مشاهدات من “مستودع” اللاجئين في بلغراد

مشاهدات من “مستودع” اللاجئين في بلغراد

المستودع المهجور في محطة القطارات، الذي صار مليئا باللاجئين، وسط العاصمة الصربية بلغراد تحوّل منذ أشهر إلى موضوع الساعة في صربيا. لكن في الأيام الأخيرة حين نزلت كميات كبيرة من الثلوج في بلغراد وهوت الحرارة إلى 15 درجة تحت الصفر، تجمهر صحفيون أجانب كثر حول المكان. ويتردد في وسائل إعلام صربية أنه بفضل اهتمام الصحفيين الأجانب بالمبنى وسكانه بدأت حافلات تأتي لنقل قسم من اللاجئين للإقامة في أماكن أفضل. ويُقال إن الدولة الصربية تريد توفير صور جميلة عن الوضع لعدسات الكاميرات.

وتفيد المعلومات الواردة من بلغراد بأن 48 من القصّر تم نقلهم في بداية الأسبوع إلى مركز لجوء بالقرب من بلغراد بسبب ضيق المكان. كما يُنتظر تحويل ثكنة عسكرية تبعد ثلاثين كيلومترا عن بلغراد إلى ملجأ. ويقال بصفة غير رسمية إن بناية المستودع القديم خلف محطة القطار سيتم إخلاؤها. وأعرب متحدث باسم مفوضية اللاجئين عن أمله في أن يغادر المهاجرون المستودع “عن طيب خاطر عند توفير سكن لهم قرب بلغراد”.

“فجأة تسمع جلبة أمام مبنى المستودع، حيث تجمع الناس حول رجل نحيف يبكي. يقول الرجل المدعو لوكاس زيغفريد “لم أقدر على التحكم في دموعي عندما رأيت هذه الظروف”. ويضيف وهو يؤشر بإصبعه على مبنى المستودع “هذا أعادني إلى صور القرن الـ19. إنها ظروف لا يمكن أن نسمح بها في وسط أوروبا”.”

فالدولة لا يمكن تحميلها مسؤولية الوضع البائس في محيط محطة القطار. وهناك أماكن كافية على مستوى البلاد، إذ يجب فقط التوجه إليها. وتدعي جهات رسمية أن المساعدين المتطوعين هم الذين يتحملون بالأساس المسؤولية في ذلك، لأنهم يشجعون اللاجئين على البقاء في الشارع.

لم يبق سوى عدد محدود من المساعدين بعدما أوصت الحكومة المنظمات غير الحكومية بالعدول عن توزيع الأكل والألبسة. أكثر تلك المنظمات احترمت ذلك لأنها لا تريد الدخول في صراع مع السلطات.

“أكل ساخن إيدوميني”
وما زال في عين المكان مجموعة دولية تُسمى “أكل ساخن إيدوميني”، وهو اسم يذكّر بالمخيم الصغير على الحدود اليونانية المقدونية الذي اقترن اسمه طويلا بأزمة اللاجئين. وفي الظهيرة يتم توزيع وجبات أكل ساخنة. المئات من الأشخاص ينتظرون بصبر الحصول على الغذاء المكون من الفاصوليا والعدس وقطعة خبز.

كما بقي رادوس دوروفيتش الذي يدير منظمة غير حكومية باسم “مركز إغاثة اللاجئين” من بلغراد. وهو يقدم بوجه خاص المشورة القانونية للمهاجرين.

يقول دوروفيتش إن “الجهات الرسمية تردد أمام الرأي العام أن هؤلاء الناس يفضلون الهلاك في البرد عوض التوجه إلى مخيمات اللاجئين، وهذا غير صحيح”. ويضيف أن “المخيم في بلغراد ممتلئ عن آخره، واللاجئون يحالون جزئيا على مراكز تبعد بمئات الكيلومترات بشكل غير منظم. كما أن لاجئين سمعوا من مواطنين لهم عن وجود عمليات ترحيل، وبالتالي فهم يخافون”.

وتفيد بعض التقارير الإعلامية بقيام رجال شرطة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي بانتزاع عائلة عراقية من داخل حافلة لإبعادها إلى ما وراء الحدود داخل الغابة البلغارية. هذا حصل رغم أن العائلة العراقية كانت مسجلة وهي في طريقها إلى أحد المراكز جنوب صربيا.

فجأة تسمع جلبة أمام مبنى المستودع، حيث تجمع الناس حول رجل نحيف يبكي. يقول الرجل المدعو لوكاس زيغفريد “لم أقدر على التحكم في دموعي عندما رأيت هذه الظروف”. ويضيف وهو يؤشر بإصبعه على مبنى المستودع “هذا أعادني إلى صور القرن الـ19. إنها ظروف لا يمكن أن نسمح بها في وسط أوروبا”.

تحريك اللامبالين
وتشير سيرة زيغفريد المنحدر من مدينة بازل السويسرية إلى قيامه قبل 11 عاما بتأسيس منظمة خيرية تُعنى بالاندماج المهني للاجئين في سويسرا. ويطالب زيغفريد “بتحريك الذين لا يُبالون والذين يشاهدون هذه المشاهد السيئة عبر التلفزة ولا يحركون ساكنا”.

طلب زيغفريد من اللاجئين المتجمعين حوله في بلغراد تدوين اسمهم وأرقام هواتفهم، وهو يعتزم عرض هذه اللائحة على السلطات السويسرية كي تساهم في تحسين وضع هؤلاء الأشخاص.

ساد جو من التفاؤل داخل إحدى حجرات المستودع حيث يبيت الأفغاني عباس خان في حجرة سمّاها اللاجئون “بيشاور الصغيرة” إلى جانب نحو ألف أفغاني وباكستاني. فهو ما زال يأمل في الانتقال يوما ما إلى فرنسا. لكن مخططاته في هذا المساء ليست كبيرة، فهو يريد الحصول قبل كل شيء على أكل لذيذ، ولذلك فإنه يترقب ما سيقدم له صديقه، الذي بدأ في تقطيع الطماطم والبصل لتحضير الأكل.

المصدر : الجزيرة