ماذا تعرف عن “طريق الحرير”؟

ماذا تعرف عن “طريق الحرير”؟

يعرف “طريق الحرير” بأنه طرق برية وبحرية بطول 12 ألف كيلومتر، ربطت آسيا والشرق الأوسط وأوروبا لمئات السنين بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية، تم من خلالها تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل وغيرها، وكذلك تبادل الثقافات والعلوم.

التاريخ
يعتبر مصطلح “طريق الحرير” حديث العهد نسبيا، ففي أواسط القرن التاسع عشر أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن اسم “دي سيدينستراس” (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات.

وينسب الفضل في إقامة طرق الحرير للجنرال زانغ كيان الذي فتح الطريق الأول بين الصين والغرب في القرن الثاني قبل الميلاد، وكان في بعثة دبلوماسية أكثر منها تجارية، فقد أرسل الإمبراطور ودي من سلالة الهان عام ١٣٩ قبل الميلاد زانغ كيان إلى الغرب لعقد تحالفات ضد شعوب غيونغنو، وهم الأعداء التاريخيون للصينيين، لكنهم قبضوا عليه وسجنوه. وأفلح في الهروب بعد ثلاث عشرة سنة وتمكّن من العودة إلى الصين.

وأُعجب الإمبراطور بكثرة التفاصيل التي قدمها الجنرال وبدقة تقاريره، فأرسله في بعثة أخرى لزيارة عدة شعوب مجاورة للصين، وهكذا شقّ زانغ كيان أول الطرق الممتدة من الصين حتى آسيا الوسطى.

وكان طريق الحرير يتألف من مسلك بري وطريق بحري، وقد عمل كلاهما على تسهيل نقل سلع وأفكار جنوب وشرق آسيا إلى أوروبا، من الشاي الصيني إلى اختراعات مثل الورق والبارود والبوصلة، فضلا عن المنتجات الثقافية مثل النصوص البوذية والموسيقى الهندية.

ومثلت تجارة الحرير أحد الدوافع الأولى لإقامة الطرق التجارية عبر آسيا الوسطى، وكانت الصين قد احتكرت إنتاج الحرير، وأبقت على سره نحو ثلاثة آلاف سنة، حتى إنها كانت تعدم كل من يتجرأ على إفشاء سرّ إنتاج الحرير لشخص غريب.

تلاقي الثقافات
وتطوّرت طرق الحرير مع الزمن ومع تبدّل السياقات الجغرافية السياسية عبر التاريخ، كما شكلت التجارة البحرية فرعا آخر اكتسى أهمية بالغة في هذه الشبكة التجارية العالمية، واشتهرت خاصة بنقل التوابل، حتى عرفت أيضاً باسم طرق التوابل، حيث زَوّدت أسواق العالم بالقرفة والبهار والزنجبيل والقرنفل وجوز الطيب القادمة كلها من جزر الملوك في إندونيسيا (المعروفة أيضا باسم جزر التوابل).

وتوسّعت شبكة الطرق في مطلع القرون الوسطى، إذ شقّ بحارة شبه الجزيرة العربية مسالك تجارية جديدة عبر بحر العرب وداخل المحيط الهندي، وتيسّر مع الوقت ركوب البحر لمسافات طويلة بفضل الإنجازات التقنية التي تحققت في علم الملاحة والعلوم الفلكية وتقنيات بناء البواخر مجتمعةً.

ونمت مدن ساحلية مفعمة بالحياة حول الموانئ المحاذية لهذه الطرق التي كانت تستقطب أعداداً غفيرة من الزوار على غرار زنزبار والإسكندرية ومسقط وغوا، وأضحت هذه المدن مراكز غنية لتبادل السلع والأفكار واللغات والمعتقدات مع الأسواق الكبرى وجموع التجار والبحارة الذين كانوا يتبدلون باستمرار.

وقد لعبت طرق الحرير دورا في تلاقي الثقافات والشعوب وتيسير المبادلات بينها، فقد اضطر التجار إلى تعلم لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها، وقام العديد من المسافرين بسلك هذه الطرق للدخول في عملية التبادل الفكري والثقافي التي كانت عامرة في المدن الممتدة على طول هذه الطرق.

وقد ساهم التجار المسلمون الذين سلكوا المسالك المختلفة لطريق الحرير، في التعريف بالإسلام ونشره، وقاموا ببناء مساجد في عدد من القرى والمدن الصينية، وبفضلهم اعتنق صينيون كثر الإسلام.

وتذكر المصادر التاريخية أن “شيان” التي تعد بداية طريق الحرير، كانت أول مدينة يدخلها الإسلام على يد التجار العرب.

ولعب العرب دورا محوريا في تجارة طريق الحرير بالنظر إلى موقعهم الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا.

وشهدت هذه الطرق تبادلاً للمعارف العلمية والفنية والأدبية، فضلا عن الحرف اليدوية والأدوات التقنية، فما لبثت أن ازدهرت اللغات والأديان والثقافات وتمازجت.

ومن أبرز الإنجازات التقنية التي خرجت من طرق الحرير إلى العالم تقنية صناعة الورق وتطوّر الصحافة المطبوعة. كما تتصف أنظمة الري المنتشرة في آسيا الوسطى بخصائص عُممت بفضل المسافرين الذين لم يحملوا معارفهم الثقافية فحسب، وإنما تشرّبوا معارف المجتمعات التي نزلوا فيها أيضاً.

محاولات إحياء
ومع مطلع التسعينيات بدأت محاولات لإنشاء طريق الحرير الجديد من بينها ما عرف بالجسر البري الأوروبي الآسيوي، الذي يصل بين الصين وكزاخستان ومنغوليا وروسيا ويصل إلى ألمانيا بسكك حديدية.

كما أطلقت الصين عام 2013 مبادرة تعرف باسم “إستراتيجية الحزام والطريق” لاقت، بحسب ما صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي لبرنامج “بلا حدود” في حلقة بثت في مايو/أيار 2015، تجاوبا ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط.

وكشف الوزير الصيني في اللقاء ذاته أن المبادرة تتضمن نحو ألف مشروع، منها ربط الدول الأوروآسيوية التي يمر بها الطريق بشبكة من الطرق البرية والحديدية وخطوط الطيران، فضلا عن الأنابيب وشبكات الإنترنت، وهو ما يهيئ الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية.

وضمن هذا السياق، وصل إلى لندن أول قطار بضائع يربط مباشرة الصين بالمملكة المتحدة بداية 2017، بعد رحلة استمرت 18 يوما بلغ طولها 12 ألف كلم.

وترجمت هذه المسافة رغبة الصين في تعزيز علاقاتها التجارية مع غرب أوروبا من خلال إعادة إحياء طريق الحرير الذي كان يؤمن وصول البضائع إلى أوروبا.

الجزيرة