4 أشهر على معركة الموصل: 10 أطباء لمليون شخص

4 أشهر على معركة الموصل: 10 أطباء لمليون شخص

خلت معركة الموصل شهرها الرابع في القتال المتواصل على سبعة محاور مختلفة، في حملة عسكرية أطلقتها بغداد وواشنطن بمشاركة دولية واسعة من قوات التحالف وبقوة قوامها 71 ألف جندي وعنصراً نظامياً وغير نظامي مع سلاح جو أربع دول هي الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وبريطانيا فضلاً عن العراق، بهدف انتزاع المدينة من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
وما زال أمام تلك القوات وقتٌ طويل للإعلان عن استعادة السيطرة الكاملة على المدينة، على الرغم من التقدّم الواضح فيها على حساب “داعش”، إلا أن الأخير ما زال يسيطر على نحو 60 في المائة منها، ممثلة بالساحل الجنوبي بشكل كامل، ونحو 25 في المائة من الساحل الشرقي، مع استمرار المعارك التي أوقعت حتى الآن نحو عشرة آلاف قتيل وجريح من المدنيين، في حصيلة تفوق ما خسرته القوات المهاجمة أو تنظيم “داعش”. وباتت معركة الموصل هي الأطول والأكثر كلفة منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى الآن، إلا أنها قد لا تكون الأخيرة.

معركة طويلة

على الرغم من إعلان القوات العراقية عبر خلية الإعلام الحربي أنها باتت تسيطر على نحو ثلثي الساحل الأيسر، إلا أن تنظيم “داعش” ما زال يحتفظ بأهم الأحياء السكنية في هذا الجزء من المدينة، منها منطقة القصور الرئاسية وجامعة الموصل والمجمّع الحكومي، فضلاً عن المدينة الآشورية الأثرية ومرقد النبي يونس إضافة إلى أحياء العربي والفيصلية والدركزلية. إلا أن الهجوم المستمر من قِبل القوات العراقية المشتركة والطيران الكثيف يرجح نجاح خطة قضم الأرض التي أعدتها واشنطن بالشراكة مع بغداد لاستعادة الموصل، كما يشرح ضابط رفيع في وزارة الدفاع العراقية، موضحاً في حديث لـ”العربي الجديد” أن “عامل الوقت غير مهم ما دام هناك تقدم ولو بنسبة 100 متر في اليوم”، مشيراً إلى أن “المتبقي من الساحل الأيسر ما بين 20 و25 في المائة لكن هذا لا يعني انتهاء معركة الساحل الأيسر فنحن نحتاج ما بين 15 إلى 20 يوماً للسيطرة عليها، فالجيوب المسلحة تبقى تهاجم”.
من جهته، قال قائد الحملة العسكرية العراقية لتحرير الموصل، الفريق أول الركن عبد الأمير رشيد يار الله، إن التقدّم الذي تحقق أمس الخميس من خلال استعادة السيطرة على حيين سكنيين، يدفع للتفاؤل بقرب التقاء المحاور عند دجلة جميعاً، في إشارة إلى محاور الهجوم الثلاثة من الساحل الشرقي للموصل. وأضاف يار الله، لـ”العربي الجديد”، أن “عدد مقاتلي التنظيم في تناقص مستمر”، لافتاً إلى أنه من المبكر الحديث عن نهاية المعركة حالياً.
ومن المتوقع أن تواجه القوات العراقية مقاومة أكبر من عناصر “داعش”، خصوصاً عند وصولها إلى مشارف الأحياء القريبة من ضفة نهر دجلة، لأنه لم يعد بإمكان “داعش” إلا القتال حتى الموت بعد أن قامت طائرات التحالف الدولي بتدمير كل الجسور التي تربط مناطق شرق الموصل بغربها.

لا تقدّم بلا الطيران الأميركي
واعترف العقيد إسماعيل الشمري، أن التقدّم الحاصل في المعركة يعود إلى الطيران الأميركي بشكل خاص والغربي من دول التحالف الأخرى. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “بعد ثلاثة أشهر يمكن القول إن الطيران الأميركي يمهد لنا المناطق بالقصف لدخولها، وبعضها دخلناها بلا قتال فقد كانت عمليات القصف شاملة”، موضحاً أن “ذلك ما لا يمكن إنكاره حتى من قِبل رئيس الوزراء”.
بينما قال ضابط رفيع في قيادة عمليات نينوى لـ”العربي الجديد”، إن المعارك تجري منذ فجر أمس الخميس في أحياء الصديق والحدباء والبلديات والمثنى من المحورين الشرقي والشمالي الشرقي، وفي حيي المالية والفرقان في المحور الجنوبي الشرقي، في محاولة من قِبل قوات الجيش لفرض سيطرتها المطلقة على تلك المناطق ومنع تكرار الهجمات المباغتة للتنظيم ليلاً، لافتاً إلى أن حرب شوارع تجري في أزقة تلك الأحياء السكنية وطرقاتها الضيقة. وأضاف: “الطيران الأميركي يقصف المناطق المغلقة التابعة لداعش في الجزء الجنوبي والأوسط من الموصل منذ ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء، بينما هناك مروحيات أباتشي أميركية أيضاً تُقدّم الإسناد لوحدات الفرقة الذهبية (قوات النخبة العراقية) في عملية تقدّمها داخل تلك الأحياء”.
من جهته، عزا العقيد فاضل الطائي، من جهاز مكافحة الإرهاب، تعثّر الوصول إلى ضفاف دجلة بعد نحو أسبوع من إعلان القوات العراقية وصولها على مقربة من النهر، إلى انتحاريي “داعش” والقناصة والطرق المفخخة. وأوضح أن “قواتنا في المحور الجنوبي الشرقي تبعد عن دجلة حالياً مسافة بسيطة لا تتجاوز الخمسمائة متر، ونعمل على إنهاك التنظيم بالطيران قبل التقدّم، فيما لا يفصلنا عن دجلة من المحورين الشمالي الشرقي والشرقي أكثر من كيلومترين”. وتوقع أن يكون هناك نحو أسبوعين من القتال قبل إعلان بلوغ دجلة حيث قلب مدينة الموصل للعبور إلى الساحل الجنوبي من المدينة.
أما مساعد قائد جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الفريق عبد الوهاب الساعدي، فأوضح في حديث لـ”العربي الجديد” أن “المعارك تجري بوتيرة متصاعدة لكن مساحة الموصل والتعقيدات السكانية والجغرافية تجعل مهلة استعادتها غير قصيرة”، معلناً أنه “من المتوقع بلوغ مواقع متقدمة قرب نهر دجلة خلال أيام مع توفر الغطاء الجوي المناسب”.
وحول الأحياء المتبقية من الساحل الشرقي للموصل تحت قبضة “داعش”، أكدت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” أن أبرز تلك الأحياء هي الضباط والمالية والنبي يونس والجزائر والنعمانية والمجموعة الثقافية والشرطة وجامعة الموصل والأندلس وبيسان والحي العربي والمهندسين والكفاءات الأولى والثانية والحدباء والبلديات والرشيدية وشريخان وغابات الموصل والفيصلية والدركزلية وسوق الغنم.
وتُعدّ أحياء العربي والجزائر والنعمانية أصعب الأحياء السكنية لاستعادتها بسبب قدمها وتداخل منازلها وأزقتها الضيقة، إلا أن التقدّم المحقق نحو تلك الأحياء يُمثّل بداية لاقتحامها بعد مساعدات عسكرية أميركية وصلت إلى القوات العراقية ومكّنتها من تخطي مشكلة الألغام والفخاخ، من أبرزها أجهزة كشف متطورة.
وتوقّع ضباط في غرفة العمليات المشتركة أن الحسم التام لمعركة الموصل والإعلان عن نهايتها لن يكون قبل شهرين على أقل تقدير. وقال عميد في وزارة الدفاع عقب عودته من الموصل في زيارة لتفقد القطعات هناك لـ”العربي الجديد”، إن “المعركة ستطول وسنكون محظوظين إن تحدثنا عن شهرين، ونراهن على انهيار داعش أو تغيير قراره بالانسحاب من المدينة”. ولفت إلى أن “بنى المدينة التحتية تتآكل وتنهار والمعالم القديمة الآشورية والعباسية والعثمانية وكل ما يتصل بهويتها مهدد بالزوال بفعل الحرب”.

ضحايا بالآلاف

كشفت مصادر داخل الموصل لـ”العربي الجديد” أنه لم يعد هناك سوى 10 أطباء فقط في المدينة، متطوعين لتقديم المساعدة لأكثر من 800 ألف شخص في المناطق التي يسيطر عليها “داعش”. ويوجد نحو 1200 جريح من المدنيين غالبيتهم نساء وأطفال في ثلاث مستشفيات، بينما يتم نقل الآخرين إلى منازل للعلاج بسبب عدم القدرة على استيعاب تلك المستشفيات وامتلاء أسرتها بالجرحى، فيما يتم دفن القتلى المدنيين في مناطق الفيصلية وغابات الموصل ومدينة ألعاب قديمة في الحي العربي فضلاً عن حدائق المنازل. وتؤكد تقارير من داخل الموصل وخارجها ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين إلى أكثر من عشرة آلاف قتيل وجريح، منهم نحو 2500 قتيل، يُشكّل الأطفال والنساء غالبيتهم.
في المقابل، يحرص “داعش” على توفير العلاج السريع لجرحاه، إذ يمتلك أطباء خاصين به، بينما يعاني السكان من انعدام الدواء وحتى الضمادات العادية، ما جعل إحدى المستشفيات تستخدم قطع القماش وورق الخروع في إيقاف الجروح، وهي إحدى الطرق البدائية، بحسب شاهد عيان من داخل الموصل.

أحمد الجميلي وعلي الحسيني

صحيفة العربي الجديد