أشكال متعددة: مصادر التمويل الرئيسية للتنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط

أشكال متعددة: مصادر التمويل الرئيسية للتنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط

3105

أثار تمدد التنظيمات الجهادية في الإقليم، واستمرارها في شن عمليات كبيرة تهدد المنطقة، الكثير من التساؤلات حول مصادر تمويل تلك التنظيمات، خاصةً وأن العديد من المؤشرات تدل على أن تلك التنظيمات تمتلك أموالا طائلة تُمكِّنها من الإنفاق على متطلباتها بشكل جيد، لاسيما فى ظل سيطرة بعض التنظيمات على مناطق جغرافية واسعة، مثل “داعش” و “النصرة”، وما يتطلبه ذلك من موارد لبسط نفوذها على تلك المناطق.

مصادر التمويل الرئيسية للتنظيمات الجهادية في المنطقة:

على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل دول المنطقة والدول الكبرى لمحاصرة التنظيمات الجهادية، والعمل على تجفيف مصادر التمويل المختلفة لها، فإن هذه التنظيمات استطاعت أن تخلق لنفسها مصادر تمويل متعددة تُدرُّ عليها أموالا طائلة، من خلال تلك المصادر التي تتداخل فيها شبكات محلية وإقليمية ودولية، مما مكّنها من إنشاء “اقتصاد متماسك”، وتتمثل أهم مصادر التمويل الرئيسية للتنظيمات الجهادية في الآتي:

– بيع النفط، الذي أصبح يمثل مصدر الدخل الرئيسي لبعض التنظيمات الجهادية، خاصة تنظيم “داعش” الذي يُعَدُّ التنظيم الرائد في بيع النفط، بعد سيطرته على العديد من آبار النفط في سوريا والعراق، مما أصبح يُدر عليه عوائد مالية ضخمة، قدّرتها بعض الاتجاهات بنحو 90 مليون دولار شهريًّا، بحسب تقرير لقناة ABC الأمريكية، على الرغم من انخفاض قيمة بيع النفط، مقارنة بأسعاره الحقيقية، من خلال بيعه إلى تركيا وإيران وحتى النظام السوري ذاته، عبر وسطاء. ويُسيطر “داعش” على مناطق تمركز النفط في شمال وشرق سوريا، وهو ما تقدره تقارير غربية بنحو 60٪ من النفط السوري، فيما تخضع البقية لسيطرة النظام السوري، وبعض فصائل المعارضة كـ”جبهة النصرة”، كما توجد تنظيمات أخرى خارج نطاق منطقة الشام تتربح من بيع النفط وتهريبه عبر الحدود، مثل بعض “التنظيمات القاعدية” في شمال إفريقيا.

– التهريب عبر الحدود، ويتمثل في التجارة غير المشروعة عبر الحدود، والتي تُدرُّ أموالا طائلة لبعض التنظيمات الجهادية، خاصةً في منطقة شمال إفريقيا، والتي يُشرف عليها بشكل مباشر قادة بعض تلك التنظيمات، مثل مختار بلمختار قائد تنظيم “الموقعون بالدماء”، والذي عُرف محليًّا وفي وسائل الإعلام العالمية بـ”مستر مارلبورو”، في إشارة إلى ماركة سجائر مارلبورو الأمريكية التي كان يشتهر بتهريبها عبر الحدود، إلى جانب تهريب السلاح، مما جعله أكبر ممول للتنظيمات الجهادية في شمال إفريقيا نتيجة الأموال الطائلة التي كانت تُدرها عليه تجارة الحدود، كما توجد تنظيمات أخرى في المنطقة تعمل في مجال التهريب عبر الحدود مثل “داعش” و”النصرة”.

– أموال الفدية، والتي تأتي من عمليات الخطف التي تقوم بها التنظيمات الجهادية ضد الأجانب، مما مكَّنها من الحصول على مبالغ مالية طائلة من الدول التي ينتمي إليها المختطفون، وقد أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن مكاسب التنظيمات الإرهابية قد وصلت إلى نحو 120 مليون دولار جراء مدفوعات الفدية في عام 2012 فقط، وقد حصل تنظيمُ “الدولة الإسلامية” منفردًا على حوالي 45 مليون دولار خلال عام 2014 من خلال أعمال الاختطاف، خاصةً من مواطني الدول الأجنبية والغربية، لما يُشكله الرأي العام في تلك الدول من أداة ضغط على الحكومات، مما يضطرها إلى دفع أموال الفدية المطلوبة.

– الغنائم، وتتمثل في ما تستولي عليه التنظيمات الجهادية في أعقاب المواجهات من مؤسسات عامة وبنوك ومتاحف وما بها من أموال ومقتنيات ثمينة في أعقاب سيطرتها على بعض المدن، إضافةً إلى ما تستولي عليه من معدات عسكرية وحربية في أعقاب انتصارها في بعض المواجهات. كما يدخل أيضًا في نطاق (الغنائم) الموارد الاقتصادية من زراعة المساحات الشاسعة والاستفادة منها، وكذلك من الموارد الطبيعية التي تسيطر عليها كالبحار والأنهار.

– الضرائب والجزية على غير المسلمين؛ حيث يمثل ذلك مصدرًا هامًّا من مصادر التمويل لبعض التنظيمات، خاصةً تنظيم “داعش”. فنظرًا إلى أنه يُسيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق يقطن بها نحو 8 ملايين نسمة؛ يقوم بفرض الضرائب على المسلمين، والجزية على غير المسلمين، إضافةً إلى الضرائب التي يفرضها على الأماكن التي يسيطر عليها، من مراكز تسوق، ومطاعم، ومرافق في هذه المناطق، ويدخل في هذا المصدر الأموال التي يتم مصادرتها من المسلمين وغير المسلمين، سواء كانت أموالا سائلة أم عينية أو ما شابه ذلك.

– بيع الآثار والتجارة غير المشروعة؛ حيث تمكنت بعضُ التنظيمات الجهادية من الحصول على مقتنيات أثرية ضخمة وبيعها بأموال طائلة، مثلما فعل تنظيم “داعش” الذي استولى على آثار قيمة من سوريا والعراق، كما يندرج تحت هذ المصدر الضرائب والمكوس التي تحصل عليها بعض تلك التنظيمات نظير مرور التجارة غير المشروعة عبر مناطق نفوذها، خاصةً في منطقة شمال إفريقيا؛ حيث تحصل تلك التنظيمات على أموال كبيرة من عصابات التهريب مقابل السماح لها بالمرور عبر المناطق التي تُسيطر عليها.

مصادر إنفاق التمويل:

هناك عددٌ من المصارف والجهات التي تنفق فيها التنظيماتُ الجهادية الأموالَ التي تحصل عليها من مصادر التمويل المختلفة، وتختلف أولويةُ الإنفاق بحسب كل تنظيم، ولكن هناك عدد من جهات الإنفاق التي تعد قاسمًا مشتركًا بين كل التنظيمات، وهي كالآتي:

– العمليات المسلحة، التي تحتاج في الغالب إلى نوعيات عالية من الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، إضافةً إلى المؤن والذخائر ووسائل النقل والتخطيط للعمليات، والذي أصبح يكلف مبالغ طائلة، خاصةً في ظل تدريب أعداد ضخمة من المقاتلين لإعدادهم للعمليات، كما أن تلك العمليات تحتاج إلى تكلفة عالية، في ظل العمليات النوعية التي أصبحت هذه التنظيمات تقوم بها.

– نفقات المقاتلين، وتوفير لوازم المعيشة لهم، خاصة أن الكثير من المقاتلين في صفوف تلك التنظيمات تزوجوا وتوطنوا في مناطق نفوذ تلك التنظيمات، وأصبحوا أصحاب أسر ينفقون عليها، لذا تحاول التنظيمات الجهادية تغطية نفقات رجالها بشكل جيد، خاصة أن ذلك النوع من الإنفاق يأتي كإحدى الوسائل الهامة لجذب مقاتلين جدد، وتُشير بعض التقديرات إلى أن الفرد في تلك التنظيمات يحصل في المتوسط على ما بين 500 و600 دولار شهريًّا كراتب له.

– الأعمال الخدمية، مثل الأعمال الخيرية للمواطنين بالمناطق المنكوبة التي تقع تحت سيطرة تلك التنظيمات لكسب تأييد السكان بها، والمزيد من المؤيدين لهم بشكل عام بدول المنطقة، مثل تقديم بعض التنظيمات الجهادية للمساعدات للسكان المحليين كما يحدث في ليبيا، أو محاولة تنظيم “داعش” إنشاء بنية تحتية جيدة للمواطنين في المناطق التي تسيطر عليها. كما يدخل تحت هذا البند أيضًا الإنفاق من أجل السيطرة على الحدود والنطاقات الجغرافية التي يُسيطرون عليها، وكذلك تمويل الآلة الإعلامية وأعمال الدعاية باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

مستقبل مصادر تمويل التنظيمات الجهادية:

في ظل الصراعات السياسية والطائفية المنشرة في المنطقة، والتي أصبحت توفر بيئة خصبة لبقاء وتنامي التنظيمات الجهادية- ستحرص تلك التنظيمات على بقاء مصادر تمويلها المختلفة وتنميتها بشتى الطرق، من أجل تلبية متطلباتها التي تزيد مع مرور الوقت، وسيساعدها في ذلك عدم وجود استراتيجية موحدة بين دول المنطقة من أجل تجفيف منابع التمويل لتلك التنظيمات، خاصةً في ظل حرص بعض الدول على تقديم مصالحها الاقتصادية على المصالح الأمنية للمنطقة، مثل الدول التي تشترى النفط من “داعش”.

وبرغم وجود محاولات لتجفيف منابع التمويل للتنظيمات الجهادية، كان على رأسها مشروع قرار أعدته روسيا وقدمته إلى مجلس الأمن، والذي يهدف إلى تجفيف كل مصادر تمويل تنظيم داعش الإرهابي، سواء كانت نفطية أم تهريبًا للآثار أم فديات، فيما يبدو أنه رسالة موجهة إلى من يخرق القوانين الدولية بهذا الصدد، على رأسهم تركيا. إلا أن الظروف الإقليمية تسير في اتجاه بقاء مصادر التمويل المختلفة للتنظيمات الجهادية، خاصةً أنه ليست هناك أي مؤشرات واقعية تدل على وجود تعاون صادق من القوى الإقليمية لمحاصرة مصادر التمويل، وبالتالي ستظل تلك التنظيمات تمثل خطرًا داهمًا على المنطقة في الفترة المقبلة، بسبب بقاء مقومات الحياة بالنسبة لها، وعلى رأسها مصادر التمويل.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية