صانع الصفقات المسؤول في عالَم خطِر

صانع الصفقات المسؤول في عالَم خطِر

أولئك الذين يسعون إلى استخلاص المعنى من إعلانات دونالد ترامب حول السياسة الخارجية، عادة ما يستقرون على فكرة أنه يخطط لكي يجعل من نفسه صانع الصفقات الرئيس. وتشكل التغريدات القاسية الموجهة إلى الصين، والدعوات الجميلة الموجهة إلى فلاديمير بوتين، والتهديدات بفرض تعرفات محلقة إلى عنان السماء، إلى جانب بناء سور بارتفاع السماء على المكسيك –كل ذلك جزء من التحضير للصفقات الهادئة المنطقية التي ينوي ترامب إجراؤها. وسوف تكون الأكثر إدهاشاً هي “الصفقة النهائية”، كما وصفها ترامب في إحدى المقابلات: صنع سلام إسرائيلي-فلسطيني.
من المريح تأمل هذه النظرية؛ حيث توحي بأن البعض من خطاب ترامب المفرط، الذي بدا وأنه ينذر بحرب مع كوريا الشمالية، وبقطيعة مع بكين حول تايوان، وحل حلف الناتو، ينبغي أن لا تؤخذ على محمل الجد. وهناك مجرد مشكلتين فحسب: أن الصفقات التي كان ترامب يلمح إليها هي غير عقلانية ولا واقعية إلى حد كبير؛ وأن محاولة جعلها تحدث يمكن أن تكون خطيرة وعقيمة أيضاً.
ولنبدأ بمسألة الصين. في تغريداته منذ فوزه بالانتخابات، انتقد ترامب بشدة نظام شي جين بينغ على تخفيض قيمة عملته، “يفرضون ضرائب ثقيلة على منتجاتنا الذاهبة إلى بلدهم”، ويبنون “مجمعاً عسكرياً ضخماً في وسط بحر الصين الجنوبي”، و”يأخذون مقادير هائلة من المال والثروة من الولايات المتحدة في تجارة أحادية الجانب تماماً”، بينما يرفضون “المساعدة في موضوع كوريا الشمالية”. وفي هذه الأثناء، تلقى مكالمة هاتفية من الرئيسة التايوانية واقترح أنه ليس منسجماً مع مبدأ الصين الواحدة الذي كان أساس علاقات الولايات المتحدة مع بكين منذ العام 1972.
من هذا يمكن استنتاج أن ترامب سيعرض في النهاية على بكين التراجع في موضوع تايوان في مقال تنازلات في التجارة، وكوريا الشمالية، وبحر الصين الجنوبي، وربما الثلاثة معاً. يا لها من صفقة! سوى أن الرئيس شي لا نية لديه للتنازل في أي من هذه القضايا، وأن الولايات المتحدة -كما أوضحت إدارة أوباما جيداً- تفتقر إلى وسائل الضغط والنفوذ لإجباره على القيام بذلك.
سوف تتم الإجابة عن أي تعرفات يفرضها ترامب على الصين بسرعة؛ في الحقيقة، يبدو أن بكين قد شرعت في فرض رسوم انتقامية بشكل استباقي. وقد أظهر الرئيس شي نفسه مسبقاً على أنه غير قادر على وقف البناء التراكمي النووي لكوريا الشمالية، بعدم وجود تدابير يمكن أن تؤدي إلى إسقاط النظام. وربما الأكثر أهمية وخطورة، هو أن إحداث تغيير في الحالة الراهنة للعلاقات الأميركية مع تايوان، أو بذل محاولة لمنع الصين من الاستمرار في البناء على الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، يمكن أن تقود إلى مواجهة عسكرية سيكون ترامب سيئ الاستعداد لإدارتها.
وماذا عن روسيا؟ من الغريب (أو ربما لا يكون كذلك)، أن نهج ترامب تجاه موسكو كان على العكس من نهجه تجاه بكين. فبدلاً من التهديدات والاتهامات، تحدث مراراً وتكراراً عن التنازلات، بدءاً باحتمال رفع العقوبات الأميركية. ولكن في مقابل ماذا؟ حتى وقت قريب، بدا أنه ليس لدى ترامب شيء ليقترحه. ثم، في مقابلة مع صحيفة “تايمز أوف لندن” في الأسبوع الماضي، عرض فجأة أن الوضع يمكن أن يكون إجراء تخفيض في الأسلحة النووية، بما “أنني أفكر بأن الأسلحة النووية يجب أن تخفض”.
لا يهم أن ترامب قال قبل شهر واحد فقط أن “على الولايات المتحدة أن تقوي بشكل كبير وأن توسع قدرتها النووية”، وأن بوتين رفض بشكل قاطع المزيد من خفض الأسلحة النووية في العام 2013. المشكلة الحقيقة هي أن ترامب يفتقر إلى القدرة على تقديم ما يريده بوتين حقاً، والذي ليس هو رفع العقوبات الأميركية، وإنما قبول الولايات المتحدة بمنطقة نفوذ روسية في أوراسيا، بدءاً من أوكرانيا.
ربما يكون ترامب منفتحاً جيدا على مثل هذه الصفقة -لكن، وكما أشار بريان وايتمور من راديو أوروبا الحربة مؤخراً، فإن ذلك يشكل استحالة عملية. فبغض النظر عما تتفق عليه واشنطن وموسكو، سوف يقاوم الأوكرانيون والجورجيون، من بين جيران آخرين لروسيا، بقوة أي إعادة تأكيد للهيمنة الروسية. ويقول ويتمور إن أي صفقة كبرى بين بوتين وترامب، سوف تكون مجرد “وصفة للصراع وعدم الاستقرار على عتبة أوروبا”.
تبدو صفقات ترامب المحتملة الأخرى أبعد منالاً. وقد اعترف ضمنياً مسبقاً بأن المكسيك لن تدفع لبناء جدار في أي وقت قريب. أما بالنسبة لفكرة أنه يستطيع مع صهره جاريد كوشنر التوسط في سلام الشرق الأوسط الذي أعجز جون كيري، وكوندوليزا رايس، وبيل كلينتون، وجيمس بيكر ودزينة من الآخرين… فقد قيل ما يكفي.
إذا كان هناك نموذج إيجابي لإبرام الصفقات الترامبي، فإنه ربما يكون الصفقات الزائفة التي أبرمها خلال الفترة الانتقالية، التي أبلغت فيها العديد من الشركات الأميركية أنها كانت تضيف وظائف أميركية وأن ترامب ادعى لنفسه فيها فضلاً مشكوكاً فيه. ويتخيل الدبلوماسيون سيناريوهات تعيد فيها حكومات أوروبية الإعلان عن زيادات في إنفاق الدفاع، والتي تكون قد خططت لها مسبقاً، وحيث يعلن ترامب تجدد حلف شمال الأطلسي؛ أو قد تقبل المكسيك بشكل رائع بتعديل تجميلي لاتفاقية “نافتا”.
لقد ادعى ترامب مسبقاً تحقيق انتصار دبلوماسي مصطنع مع الصين. فبعد أن استولت بكين على طائرة من دون طيار تابعة للبحرية الأميركية وأعادتها بعد ذلك، زعم الناطق باسمه أن تغريدة واحدة من ترامب “أنجزت الأمر”. ولكن، ثمة شيء يمكن أن نأمله: أن تكون الأزمات القادمة كلها مصطنعة وليست حقيقية.

جاكسون ديل

صحيفة الغد