سبحان مغير الاحوال: الرئيس الاسد اصبح “جزءا من الحل” في الازمة السورية حسب احدث فتاوى “الشيخ” دي ميستورا.. فكيف حدث هذا التحول الاستراتيجي؟.. ولماذا جرى اعلانه من فيينا؟ وهل سيشكر الرئيس السوري “الدولة الاسلامية” على هذه “المكرمة” التي لم تقصدها؟

سبحان مغير الاحوال: الرئيس الاسد اصبح “جزءا من الحل” في الازمة السورية حسب احدث فتاوى “الشيخ” دي ميستورا.. فكيف حدث هذا التحول الاستراتيجي؟.. ولماذا جرى اعلانه من فيينا؟ وهل سيشكر الرئيس السوري “الدولة الاسلامية” على هذه “المكرمة” التي لم تقصدها؟

بعد ايام معدودة تدخل الازمة السورية عامها الخامس دون حصول اي تقدم على صعيد الجهود المبذولة دوليا للوصول الى “حل سياسي” او “حسم عسكري”، لكن هناك مؤشرات عديدة تؤكد ان كفة النظام باتت هي الارجح، وان الرياح تسير وفق ما تشتهي سفنه، بعد ان خرج من عنق الزجاجة “تقريبا” في المستقبل المنظور على الاقل.

من تابع التصريحات التي ادلى بها موفد الامم المتحدة الى سورية، ستيفان دي ميستورا اليوم (الجمعة) في ختام لقائه مع وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتس في فيينا وقال فيها “ان الرئيس بشار الاسد يشكل جزءا من الحل في سورية” في اول اعتراف علني بدور السلطات السورية وشرعيتها منذ اندلاع الازمة، يدرك جيدا انها مقدمة وتمهيد، لعودة الرئيس السوري وحكومته الى الحظيرة الدولية، والتخلي ولو مؤقتا، عن مخططات اطاحته.

هذا الموقف الاممي الجديد الذي صدر من النمسا يشكل نقطة تحول رئيسية في الازمة السورية، ويعكس توجها غربيا جديدا وغير مسبوق، خاصة ان وزير الخارجية النمساوي اكده عندما قال صراحة في اللقاء نفسه، “انه في ظل المعركة ضد تنظيم الدولة الاسلامية قد يكون من الضروري القتال الى جانب دمشق، وان كان الاسد لن يصبح يوما صديقا او شريكا”.

من المؤكد ان الرئيس الاسد لا يريد في المقابل ان يكون شريكا، او صديقا، ويكفيه ان لا يكون عدوا في الوقت الراهن بالمقارنة الى ما كان عليه الحال في بداية الازمة عندما كان المسؤولون الغربيون، وعلى رأسهم الرئيس الامريكي باراك اوباما يؤكدون ان ايامه باتت معدودة، ويردد هذه النغمة من بعدهم بدأب غير معهود زعماء في المنطقة على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك، ورهط من الزعماء العرب الاعضاء في منظومة “اصدقاء سورية” (اين هي بالمناسبة؟).

 ***

 المبعوث الدولي دي ميستورا القى بقنبلته هذه في فيينا بعد عودته من زيارة مطولة الى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري لعدة ساعات ولا بد انه قام باطلاعه على متغيرات دولية في هذا الصدد، خاصة في الموقف الامريكي، فنحن لا نعتقد بأنه يمكن ان يقول ما قاله دون تنسيق مسبق مع الادارة الامريكية.

الفضل الكبير في هذا التحول يعود الى “الدولة الاسلامية” وسيطرتها على ثلث العراق ونصف سورية، وصمودها حتى الآن في وجه اكثر من الفي غارة امريكية على مواقعها، بل ونجاحها في الاستيلاء على مساحات واسعة من الاراضي في البلدين، آخرها احياء مهمة من البغدادية التي تقوم فيها خبرات عسكرية امريكية بتدريب وحدات الجيش العراقي و”الصحوات” العشائرية.

لا نعتقد ان الرئيس سيعطي الفضل لاصحابه ويتقدم بالشكر الى السيد ابو بكر البغدادي خليفة “الدولة” وزعيمها على هذه “المكرمة” غير المقصودة، ولكننا لا نستغرب اذا ما كان قد توقعها، وربما خطط لها من خلف ستار على طريقة “لم أأمر بها ولم تسوئني”.

قادة المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري سيشعرون، والدول الداعمة لهم، ان ايام معظمهم باتت معدودة فعلا، خاصة اولئك الذين كانوا يصرون دائما على ضرورة رحيل الرئيس الاسد ونظامه في اي تسوية سياسية للازمة السورية، مثلما حصل في مؤتمر جنيف في نسختيه الاولى “الاصلية” والثانية “المعدلة”.

وكلما ازداد ارتفاع ضجيج قرع طبول الحرب البرية، كلما ازدادت حاجة التحالف الدولي الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها “لاجتثاث” “الدولة الاسلامية” الى السلطات السورية وتعاونها او عدم اعتراضها على هذه الحرب.

 ***

صحيح ان السلطات السورية لا تستطيع التصدي لطائرات التحالف الامريكي التي اخترقت اجواءها، وانتهكت سيادتها، ولم تأخذ اذنها في قصفها لمواقع “الدولة الاسلامية” داخل اراضيها، لانها لا تملك الدفاعات الجوية المتقدمة اولا، ورغبتها في عدم الصدام مع الولايات المتحدة ثانيا، ولانه من مصلحتها قصف هذه “الدولة” المتضخمة والقوية ثالثا، ولكنها قادرة، وبفاعلية، التصدي لاي قوات برية تدخل اراضيها وافشال مهمتها، ولعل في تحذيرات السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري للاردن ودول اخرى من التدخل بريا في سورية دون موافقة حكومته ما يؤكد هذه النظرية.

التنسيق الامريكي مع النظام السوري، بطرق غير مباشرة، في الحرب ضد “الدولة الاسلامية” بات قائما، ودون اعلان، ولم يجانب الرئيس الاسد الحقيقة عندما قال في حديث لشبكة “بي بي سي” ان بلاده تتبلغ المعلومات من اطراف ثالثة عن ضربات الائتلاف في سورية، وسمى العراق على وجه التحديد كأحد القنوات.

الرئيس الاسد يفرك يديه فرحا في قصر المهاجرين وهو يرى كيف تنقلب المعادلة لصالحه تدريجيا مع دخول الازمة عامها الخامس، بينما يلعق خصومه جراح كبريائهم، ويعيشون حالة من الارتباك غير مسبوقة.

عند المبعوث الدولي دي ميستورا الخبر اليقين، وكلمة السر ايضا، وننصح بمتابعة تصريحاته، القديم منها والجديد، لرصد كيفية انقلاب هذه المعادلات الدولية في المنطقة، وسبحان مغير الاحوال!

الم نقل اكثر من مرة اننا نعيش في منطقة يستحيل التنبؤ بتطوراتها؟

عبد الباري عطوان

راي اليوم