نقل السفارة الأمريكية للقدس.. وتداعياتها على النظام الدولي

نقل السفارة الأمريكية للقدس.. وتداعياتها على النظام الدولي

بعدما أخذ ترامب السلطة في أمريكا فإنه يهدد بتغيير جذري في قوانين اللعبة ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في العالم.

توقع السياسة التي سيتبناها تجاه القضية الفلسطينية هو أمر مهم من أجل إعداد الرد المناسب.

ومن الصعب توقع ترامب، ومواقفه تجاه العديد من القضايا يعد مبهما، حيث لا يعتبر تقليديا أو إيدولوجي ولا يوجد لديه خبرة سياسية سابقة.

وخلال حملته الانتخابية، عبر عن تعاطفه تجاه إسرائيل، ولكن كان هناك استثناء وحيد خلال سعيه لفوز ترشيحات الحزب الجمهوري، حيث أعلن أن سيتبنى موقف حيادي بين الفلسطنيين والإسرائيليين، وأنه سيسعى لإتفاق عادل للجميع.

كنتيجة لذلك، تعرض لحملة شرسة من قبل إسرائيل وحلفائها في أمريكا ومنذ ذلك الحين اتخذ النهج المعاكس، حيث احتضن خطابًا داعمًا لإسرائيل بشدة.

ووعد ترامب بشكل متكرر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقال إن المستوطنات الإسرائيلية لا تشكل عقبة للسلام، وإن المفاوضات بين الجانبين يجب أن تستمر دون أي تدخل خارجي.

علاوة على ذلك، قال إنه يجب على الفلسطنيين محاربة الإرهاب قبل مناقشة اتفاقية السلام. وعارض ترامب أيضًا الحل الذي عرض من مجلس الأمن بشأن المستوطنات وحاول أن يتدخل للضغط على إدارة أوباما لاستخدام حق الفيتو، ولكن رفض البيت الأبيض.

وعين ترامب فريقا يعتبر كل أعضائه تقريبًا لديهم نزعة لإسرائيل، واثنان منهم يعتبرون من الصهاينة ومن ضمنهم زوج ابنته والذي سيستخدمه في جهود السلام. بالطبع، في عشية تنصيبه، أخبر ترامب زوج ابنته “إذا لم تستطع تقديم السلام في الشرق الأوسط، لن يفعل أحد ذلك”.

ورشح أيضًا زميله “ديفيد فريدمان” كسفير لدى إسرائيل، ويعتبر فريدمان داعمًا قويًا للمستوطنات، للحد الذي جعله يتبرع سنويا، ويلعب دور مباشر في التوسيع. ويعتبر فريدمان داعمًا قويًا لنقل السفارة وقرر العيش في القدس عندما يصل لإسرائيل.

تغيير موقع السفارة يمثل تغييرًا في قواعد اللعبة والأسس التي ترتكز على ما يسمى عملية السلام منذ انطلاقه منذ عقود.

وهناك محاولات جارية لتجاوز خطورة ما قد يعنيه ذلك، مثل اقتراح أن السفارة تنتقل لغرب القدس، مدعيًا أنها ستكون عاصمة إسرائيل في أي اجتماع للتسوية النهائية مع موافقة فلسطين. وهذا الادعاء بحجة أن القدس موحدة بالفعل، وأعلنت عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.

وهناك آخر الوسائل المقترحة من الخداع بأن السفارة ستظل باقية في تل أبيب، في الوقت الذي استمر فيه السفير الأمريكي يؤدي واجباته من إحدى القنصليات الثلاث في القدس. وهذا يعتبر نوع من أنواع الحيل، لأن المكان الذي يعمل به السفير هو السفارة وليس المبنى نفسه.

انتهاك القانون الدولي

وسيمثل نقل السفارة اعتداء صارخا على الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى حقوق المسلمين والمسيحين، بالنظر للأهمية الروحية للقدس بالنسبة لكل الأديان. وهو ما سيدمر الاتفاقية الدولية بشأن القدس، وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، وهو ما مرر في 1947، ويؤكد وضع القدس باعتبارها كيانًا منفصلًا.

وستقوض الولاية الأردنية على المقدسات في القدس كما جاء في المادة التاسعة من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عامة 1994. وسيشكل انتهاكا خطيرًا للقانون الدولي وانحرافًا عن السياسة الثابتة للولايات المتحدة منذ اندلاع النزاع.

In this image released by the UN, members of the Security Council vote on December 23, 2016, on a resolution to stop Israeli settlements. The Council on Friday demanded that Israel halt its settlement activities in Palestinian territory, in a resolution adopted after the US refrained from vetoing the measure condemning its closest Middle East ally. In a rare step, the US instead abstained, allowing the measure to pass by a vote of 14 in favor in the 15-member council. / AFP PHOTO / SC Chamber / Manuel ELIAS / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / UN / Manuel ELIAS" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS

وسيمثل انتهاكًا لمجلس الأمن، والذي مرر ستة قرارات على إسرائيل بشأن القدس، وسيمثل انتهاكًا ضد الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية في 2004 بشأن القدس. وستمثل انتهاكًا ضد القرارات العديدة التي صدرت من مجلس الأمن، وأحدثها كان القرار رقم 2334 في ديسمبر 2016.

وسيعني تنازل عن الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية أوسلو في عام 1994، وكذلك الالتزامات السابقة.

الضوء الأخضر لإسرائيل أكبر

إذا نقلت أمريكا السفارة إلى القدس، لن تكون لديها دور الوسيط في مفاوضات محادثات السلام، ومثل هذا التطور يجب أن يحدث في ضوء الأحداث التالية.

على سبيل المثال، مساعدات أمريكا للسلطات الفلسطينية يمكن أن يتم تعليقها، ويمكن أن تحدث محاولات لتغيير أو تعديل قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن دعم حقوق فلسطين.

ويمكن أن يؤدي نقل السفارة إلى اندلاع انتفاضة شعبية، والتي يمكن أن تنتقل حول العالم وتبدء موجه تعاطف ودعم للفلسطنيين.

زيارة إريل شارون لمسجد الأقصى في القدس في عام 2000 أدي للانتفاضة الثانية، وهي انتفاضة استمرت لمدة تزيد عن 4 سنوات، وخلفت العديد من القتلى والتدمير والمعاناة.. نقل السفارة لن يمر دون حالة من الاشتعال أو تداعيات أسوأ.

الزحف المستمر للاحتلال وظهور المتطرفين الإسرائيليين، وسط اتساع الفجوة بين الشعب الفلسطيني وقيادته، يمكن أن يمهد الطريق مرة أخرى لاستراتيجية مقاومة. وهذا يمكن أن يؤدي أيضًا لظهور جماعات مشابهة للقاعدة أو لـ”داعش”.

التحديات في الأفق، كما يتضح من خطوة السفارة، يمكن أن يعزز من الرد العربي والإسلامي والدولي.

وهناك بالفعل جبهة عالمية ضد ترامب، وهي ما تُرى كتمثيل لانقلاب وقوة وثورة على القواعد التي تحكم النظام الدولي. وهناك حاجة للتقدم وفق القواعد الحالية، بدلا من التراجع.

ونقل السفارة لا يمكن أن ينجح بشكل سلمي، خاصة وأنها لن تكون خطوة منفصلة للإدراة الجديدة لترامب، وستسعى إسرائيل لاستغلال رئاسة ترامب لتنفيذ خطتها لإقامة “إسرائيل الكبرى” عن طريق ضم مساحات شاسعة من الأراضي التي بنيت عليها المستوطنات، والمنطقة “سي” وحتى الضفة الغربية بأكملها.

وستترك ما يتبقى من الجزر المقسمة، منفصلة عن بعضها البعض في إطار “الحكم الذاتي” تحت الهيمنة الإسرائيلية، فتغيير مكان السفارة لا يعد فقط اعتداء على الشعب الفلسطيني، ولكنه اعتداء على النظام الدولي بأكمله.

التقرير