تمرد “داعش” الجديد: ما الذي سيفعله الجهاديون بعد فقدان الأرض؟

تمرد “داعش” الجديد: ما الذي سيفعله الجهاديون بعد فقدان الأرض؟

في أواخر العام الماضي، أصدرت مخابرات الجيش العراقي تحذيراً أمنياً إلى جنوب منطقة صلاح الدين التي كانت قد استعادتها مؤخراً: فقد هددت جماعة متمردة تابعة لتنظيم “داعش” بقتل الحجاج الشيعة الذين كانوا في طريقهم إلى المشاعر المقدسة في سامراء. وعلى الرغم من أن الجيش العراقي حقق تقدماً ملحوظاً باستعادته السيطرة على الأنبار وشمال ديالى، وصلاح الدين، فقد كانت هذه الأخبار مقلقة. وقد استدعت إلى الذاكرة -أكثر من أي شيء آخر- ذلك النوع من النشاط المسلح الذي كان قد عصف بالعراق في السنوات ما بين 2004-2008، كما أثارت السؤال: هل تستطيع بغداد إنهاء الحرب فعلاً؟
مهما يكن ما قد تأمله قوات الأمن، فإن أعضاء “داعش” بعد الهزيمة لن يتخلوا ببساطة عن قضيتهم أو يقوموا بتبديل ولائهم؛ وإنما يغلب أنهم سيقومون بمجرد تغيير تكتيكاتهم. فتماماً كما اجتمع أعضاء “داعش” ذات مرة معاً قادمين من جماعات متباينة، مثل “أنصار الإسلام”، و”أنصار السنة”، و”تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، و”الدولة الإسلامية في العراق”، فإنهم سيعودون الآن إلى الأمن الذي يتيحه العمل في وحدات التمرد الصغيرة. وعلى الرغم من أن أعلام هذه الجماعات تتغير بانتظام، فإن الناس الذين يحملونها يظلون هم أنفسهم.
أحد الأمثلة على ذلك هو خلية تمرد “داعش” التي تعمل في منطقة الأهوار بالقرب من بحيرة حمرين. وكان “داعش” يسيطر ذات مرة على هذه الأرض بجانب المستنقعات، لكنها تحررت في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2014. والآن، تتحكم القوات الكردية والميليشيات الشيعية في أحد جوانب المنطقة، والآخر تحكمه الحكومة الاتحادية العراقية. ويجعل هذا التقسيم للعمل من الأهوار أرضاً مثالية لأعضاء “داعش” السابقين لشن حملات التمرد في كلا الجانبين. وفي الآونة الأخيرة، تمكن هؤلاء المتمردون حتى من تدمير أبراج الكهرباء التي تغذي العديد من القرى في المنطقة.
يفترض أن تكون هذه المجموعة التمردة التي قوامها 100 مقاتل تحت قيادة رجل شرطة محلي سابق، يبلغ من العمر 39، ويدعى أحمد حسن عبد. وقد انضم عبد أول مرة إلى تنظيم القاعدة في منطقة إقامته، ثم غادرها للقتال في أماكن أخرى. ثم ظهر في وقت لاحق مع عدد صغير من المقاتلين المحليين في شريط فيديو يعرض مقاتلي “داعش” وهم يستولون على الموصل. والآن بعد أن أصبح “داعش” يفقد الأرض، عاد عبد ليدير تمرداً يشبه تنظيم القاعدة في تكتيكاته، لكنه يعمل تحت راية “داعش”.
وثمة متمرد آخر، أبو أنس، البالغ من العمر 38 عاماً، والذي كان يعمل سائقاً لشاحنة تحمل مواد البقالة في شمال ديالى، والذي لديه سيرة شخصية مماثلة. ومع أنه لم يكن متديناً بشكل خاص، فقد انضم إلى تنظيم القاعدة في العام 2008. وعندما جاء “داعش” بعد ذلك، انضم إليه على الفور ونقل عائلته إلى الموصل. وفي مرحلة ما، عاد وأصبح يشارك الآن مع خلية “داعش” في حمرين.
يتمتع الرجال من هذا النوع بفعالية كبيرة؛ ليس لأنهم من ذوي الخبرة في أعمال الحرب غير التقليدية فقط، وإنما لأنهم على دراية بالأراضي التي يعملون فيها ولأنهم مخلصون لقضيتهم. ولكن هذا يأتي من باب الضرورة أكثر ما يأتي من باب الاختيار. إن أسماء هؤلاء الرجال ووجوههم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيمي القاعدة و”داعش”، وهو ما يعني أنها ليست لديهم خيارات أخرى كثيرة غير الاستمرار في القتال. ويجعل ظهورهم العلني الواضح خلال الحرب من المستحيل عليهم الانشقاق أو الاختفاء؛ وإذا ما ألقت السلطات العراقية القبض عليهم، فإنهم سوف يقضون أحكاماً بالسجن لفترات طويلة أو يواجهون الموت. وعند هذه النقطة، سيكون حتى تنفيذ مهمة انتحارية أفضل من الاستسلام. وقد أبلغ تنظيم “داعش” نفسه عن تزايد في أعداد هذه العمليات في الفترة الأخيرة.
العديد من السكان المحليين لا يتحدثون مع أحد متحالف مع بغداد
بالإضافة إلى المسلحين المتشددين، تعتمد خلايا تمرد “داعش” على السكان المدنيين في الأماكن القريبة، والذين يصطف الكثيرون منهم إلى جانب المقاتلين إلى حد كبير. ويجعل هذا الواقع، بالإضافة إلى الحجم الصغير ومرونة التنقل التي تتمتع بها الجماعات المتمردة، واتساع رقعة الأراضي، كل ذلك يجعل من الصعب على قوات الأمن تحديد مكان وجود المسلحين. وفي المقابل، كان على هذه القوات الاعتماد على المخابرات المدنية. ولكن العديد من السكان المحليين لا يتحدثون -على الأقل إلى أي أحد متحالف مع بغداد. وعلى الرغم من أن الأسلحة والذخيرة ما تزال تأتي من المناطق التي يسيطر عليها “داعش” في الموصل والحويجة، فإن السكان المدنيين المحليين يوفرون لمقاتلي التنظيم الكثير من المواد الغذائية والمعلومات وعدم الكشف عن الهوية.
ولا يقوم هذا الدعم من المدنيين على أساس الخوف فقط. ووفقاً لمسح أجري بالقرب من منطقة حمرين في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2016، بعد أن قامت القوات الكردية بتحريرها، اعترف عدد كبير من الناس صراحة بأن بعض جوانب الحياة كانت في الواقع أفضل تحت حكم “داعش” مما كانت عليه قبل ذلك. وعلى وجه الخصوص، أعطى الناس درجات عالية للأمن الذي وفره “داعش” ونظام المحاكم الذي اعتمده. ولا يبدو أن هؤلاء الناس، حتى أولئك الذين لا يدعمون التمرد بنشاط، سيعارضون فعلياً استيلاء طرف آخر على مناطقهم أيضاً، سواء كان ذلك “داعش” أو أي منظمة مماثلة.
في مثل هذه الظروف، يمكن أن يذهب التمرد قرب حمرين والتمردات الشبيهة الأخرى في طريق أو طريقين. من ناحية، يمكن أن تصبح هذه التمردات أقل نشاطاً مع مرور الوقت. فبينما تسقط الموصل والحويجة، لن يفقد المتمردون المصدر الرئيسي للأسلحة والذخيرة فحسب، وإنما سيفقدون الروح المعنوية أيضاً. ويزيد الأمور تعقيداً أن المدنيين الذين تعتمد عليهم المجموعة هم في أوضاع سيئة للغاية أنفسهم. وقد تركهم النزوح المتكرر مع طعام بالكاد يكفيهم لإعالة أنفسهم، ناهيك عن إطعام عصابة من المقاتلين. ويعتقد شيرزاد باوه نوري، الذي قاد حركة التمرد الكردية ضد الرئيس العراقي صدام حسين في نفس المنطقة، بأن “خلايا “داعش” النائمة سوف تتضاءل مع مرور الوقت، ليس فقط من حيث قدرتها على إدارة التمرد، وإنما أيضاً من حيث رغبتها في القيام بذلك”.
على الجانب الآخر، بين أعضاء “داعش” المنتشرة في جميع أنحاء البلاد والفقر المستشري بين السكان العرب السنة، سوف تستمر أعداد الجماعة المتمردة في الارتفاع، وكذلك قوتها. ووفقاً لقائد سابق في جماعة “أنصار السنة” التي على صلة بتنظيم القاعدة، والتي كانت تعمل في منطقة بحيرة حمرين في الفترة ما بين العامين 2004-2007، وأصبحت فيما بعد جزءا من تنظيم “داعش” في العراق، فإن “هناك الكثير من الناس من ذوي الخبرة الآن في الموصل، والذين سيحاولون العودة لمواصلة عملياتهم هناك مرة أخرى. ومع مرور الوقت، سوف تزداد الرغبة في الانضمام إليهم بين الشباب المحلي”.
أياً يكن ما سيحدث، فإن باوه نوري وقائد جماعة “أنصار السنة” يتفقان على شيء واحد: إن الكرة الآن في ملعب الحكومة العراقية، خاصة في علاقاتها مع السكان المحليين السنة. ومن المؤكد أن يتم استغلال أي ثغرات في الأمن أو المصالحة من قبل الناجين من أعضاء “داعش”، الذين يقفون على استعداد وينتظرون الاستفادة من المظالم الطائفية والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها السكان المحليون. وسوف تكون المشاكل الاقتصادية في العراق صعبة على الحل بسبب أزمة النفط الحالية، ولكن المجتمع الدولي يمكن أن يساعد من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والمساعدة الإنمائية. وفي غضون ذلك، سيعود الأمر تماماً إلى السلطات المحلية وبغداد لمعالجة المظالم الطائفية التي تقوم بتأجيج الصراع. وفي هذا الصدد، ثمة القليل من المتسع للتفاؤل.

فيرا ميرونوفا ومحمد حسين

صحيفة الغد