رجال القاعدة في إيران‮ .. ‬الملاذ الآمن والتحالف المشبوه

رجال القاعدة في إيران‮ .. ‬الملاذ الآمن والتحالف المشبوه

يستمد هذا الكتاب أهميته من تحليل الوقائع التي تضمنتها وثائق عديدة عن العلاقة بين إيران و”القاعدة‮”‬، والسعي إلى فهم حدود هذه العلاقة وتحولاتها‮.‬
ينطلق الكتاب من اعتقاد في وجود شيء من التلاقي‮  ‬الفكري،‮ ‬والأيديولوجي الجامع بين النظام الأيديولوجي،‮ ‬القائم على ولاية الفقيه،‮ ‬والتمهيد للإمامة عند الشيعة، وبين التنظيم المتطرف،‮ ‬القائم على فكرة استعادة الخلافة،‮ ‬والتمهيد لها عند السنة‮. ‬وتلتقي عند كليهما تصورات الحلفاء،‮ ‬وتصورات الأعداء،  كما يلتقي حكم الولي الأمير،‮ ‬أو الولي الفقيه، ومن يدعيان مقاومته في آن واحد‮. ‬ويوضح كيف كانت ثورة الخميني ملهمة لسائر تنظيمات الإسلام السياسي والجهادي، فإثر قيامها سنة‮ ‬1979،‮ ‬كان توحد تنظيم الجهاد المصري،‮ ‬كما كانت نشأة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على يد فتحي الشقاقي‮.‬
كما يحلل الكتاب مختلف الوثائق التي تثبت هذه العلاقة،‮ ‬ويحاول تفسيرها،‮ ‬واستشراف آفاقها، خاصة مع إعلان‮ “‬داعش‮” ‬نظريا أنه ضد إيران،‮ ‬ووصفه‮ “‬القاعدة‮” ‬بأنها‮ “‬أبناء إيران‮”‬،‮ ‬راصدا أهم هذه المحطات،‮ ‬وأهم رجال القاعدة الذين اتخذوا من إيران ملاذا آمنا لهم،‮ ‬وقاعدة لتخطيط وتنفيذ بعض عملياتهم قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعدها‮.‬
الخبرة الجهادية الشيعية السابقة‮:‬
عنون مؤلف الكتاب الدكتور هاني نسيره، وشريكه فيه الأستاذ محمد الشافعي، الفصل الأول منه بـ‮ “‬رحلة مع الوثائق واليقين‮”‬، حيث مرت هذه الرحلة بمراحل متعددة،  انتقلت فيها من السرية إلى العلن، ومن الظن إلى اليقين، ومن التلميحات إلى الاعترافات، حتى صارت حقيقة يصعب إنكارها‮.‬
وفي مقدمة هذا الفصل،‮ ‬يؤكد المؤلفان حقيقة مهمة، هي الخبرة الجهادية السابقة لدي الجماعات المتطرفة المرتبطة بالنظام الإيراني، والتي أعطت خبرتها فيما بعد للتنظيمات الجهادية الأخرى،‮ ‬سواء فروع القاعدة،‮ ‬أو شبكتها المركزية،  خاصة في مسألة تفجير السفارات،‮ ‬واستهداف المصالح الأمريكية والغربية الأسبق من سواها، منذ تفجير السفارة الأمريكية في بيروت، في أبريل عام‮ ‬1983، وتفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية في أكتوبر عام‮ ‬‭.‬1983
ويوضح الكتاب أن‮  ‬كل علاقة تخضع للتحولات والتغيرات، كما تخضع لقانون التوافق والتكيف، نظرا لسببين رئيسيين‮:‬
1- ‬لاختلاف طبيعة طرفيها، فإيران دولة، بينما القاعدة شبكة وتنظيم‮.‬
2- ‬تتموج العلاقة بسياقاتها ومساراتها، فقد اختلفت في فترة ما قبل أحداث سبتمبر عنها بعدها، كما اختلفت في فترة الجهاد الأفغاني عن فترة حكم طالبان وما بعدها، وكذلك قبل تحرير العراق،‮ ‬وسقوط نظام صدام حسين عما بعد‮ ‬2003،‮ ‬أو بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد سنة‮ ‬2011‭.‬‮ ‬ولكن تبقي ممكناتها وحواملها، من تشابه المنطلقات إلى تشارك العداوات، محتملة،‮ ‬وقائمة قابلة للتوظيف والتنسيق المتبادل‮.‬
‮”‬القاعدة‮” ‬في إيران ووثائق العلاقة‮:‬
يؤكد الكتاب أن أدلة تواترت،‮ ‬ووثائق توالت، حتى اكتملت واتضحت صورة العلاقة بشكل كبير‮.‬ وسنعرض فيما يأتي لرحلة الوثائق، حسب درجة أهميتها، بدءا من إقرار زعيم القاعدة ومؤسسها الراحل بها في وثائق أبوت آباد، وقبلها في وثائق أحداث الحادي عشر من سبتمبر المتعددة، إلى‮ ‬غيرها من الأدلة والوثائق التي تثبت هذه العلاقة بين التنظيم الإرهابي،‮ ‬و”النظام الأكثر دعما للإرهاب،‮ ‬حسب تقارير الخارجية الأمريكية السنوية على مدي العقد الأخير‮”‬، والتي استخلصها المؤلفان من مختلف كتابات القاعدة،‮ ‬وسير زعمائها‮.‬
وحسب الكتاب، كان خروج وثائق أبوت آباد التي تكشف عن موقف زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن،‮ ‬المؤكد والموصي باستثناء إيران من أي عمليات إرهابية، على ثلاث مراحل متتالية،‮ ‬بعد اغتياله في مايو سنة‮ ‬2011،‮ ‬يعرضها الكتاب تفصيلا،‮ ‬ويحلل مضامينها‮.‬
ثم دلل الكتاب على التعاون الإيراني مع القاعدة في عمليات الحادي عشر من سبتمبر، وفق وثائق هذا الحدث العالمي المهم، ووفق شهادة قادة القاعدة أنفسهم، وكيف كانت ملاذا آمنا لهم بعد ذلك‮.‬
عرف المؤلفان الوثائق،‮ ‬ثم حللا نتائجها التي برهنت على التحالف بين التنظيم الإرهابي،‮ ‬والنظام الإيراني في استهداف أعدائهما البعيدين والقريبين، وكيف كان بن لادن يميز حكام إيران،‮ ‬ولا يكفرهم،‮ ‬ويراهم أفضل من سائر حكام البلاد السنية والمسلمة‮.‬
كما‮ ‬يحللان ما يعرف بـ‮ “‬وثائق‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮ ” ‬التي استندت إليها محكمة أمريكية فيدرالية في نيويورك في مارس‮ ‬2016،‮ ‬في قرارها بإدانة إيران،‮ ‬وتغريمها‮ ‬1‭.‬5‮ ‬مليار دولار لعلاقاتها بهجمات‮ ‬‭.‬2011
ومما ذكره الكتاب أن القاضي المعني بالقضية وجه اتهامات لستة من كبار المسئولين فيها، ومن مؤسساتها العليا بالمقاضاة والتغريم‮.‬
كما حلل المؤلفان‮ ‬غيرها من الوثائق والسير،‮ ‬وشهادات المدانين في الأحداث ليثبت هذه العلاقة‮.‬
صناعة الزرقاوي ورجال‮ “‬القاعدة‮” ‬في إيران‮:‬
وفي الفصل الثاني من الكتاب،‮ ‬والمعنون‮ “‬رجال القاعدة في إيران‮: ‬التحالف المشبوه والدور الخطير‮”‬،‮ ‬يفسر المؤلفان صعود‮ “‬القاعدة‮”‬،‮ ‬رغم ردود الفعل العنيفة بعد قيامها،‮ ‬وإقرارها بأحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر، وكيف قامت إيران بدور الدافع والحاضن لهذا الصعود‮ ‬غير المتوقع‮.‬ حيث مد التنظيم فروعه في عدد من دول المنطقة، من السعودية عام‮ ‬2003،‮ ‬إلى العراق في أغسطس‮ ‬2004،‮  ‬ثم أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال المغربية،‮ ‬في‮ ‬يناير‮ ‬2007،‮ ‬مبايعته له،‮ ‬وتحول اسمها إلى‮ “‬القاعدة في المغرب العربي‮”‬، كما بايعته مجموعات وتنظيمات جهادية أخري في مختلف أنحاء العالم‮.‬
تمثل الدور الإيراني في توفير الملاذ الآمن لقيادات التنظيم وأسرهم، لتنفيذ عمليات استنزافية جديدة، وإدارة عملياتها في مختلف أنحاء العالم والمنطقة، التي ظلت إيران استثناء منها،‮ ‬كما يقول الكتاب‮.‬
وتأكيدا على هذا الدور،‮ ‬يشرح الكتاب كيفية وفود قيادات‮ “‬القاعدة‮” ‬إلى إيران في رحلات خمس، ضمت قيادييهم،‮ ‬والكثير من أسرهم‮.‬ ثم يقدم ترجمات لخمسة وعشرين قياديا من قيادات القاعدة،‮ ‬أقاموا في إيران فترات مستقرة‮ ‬غير متقطعة، وأهم ما قدموه للحركات الإرهابية في العالم من مقرهم بها‮.‬
ويوضح المؤلفان كيف تم صنع الزرقاوي الذي نضجت تجربته في إيران،‮ ‬ودخل عبرها للعراق، وكذلك سيف العدل، ورمزي آل شيبة، وياسين السوري، وأبو حمزة المصري،‮ ‬وغيرهم من قادة‮ “‬القاعدة‮”‬،‮ ‬ومسئولي العمليات فيها‮.‬
ويوضح الكتاب أيضا كيف كان ملاذ‮ “‬رجال القاعدة في إيران‮” ‬ورقة ضغط على العالم والمنطقة بهدف القبول بدور إيراني،‮ ‬وحل مشكلاتها المعلقة مع الدول الكبري،‮ ‬والذي أسهم في حل أزمة ملفها النووي، وكذلك استثناؤها دون بقية العالم والمنطقة من عمليات‮ “‬القاعدة‮” ‬الإرهابية‮.‬
ويحتوي الكتاب على الكثير من التحليل،‮ ‬كما يحتوي على الكثير من المعلومات التي تكشف التشابه بين نسقين جهاديين متطابقين في المنطلقات،‮ ‬والغايات،‮ ‬والرؤي، رغم اختلافهما المذهبي الذي يلح الكتاب على أنه يظل تاريخيا لا يعمل حين تلتقي المصالح والغايات في الواقع‮.‬
عرض: إيناس محمد الشريدي
مجلة السياسة الدولية