هل سيرسل ترامب قوات أميركية إلى سورية لسحق “داعش”؟

هل سيرسل ترامب قوات أميركية إلى سورية لسحق “داعش”؟

وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بشكل متكرر بتحقيق انتصار سريع على “داعش”، وسخر منذ وقت طويل من جهد إدارة أوباما ضد المجموعة الإرهابية، ووصفه بأنه ضعيف وفاتر.
من بين كل خطاب حملة ترامب الغامضة والمليئة بالمبالغات، من مضاعفة النمو الاقتصادي إلى إنعاش صناعة الفحم وإلى جعل المكسيك تدفع نفقات بناء جدار حدودي، فإن وعده بسحق “داعش” ربما يكون أكثر الوعود إفراطاً.
يقول ضباط عسكريون حاليون وسابقون إن ترامب يستطيع الوفاء بوعوده بإلحاق الهزيمة “بسرعة” بمجموعة “داعش” إذا قام بإرسال قوات برية أميركية كبيرة، وهو خيار سياسي محفوف بالمخاطر، والذي يمكن أن يغرق الولايات المتحدة في احتلال مخيف آخر مفتوح النهاية في الشرق الأوسط.
ومع أن ترامب أقام حملته على برنامج خفض الالتزامات الأميركية في الخارج، فإن لهذه الفكرة الخاصة بإرسال القوة البرية قوة جذب مدهشة في داخل الإدارة: وقد تبنى مايكل فلين، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، صراحة هذه الفكرة.
وقد اقترح جنرال الجيش الأميركي وضابط الاستخبارات المتقاعد القيام بعمل عسكري أوسع للتعامل مع ما يعتبره تهديداً “وجوديا”، تهديداً يقارنه بالأعداء الذين واجهتهم أميركا في الحرب العالمية الثانية وفي الحرب الباردة.
وكان فلين قد قال لمجلة “دير شبيغل” الألمانية في العام 2015: “تكمن الحقيقة المحزنة في حقيقة أنه يترتب علينا نشر قوات على الأرض. لن نحقق النجاح ضد هذا العدو بالضربات الجوية وحدها”.
بعد أن أجبر على الخروج من رئاسة وكالة استخبارات الدفاع في العام 2014، وقبل أن ينضم إلى فريق ترامب، وضع فلين مسودة خطة تدعو إلى إرسال قوات أميركية إلى داخل مدينة الرقة السورية، آخر معقل إقليمي رئيسي لتنظيم “داعش”، وفق ما قالته مصادر مطلعة على الاقتراح لمجلة “فورين بوليسي”.
وتظل تفصيلات مسودة الاقتراح المذكور غير واضحة. لكن الجنرال المتقاعد اقترح في مقابلة أجرتها مجلة “ديرشبيغل” في العام 2015 احتلالاً متعدد الجنسيات لسورية، والذي يكون مكوناً من قوى تضم الولايات المتحدة وروسيا وقوى أخرى -ويكون مشابهاً لقوة حفظ السلام التي نُشرت في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي.
وقال فلين: “نستطيع تعلم بعض الدروس من البلقان. استراتيجياً، أستشرف تقسيماً لمنطقة الأزم فية الشرق الأوسط إلى قطاعات، بالطريقة التي فعلناها سابقاً مع دول معينة”. وأضاف: “تستطيع الولايات المتحدة أن تتولى قطاعاً، وتسطيع روسيا والأوروبيون أخذ قطاع آخر. يجب أن ينخرط العرب في هذا النوع من العملية العسكرية، ويجب أن يكونوا جزءاً من كل قطاع”.
منذ فوز ترامب غير المتوقع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لم يلمح فلين إلى ما إذا كان يفضل تصعيداً رئيسياً للتواجد العسكري الأميركي في العراق وسورية. كما أن فريق ترامب الانتقالي لم يرد على استفسارات “فورين بوليسي” بهذا الخصوص.
حتى الآن، يظل من غير الواضح ما إذا كان فلين سيستطيع إقناع الرئيس التالي -الذي كان قد خاض حملته على خطاب تضمن تعهداً بأنه لن يكون هناك مزيد من “بناء الدولة”- بأن الحاجة تمس إلى اتخاذ هذا النهج الشجاع والذي ينطوي على مخاطر عالية.
وكان ترامب نفسه قد أرسل إشارات مختلطة حول إرسال قوات إلى ميادين القتال. ففي تموز (يوليو) الماضي، قال أنها ستكون هناك “قوات قليلة جداً على الأرض”. وفي آذار (مارس) الماضي، قال ترامب إنه سيحتاج إلى سماع نصح ضباط عسكريين كبار لتقرير كم عدد القوات المطلوب إرسالها، وقال: “إنني أسمع ارقاماً بين 20.000 و30.000″، لكنه تراجع لاحقاً عن تلك الأرقام، محافظاً على تعهده بإلحاق الهزيمة بمجموعة الدولة الإسلامية “بشكل مؤثر وسريع”.
إذا اختار ترامب إرسال آلاف الجنود الأميركيين، فإنه من المرجح أن يتمتع بدعم بعض أكبر منتقديه في الحزب الجمهوري. وفي أواخر العام 2015، حث السناتوران الجمهوريان، جون مكين، وغراهام ليندسي، اللذان لم يترددا في إعلان الخلاف مع ترامب حول طائفة من القضايا، على إرسال ما يصل إلى 20.000 جندي للعمل كمستشارين عسكريين وللمساعدة في قلب الموازين ضد “داعش”.
من جهة أخرى، يميل القادة والدبلوماسيون الأميركيون إلى التوجس من أي اقتراح يدعو إلى إرسال فرقة أميركية ضخمة للعمل كرأس حربة في معركة برية، لأن ذلك سيتطلب إنشاء قواعد دائمة، مع وجود قوة احتلال أجنبي تتولى تنفيذ مهام شرطية مرة أخرى في مدن وبلدات عربية. ولا يغيب عن البال أن الاحتلال الأميركي للعراق، والذي دام نحو ثماني سنوات، قد أثبت أنه كارثي، وقد صب الوقود على تمرد تسبب في نهاية المطاف بصعود “داعش”. وقد تعهد قادة عسكريون ودبلوماسيون أميركيون بتجنب تكرار تلك الخبرة.
من دون قوة قتالية أميركية ضخمة، سيكون دحر متشددي “داعش” من الأراضي التي كانوا قد استولوا عليها في العام 2014 أمراً صعباً. وقد أسقطت الطائرات الحربية الأميركية نحو 24.000 قنبلة في العراق وسورية في العام 2016، بينما عززت قوات عمليات خاصة أميركية القوات العراقية والمقاتلين الأكراد الذين غالباً ما يفتقرون إلى المعدات والتدريب للتحرك بوتيرة سريعة.
مع ذلك، وعلى الرغم من الحنق بسبب بطء حركة الحملة، فقد خسر “داعش” أكثر من نصف الأراضي التي كانت قد احتلها قبل عامين، في حين يدعي قادة أميركيون بأنهم قتلوا ما يصل إلى 50.000 مقاتل من المجموعة. وتكافح المجموعة لصد هجوم رئيسي بقيادة قوات الجيش العراقي في الموصل، والذي يضيق الخناق على مقاتلي “داعش” بثبات منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ويقول المسؤولون الأميركيون والعراقيون إنها مجرد مسألة وقت -ربما شهراً فقط قبل أن يتم طرد المتشددين من الموصل. ومن شأن ذلك أن يهيء المشهد لمعركة أخرى حاسمة ضد “داعش”، وهي المعركة التي سوف تستهدف طرد المجموعة إلى خارج آخر معقل حضري لها -الرقة في شرقي سورية. وكان الرئيس باراك أوباما قد سار منذ طويل وقت على حبل مشدود فيما يتعلق بدور القوات الأميركية في القتال ضد “داعش” مصراً على أنه لن يتم إرسال أي قوات قتالية أميركية إلى العراق أو سورية. لكنه زاد مرة تلو الأخرى حجم الفرقة العسكرية الأميركية في العراق، واضعاً المستشارين تحت الخطر ومرسلاً وحدات مدفعية لتزويد القتال بقوة النيران. وقد نشر مئات من رجال قوات العمليات الخاصة لتنفيذ غارات ضد “داعش” والتمركز مع القوات الكردية والعراقية الحكومية على خطوط المواجهة.
يوم الأربعاء الماضي، أقر البنتاغون بأن هناك نحو 450 من القوات الأميركية في الموصل وحولها، والذين يرشدون القوات العراقية، وهو ضعف القوات الأميركية البرية المشاركة في القتال الذي ابتدأ في تشرين الأول (أكتوبر) لتحرير المدينة. ويأتي هؤلاء الجنود بالإضافة إلى 300 جندي آخرين كان أوباما قد صادق على نشرهم في سورية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مما رفع عدد أفراد الفرقة الأميركية هناك إلى حوالي 500 رجل كوماندوز. وهناك الآن ما يبلغ إجماليه نحو 6.000 جندي أميركي منتشرون في العراق كمستشارين.
لكن هذا النهج التدريجي أثار الكثير من النقد. وقال ستيف بوتشي، الضابط السابق في القوات الخاصة في الجيش الأميركي: “لو أننا فعلنا ذلك منذ البداية، لوصلنا إلى النقطة التي وصلناها الآن في فترة ستة إلى ثمانية أشهر -وليس عامين”. وأضاف بوتشي الذي يعمل راهناً كزميل غير مقيم في مؤسسة هيريتيج، أن التأخير سمح بانتشار “سوبر فيروس” متطرف.
مع كل خطاب ترامب عن الانتصار السريع، فإن هذا النهج التدريجي بالتحديد هو المرشح لأن يستمر -ما لم يختر اللجوء إلى إجراء جذري يتضمن نشر عشرات الآلاف من القوات البرية.
يقول بيتر منصور، الذي كان نائباً للجنرال ديفيد بترايوس خلال عملية “زيادة عديد القوات” في العراق في العامين 2007-8، وأستاذ التاريخ حالياً في جامعة أوهايو: “لقد تم قطف الثمرة القريبة الدانية”.
كانت إدارة أوباما قد أرسلت مستشارين عسكريين أصلاً. وقال منصور لمجلة “فورين بوليسي”: “زادت الإدارة الضربات الجوية، وجعلت قواعد الاشتباك فضفاضة، ودعمت الأكراد وتعقبت الأصول المالية للدولة الإسلامية. كل هذه الأشياء تعمل. صحيح أنها تعمل ببطء، لكنها تعمل”.
عندما يدخل البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني (يناير) الحالي، سوف يواجه ترامب نفس التحدي الذي لطالما أربك إدارة أوباما -ايجاد شريك على الأرض يستطيع القتال ضد “داعش” وتأمين الأرض والتمسك بها من دون تحييد المواطنين السنة.
تقول جنيفر كافاريلا من معهد دراسة الحرب: “العائق الأساسي منذ بداية الحملة الأميركية ما يزال يكمن في تحديد القوات البرية المناسبة التي تستطيع قتال (داعش) من دون وجود قوات برية أميركية على الأرض”. ولكن، في ضوء الوقت والموارد اللازمين لبناء أرضية ذات مصداقية تستطيع استعادة مدينة، “يبقى من الواضح إذا كان بالإمكان إلحاق الهزيمة بداعش باستراتيجية قائمة على وجود شريك”.
ستكون أي قوات تدخل الرقة في وضع قتال شوارع قاسٍ ومتشابك عن قرب، من النوع الذي انخرط فيه قادة عسكريون عراقيون تدربوا أميركياً في الرمادي والفلوجة -وراهناً في الموصل. وعندما داهمت قوات من البحرية الأميركية، كان قوامها 10000 جندي بقيادة الجنرال جيمس ماتيس -مرشح ترامب الآن لتولي منصب وزير الدفاع- مدينة الفلوجة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2004، فإنها منيت بعدد قتلى بلغ 95 جندياً، بينما جرح 450 جندياً آخرون في أسابيع من القتال الضاري من منزل إلى منزل. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق في العام 2011، استولى مقاتلو “داعش” على تلك المدينة في العام 2014.
تشير كافاريلا أيضاً إلى أن فاتورة المجزرة في شرقي حلب كانت أسوأ من ذلك. وقالت: “لقد منيت القوات ذات القيادة الإيرانية بآلاف الخسائر” في المدينة وحولها.
لكن ترامب يخشى من الشركاء. فقد قال أنه لا يثق بقوات سورية الديمقراطية بشكل رئيسي، والمدعومة من جانب الولايات المتحدة المندفعة نحو الرقة، وثمة القليلون الذين يعتقدون أن هناك ما يكفي من المقاتلين في صفوفها لطرد “داعش” من المدينة. وقال منصور أنه من غير المرجح “أن يعمد ترامب إلى تقويض صداقته حديثة العهد مع فلاديمير بوتين من أجل دعم الثوار الذين لا يثق بهم في شمالي سورية”.
وقد يعني ذلك إسناد أمر الرقة إلى قوات أخرى، مثل الطيران الروسي والمليشيات الإيرانية والقوات السورية، على الرغم من أن ذلك قد يعني على الأرجح وقوع مجزرة مدنية يصعب تحملها. وبدلاً من قوة ثوار صغيرة أميركية التسليح تتحرك نحو المدينة، سيكون من المرجح أن يقوم مقاتلون مدعومون روسياً وإيرانياً بعزل “المدينة وتجويعها، مثل حصارات العصور الوسطى”.
وقد حدث ذلك في حلب. فقد سوت الطائرات الروسية والسورية شرقي حلب بالأرض طيلة العام 2016، وفي كانون الأول (ديسمبر) فقط ركب آخر الثوار والمدنيين حافلات الحكومة متجهين إلى مخيمات.
ربما يكون الأمر الأكثر إقلاقاً لإدارة ترامب هو أن الانتصارات الميدانية على “داعش” ربما لا تكون نهاية اللعبة. وحتى إذا نجحت الولايات المتحدة في سحق المجموعة في معاقلها الحضرية في العراق وسورية، فإنها سوف بوادي نهر الفرات. ويستطيع محاربو “داعش” المخضرمون وأولئك الذين يستلهمون المجموعة دائماً العودة إلى تكتيكات حرب العصابات والتكتيكات الإرهابية.
على مدى أشهر، كان دعائيو المجموعة يدفعون بفكرة مغادرة المعاقل الحضرية والعودة إلى الجذور الصحراوية. وبينما كان “داعش” وأتباعه يفقدون الأرض في العراق وسورية وليبيا ونيجيريا وأفغانستان في العام الماضي، استطاع المتطرفون تنفيذ هجمات عنيفة أو إلهام أناس بتنفيذها، من بغداد إلى بروكسل، ومن جاكرتا إلى فلوريدا.
يقول سيث جونز، المستشار الرفيع السابق لقوات العمليات الخاصة الأميركية والزميل راهناً في مؤسسة راند: “لقد تحقق بعض النجاح في الجانب العسكري، لكنني أعتقد بأن هناك نجاحاً أقل بكثير في التعامل مع المظالم الأكثر خطورة بكثير، والتي وفرت فرصة لداعش للعمل”.
يبقى هذا الموضوع دقيقاً بشكل خاص في العراق، حيث ثمة جيش شيعي في سواده الأعظم يقاتل لتحرير مدينة الموصل السنية تماماً، كما كان قد فعل في الفلوجة والرمادي. ولم تفعل الحكومة ذات القيادة الشيعية في بغداد سوى النزر اليسير للتخفيف من مخاوف السنة المتأثرين سلباً –وهو نفس الواقع الذي دفع بعض السنة إلى الارتماء في أحضان تنظيمي القاعدة و”داعش” في المقام الأول. كما أن قدرة المجموعة على التعافي من الهزائم في ميدان المعركة وإلهام تنفيذ هجمات إرهابية ضد المدنيين تظل تشكل تهديداً حاضراً دائماً، بغض النظر عما يحدث في الموصل أو الرقة.
في هذا الصدد يقول مايكل نايتس، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “لقد هزم داعش مرات عدة. الموضوع ليس ما إذا كنت قادراً على إلحاق الهزيمة بداعش، وإنما إذا كنت ستسمح لداعش بالعودة ثانية في غضون ثلاثة أعوام”.

دان دي لوس

صحيفة الغد