هل كان الهجوم الإرهابي في إسطنبول برعاية دولة؟

هل كان الهجوم الإرهابي في إسطنبول برعاية دولة؟

اعتقل المواطن الأوزبكي المتهم بقتل 39 محتفلاً برأس السنة الجديدة في النادي الليلي في إسطنبول في وقت متأخر من يوم الاثنين، وبمعيته ثلاث نساء وكمية ضخمة من المال، وهو مشهد يثير السؤال حول ما إذا كان متطرفو “داعش” التي أعلنت مسئوليتها عن الهجوم الإرهابي قد استأجروه كقاتل محترف. وفي الأثناء، ألمحت الحكومة التركية بطريقة غامضة إلى جهة استخباراتية تابعة لدولة، والتي ربما تكون متواطئة مع القاتل الجماعي.
وكانت الشرطة التركية قد اعتقلت عبد القادر مشاريبوف، (33 عاماً)، في شقة في إسنيورت التي تقع على الجانب الأوروبي من إسطنبول، بعد تعقبه لمدة 16 يوماً. وقال حاكم إسطنبول، فاسيب ساهين، إن مشاريبوف اعترف بمسؤوليته عن الهجوم، وإن بصمات أصابعه تتوافق مع تلك التي وجدت في نادي رينا الليلي الباذخ والمطل على البوسفور. وقال أيضاً إنه كان من الواضح أن مشاريبوف نفذ الهجوم نيابة عن “داعش”.
لكن اعتقاله أثار العديد من التساؤلات، لأنه على عكس متشدد “داعش” النمطي الذي يكون مجهزاً بحزام انتحاري ويفضل أن يموت في الحال على أن يقبض عليه، عثر على مشاريبوف مختبئاً تحت السرير في الشقة.
واعتقل بمعيته أربعة أشخاص، رجل عراقي، وثلاث نساء أفريقيات. وقالت وكالة أخبار أناضوليا شبه الرسمية إن النساء من مصر والصومال والسنغال -وهو أيضاً أمر غير اعتيادي بالنسبة لعملية موجهة من “داعش”، نظراً لأنه معروف عن المهاجم أنه متزوج من امرأة أوزبكية.
كما عثرت الشرطة أيضاً على كمية كبيرة من المال -197.000 دولار- وعلى مسدسين وطائرتين من دون طيار وبطاقات تعريف الهوية للهواتف النقالة. ولا يتناسب حجم السيولة التي عثر عليها بحوزته مع نمط عمليات “داعش” السابقة في تركيا، حيث يبدو المبلغ أكثر مما يلزمه لمغادرة أكبر مدن تركيا.
وحتى لو كانت النساء الثلاث زوجات لمشاريبوف، فإن من غير الاعتيادي أن يختبئ رجل آخر في الشقة نفسها، حسب النموذج الصارم من الإسلام الذي يمارسه “داعش”. وقال ساهين إن مشاريبوف كان إرهابياً جيد التدريب، ويتحدث أربع لغات عرفتها وسائل الأخبار المحلية بأنها الصينية والعربية والتركية والروسية.
وقال ساهين أيضاً إن المهاجم كان قد تدرب في أفغانستان وباكستان. وكان “داعش” يؤسس تواجده من توه هناك في وقت مبكر من العام 2016، وقال ساهين إن مشاريبوف كان قد عبر الحدود إلى تركيا بشكل غير قانوني. وهكذا، يتبين أنه كان قد تدرب إما لدى طالبان أو تنظيم القاعدة الذي لم يغادر البلد بشكل كامل أبداً، على الرغم من تدخل الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11/9 في العام 2001.
وتضيف هذه المعلومات أيضاً إلى احتمال أن “داعش” جنده بواسطة تجمع من “الخلايا النائمة” الآسيوية في داخل تركيا.
وفي الأثناء، لم تشأ السلطات التركية التعليق على ما إذا كان قد تم استئجار مشاريبوف محترف، بما يتناقض مع صورة عضو “داعش” المتعصب دينياً. وقد تم تصوير مشاريبون بينما يقوده رجال الشرطة إلى خارج الشقة، بعين سوداء جراء جرح أصابه فوق حاجبه، وبدم على وجهه وقميصه.
وعرضت شاشة التلفزيون المحلي صور الشقة والملابس مبعثرة فيها، والطعام ما يزال على طاولة المطبخ والصحون في حوض الغسيل. وفيها نسختان من القرآن الكريم؛ واحدة في خزانة والأخرى موضوعة على طاولة.
وقال مسؤول حكومي كبير إن ثمة منظمة استخبارات في بلدٍ آخر لعبت دوراً في الهجوم الذي أسفر عن مقتل 39 شخصاً وجرح 69 آخرين. وكان نعمان كورتولموس، نائب رئيس الوزراء التركي، قد قال يوم الاثنين الماضي “إن العمل المخطط له والمنظم جيداً” لم يكن عمل تنظيم إرهابي فقط، وإنما “أيضاً من عمل تنظيم استخباراتي” مشارك. ولم يذكر بلداً بعينه، بينما قال مسؤولون أتراك إنهم لا يتوافرون على أي تفصيلات.
كانت قد تبقت 75 دقيقة حتى تدخل السنة الجديدة عندما استل مشاريبوف سلاحه وهاجم النادي الليلي “رينا” حسب ما ذُكر، وهو مكان يأتي رواده من كل أرجاء الشرق الأوسط.
وكان الجاني قد وصل إلى مكان قريب من منطقة أورتاكوي مستقلاً سيارة تاكسي، وأخرج بندقية نصف أوتوماتيكية موضوعة في حقيبة في صندوق السيارة، ثم اقترب من النادي الليلي وبدأ بإطلاق النار -أولاً من خارج المدخل ثم في الداخل بعد صعوده إلى الطابق الثاني. وبعد سبع دقائق من إطلاق النار، قام بتغيير ملابسه وترك سلاحه خلفه ثم مضى إلى الشارع وهرب بواسطة سيارة تاكسي أخرى. وذهب أولاً إلى شقة في منطقة زيتينبورنو، حيث اصطحب ابنه البالغ من العمر أربعة أعوام، وهرب في الظلام، وفق تقارير إعلامية محلية.
وكان نحو 2.000 رجل شرطة قد شاركوا في عملية التعقب في اسطنبول وحدها، ساعدتهم قوات أمنية في بلدة كونيا التي كان مشاريبوف يعيش فيها حتى وقت متأخر من العام 2016 في منطقة هاتاي على طول الحدود مع سورية، وفي أزمير، المدينة الكبيرة على ساحل بحر إيجة حيث كان للأوزبكي أقارب، كما ذكرت التقارير. وكان قد انتقل مرات عدة في الأيام الـ16 الأخيرة، ويعتقد بأنه وصل إلى إسنيورت يوم السبت الماضي.
وكانت الشرطة تراقب خمسة مواقع مختلفة عندما بدأت غارة المداهمة. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك لم يحددوا جهاز استخبارات أجنبيا معينا، فإن التلميح الذي يلقى أكثر التأييد يشير إلى أنهم يلمحون إلى المخابرات السورية التي كانت قد تعاونت سابقاً، كما ذكرت مجلة “الديلي بيست”، مع جهاديي “داعش”.
قبل أسبوعين، تفاخر عضو بارز في مجلس البرلمان السوري في الحقيقة بأن المخابرات السورية استطاعت النفاذ إلى كافة المجموعات المتطرفة، وأنها كانت على علم تام بنشاطاتها الإرهابية.
وقال خالد عبود، أمين البرلمان السوري، في مقابلة مع التلفزيون السوري الرسمي: “أنت تسأل أين داعش وجبهة النصرة وكل تلك الفصائل الثورية الجهادية؟” (وكان يشير بذلك إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” باسمها العربي المختصر وإلى جبهة النصرة، التابعة للقاعدة، التي غيرت اسمها منذئذٍ إلى “فتح الشام”).
وتساءل: “إنهم في أطراف دمشق. وإذن، لماذا لم تكن هناك تفجيرات في دمشق؟ ولماذا تحدث هذه التفجيرات في مدن تركية بدلاً من ذلك؟”.
وأضاف: “لقد تسللت المؤسسة الأمنية السورية وأجهزة المخابرات السورية واخترقت عميقاً هذه الشبكات. وتمكنت من السيطرة على بنى رئيسية في داخلها. وتبعاً لذلك، وفق رأيي، فإن ما يحدث في تركيا -لا أحد يستطيع أن يوقفه من دون التعاون مع المؤسسة الأمنية السورية”.
وانتقل عبود إلى قول إن الدولة السورية “واعية بالعناصر المهمة لما يحدث في الأردن وتركيا”، لكنه أضاف أنه كان هناك فرقا بين “المعرفة عن هذه العمايات وبين إدارتها فعلياً”.
وفي الأثناء، لم يكن لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ولا المركز الأميركي لمكافحة الإرهاب، أي تعليق على تصريح عبود.

بوي غوتمان

صحيفة الغد