحت طالبان في نظر الروس طرفا يمكن الاعتماد عليه لمحاربة داعش.

وقد ذهب كابولوف، في ذات الحوار، إلى القول إنها أصبحت تميل إلى “المحلية” أكثر من أي وقت مضى، وابتعدت عن “الجهاد العالمي” إلى حد كبير، الأمر الذي يرشح استمرار حضورها القوي على الساحة الأفغانية.

طالبان في مواجهة داعش

خلال مؤتمر صحافي في 2 ديسمبر الماضي، قال الجنرال جون دبليو نيكلسون الابن، قائد دعم الناتو والقوات الأميركية في أفغانستان، إن “التأثير الخارجي السلبي على أفغانستان يأتي من باكستان وروسيا وإيران”. وأضاف أن روسيا، على وجه الخصوص، “قدمت بشكل علني الشرعية لحركة طالبان”. بالإضافة إلى إيران التي تستضيف قيادات طالبان والقاعدة وتمدهم بالمال والسلاح.

ويرى نيكلسون في الطرح الروسي بأن “طالبان هي التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، وليس الحكومة الأفغانية”، أمرا مبالغا فيه، فقد تتصادم طالبان وداعش على النفوذ، لكن لا يرتقي الصراع بينهما إلى مستوى الصراع المصيري.

وبالتالي لا يمكن التعويل على اقتتال ثانوي بين تنظيمين متشددين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.

ويؤكد الجنرال الأميركي أن الشرعية التي توفرها روسيا لطالبان ليست على أساس الواقع الذي تقدمه موسكو، بأن هذه الحركة شريكة في محاربة الإرهاب، لكن على أساس وسيلة لتقويض استقرار الحكومة الأفغانية وجهود حلف شمال الأطلسي ودعم الأطراف المتحاربة.

وليس هناك شك في أن عمليات تنظيم داعش في أفغانستان زادت بشكل ملحوظ في أعقاب إعلان خلافة البغدادي في عام 2014.

ومع ذلك، وكما أشار نيكلسون، لم يستطع رجال البغدادي التقدم أكثر وتوسيع رقعة الأراضي الأفغانية التي يسيطرون عليها في الوقت الراهن، بل على العكس فإن سيطرتهم آخذة في التقلص.

في المقابل، لم تتراجع سيطرة حركة طالبان وهي مستمرة في التقدم في البلاد ولا تزال تمثل أكبر تهديد لمستقبل أفغانستان.

وببساطة، فإن طالبان باتت تشكل خطرا أكبر بكثير داخل أفغانستان من جماعة البغدادي، تنظيم داعش.

ويؤكد الخبير توماس جوسلين أن الروس مستمرون بالتأكيد على قضيتهم، وحجتهم ترتكز على فكرة أن داعش هو القوة “العالمية” التي تهدد الجميع، في حين أن حركة طالبان مجرد “إزعاج محلي” ويمكن التعامل معها.

وفي رده على قول كابولوف إن “طالبان تعلمت من الدروس الماضية وتخلت عن فكرة الجهاد العالمي”، يستشهد جوسلين بشريط فيديو نشرته حركة طالبان، أواخر العام 2016، وفيه تؤكد أن الحرب في أفغانستان هي جزء من الصراع الجهادي العالمي.

وخلال مقاطع الفيديو، تم عرض صورة لأسامة بن لادن مع مؤسس حركة طالبان الملا عمر. وتختلط الصور بتواجد كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة وحركة طالبان معا، في تأكيد على تحالف لا نهاية له بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

ولا ينفي كابولوف أن هناك قسما من طالبان لم يتخلّ عن فكرة الجهاد العالمي. ويعترف أن “شبكة سراج الدين حقاني أكثر راديكالية وأقرب إلى داعش”، فيما يردّ عليه توماس جوسلين بالقول إن حقاني أحد نواب قائد طالبان وزعيم عسكري رئيسي في حركة طالبان.

ويضيف توماس جوسلين أن تنظيم القاعدة لم يعرف منذ فترة طويلة مطبات استراتيجية كالتي واجهت داعش. وقرر التنظيم الجهادي الأم بخبث إخفاء مدى نفوذه والعمليات التي يستطيع فعلها.

وقد وظّف الظواهري ومساعدوه وحشية داعش لتسويق أنفسهم كبديل جهادي أكثر معقولية. وتحاول كل من طالبان والقاعدة بناء المزيد من الدعم الشعبي بينما يركز العالم على الرعب الناتج عن داعش.

تلوح روسيا بورقة طالبان، وهي تنتظر لترى ما هي سياسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في أفغانستان قبل تحديد ما ينبغي فعله؛ حيث قال كابولوف “تصريحات ترامب التي كان يدلي بها قبل انتخابه لا تكفي لتوقع سياساته بعد توليه السلطة”.

في المقابل، هناك شيء واحد يجب على إدارة ترامب القيام به، أولا، عندما يستلم ترامب رسميا الرئاسة الأميركية، حسب جوسلين، هو “التأكيد على أن السياسة الأميركية في أفغانستان لن تتغير، وأن حركة طالبان وتنظيم القاعدة من أعدائنا في هذا البلد وفي كل مكان”.