الإرهاب الاقتصادي.. سلاح الحوثيين ضد المؤسسات اليمنية

الإرهاب الاقتصادي.. سلاح الحوثيين ضد المؤسسات اليمنية

بعد اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء بفترة وجيزة وسيطرتهم على مؤسسات الدولة تناقل اليمنيون صورا صادمة لامرأة يمنية قامت بإشعال النار في حجابها جراء إيقاف الميليشيات الحوثية لمصدر رزقها الوحيد الذي كانت تعيل به عائلتها.

وأمام بوابة مجلس الوزراء تجمهر مواطنون لمشاهدة الأم المقهورة التي عبرت عن احتجاجها بطريقة باتت تقليدية عقب ثورات ما سمي بالربيع العربي، ورغم تعاطف الكثير مع معاناتها إلا أنهم لم يجرؤوا على التصريح بذلك وفضلوا التزام الصمت، في ظل انتشار المسلحين التابعين لميليشيات الحوثيين الذين سارعوا إلى دفع المرأة لمغادرة المكان.

ولفت ناشطون خلال تعليقهم على الحادثة التي هزت المجتمع اليمني، إلى أن الحوثيين لم يستجيبوا لمطالب المرأة وهي أم لطفلين وتعاني من المرض كما رفضوا صرف راتبها الشهري الذي يبدو أن أحد القادة الفاسدين الذين عينهم الانقلابيون في مختلف مفاصل الدولة قد استحوذ عليه.

وبعد عامين تقريبا على هذا المشهد المؤلم تجمهر الكثير من اليمنيين مرة أخرى ولكن هذه المرة لاستلام مرتباتهم عبر إحدى شركات الصرافة التي قررت الحكومة اليمنية الشرعية تسليم أجور موظفي الدولة من خلالها، بعيدا عن سطوة الانقلابيين الذين تسببوا في تفاقم أوجاعهم وتردي أوضاعهم المعيشية بتسببهم في إفلاس البنك المركزي بصنعاء وصولا إلى عجزهم الفاضح -جراء ممارسات واسعة للفساد-عن دفع الأجور لأكثر من مليون ونصف المليون موظف في القطاع العام ولمدة تقارب الخمسة أشهر، الأمر الذي خلف حالة سخط واسعة وتفاقما غير مسبوق في تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لدى عامة اليمنيين.

الإرهاب الاقتصادي

بحسب تقرير لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بلغ متوسط الارتفاع في أسعار السلع الأساسية (التضخم) 22 بالمئة خلال العام الماضي 2016 في حين تراوحت نسبته 30 بالمئة خلال العام 2015، مرد ذلك هو عدم قدرة جماعة الحوثي على دفع مرتبات موظفي الدولة من المدنيين والعسكريين للربع الأخير من العام المنقضي، إضافة إلى قيامهم باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ما تسبب في ارتفاع أعداد المواطنين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية لتصل إلى 82 بالمئة من سكان اليمن.

وجسد قيام الحكومة الشرعية بدفع رواتب موظفي القطاع العام في جميع مناطق اليمن بما فيها المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الانقلابيين، انتصارا جديدا على الصعيدين الأخلاقي والسياسي، وتعبيرا واضحا عن مدى التزام الدولة بمسؤولياتها، الأمر الذي يضع حدا فاصلا بين مفهومي الدولة والميليشيا اللذين التبسا على عموم اليمنيين خلال الفترة المنقضية.

وشرع الحوثيون في استخدام سلاح الإرهاب الاقتصادي كوسيلة ممنهجة لاستهداف المناوئين لهم، وعمدوا إلى إيقاف ومصادرة الاستحقاقات المالية لعدد هائل من اليمنيين عقب اجتياحهم العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014 وسيطرتهم على مختلف مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وتداول اليمنيون خلال الفترة التي تلت الانقلاب الكثير من مقاطع الفيديو لموظفين وجنود عبروا عن الظلم الذي لحق بهم جراء مصادرة الميليشيات لمستحقاتهم المالية التي كانوا يتلقونها كموظفين رسميين في مؤسسات الدولة اليمنية.

ووفقا لمؤسسات حقوقية فقد دأب الانقلابيون على تجريف مؤسسات الدولة من خلال استبدال الموظفين الذين لا يدينون لهم بالولاء بآخرين من الموالين لهم من دون أي تقييم مهني، إضافة إلى الاقتطاع من رواتب الموظفين لصالح ما يسمونه “المجهود الحربي”، وقد حلت وزارات الدفاع والداخلية والتربية والتعليم على رأس قائمة المؤسسات التي تعرض منتسبيها للفصل التعسفي وإيقاف ومصادرة الرواتب، غير أن حمى مصادرة أجور المناوئين للانقلاب لم تتوقف عند مؤسسات بعينها بل طالت جميع قطاعات الدولة بما في ذلك المؤسسات الإعلامية؛ ففي مارس 2016 أقدمت الميليشيات على إيقاف رواتب الصحافيين العاملين في المؤسسات الصحافية الرسمية بالعاصمة صنعاء وتم فصل العشرات منهم بحجة أنهم يدعمون التحالف العربي، ونشرت الوسائل الإعلامية التي سيطرت عليها الميليشيات أسماء 38 صحافيا يعملون في وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” تم فصلهم عن عملهم، كما نشرت مؤسسة الثورة للصحافة والنشر قائمة بـ170 صحافيا يعملون في المؤسسة، قالت إنها سترفع أسماءهم لوزارة الخدمة المدنية بهدف تخطي القرار ذاته.

اليمن واجه مشكلات اقتصادية جمة منذ الانقلاب الحوثي، إذ تراجعت الاحتياطات النقدية إلى 700 مليون دولار من أصل 4 مليارات دولار قبل الانقلاب

مصادرة الرواتب

أظهرت وثيقة رسمية صادرة في نوفمبر 2015 اتخاذ الانقلابيين قرارا رسميا بإيقاف رواتب الموظفين المناهضين لهم في مؤسسات الدولة، وتتضمن الوثيقة التي نشرتها العديد من وسائل الإعلام توجيه ما يسمى بالقائم بأعمال أمين عام مجلس الوزراء المعين من قبل الحوثيين محمد سوار، بتجميد رواتب كل من هم خارج البلد، ووضعها تحت تصرف اللجنة الثورية التابعة للحوثيين، في إشارة إلى المسؤولين الحكوميين والصحافيين والناشطين الذين اضطروا إلى مغادرة اليمن خوفا من بطش وملاحقة الميليشيات.

وفي قطاع التعليم العالي الذي شهد حالات إضراب واسعة في معظم الجامعات اليمنية، أقدمت قيادة جامعة صنعاء التي تسيطر عليها الميليشيات على فصل 66 أكاديميا تحت ذريعة انقطاعهم عن العمل في الجامعة كدفعة واحدة من ضمن عدة قوائم.

وطالت عمليات إيقاف ومصادرة رواتب اليمنيين خارج اليمن تحديدا العاملين في السلك الدبلوماسي، وكشف عاملون في سفارات اليمن في الخارج عن إيقاف رواتب السفارات غير الموالية للانقلابيين، وقالت المصادر إن القرار شمل رواتب موظفي سفارة الجمهورية اليمنية في بريطانيا، وسبع سفارات أخرى، وامتد العبث الحوثي كذلك إلى مخصصات الطلاب اليمنيين الحاصلين على منح جامعية في بلدان العالم المختلفة.

ولم تستثن الإجراءات الانقلابية المبالغ الزهيدة التي كان يصرفها الصندوق الاجتماعي للتنمية على الحالات الأكثر فقرا في اليمن، حيث توقفت مخصصات الضمان الاجتماعي التي كانت تصرف لأكثر من مليوني يمني، الأمر الذي فاقم من حالة الفقر، في ظل تقارير منظمات دولة إنسانية عن وجود 16 مليون يمني يحتاجون إلى المساعدة العاجلة.

وشهد العام المنقضي ما يمكن أن يوصف بأنه الانهيار الكبير للاقتصاد اليمني جراء استنزاف الانقلابيين للاحتياطي المالي لصالح ما يسمونه المجهود الحربي، وقد أفضى ذلك وفقا لمراقبين إلى إفلاس الخزينة العامة، والعجز التام عن دفع رواتب موظفي الدولة وتراجع العملة المحلية إلى درجة غير مسبوقة.

وواجه اليمن مشكلات اقتصادية جمة منذ الانقلاب الحوثي، إذ تراجعت الاحتياطات النقدية إلى 700 مليون دولار من أصل 4 مليارات دولار قبل الانقلاب، غير أن الأوضاع تطورت إلى الأسوأ عام 2016 ما دفع الرئيس عبدربه منصور هادي إلى إصدار قرار في سبتمبر العام الماضي بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وعلى إثر ذلك قامت الحكومة اليمنية بالإمساك بزمام الملف الاقتصادي والمالي من خلال تحويل إيرادات المحافظات المحررة إلى البنك المركزي بعدن واستئناف بيع النفط وهو ما مكنها من الشروع في دفع أجور الموظفين المدنيين والعسكريين.

صالح البيضاني

صحيفة الغد