الموازنة اللبنانية الغائبة تنذر بدفع الاقتصاد إلى الانهيار

الموازنة اللبنانية الغائبة تنذر بدفع الاقتصاد إلى الانهيار

بيروت – وجه فشل لجنة المال والموازنة في البرلمان للمرة الثانية في تحقيق النصاب، لمناقشة وضع مسودة للموازنة، ضربة شديدة لأجواء التفاؤل التي أشاعها الانفراج السياسي بعد انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة جديدة.

ويعيش لبنان بلا موازنة منذ 12 عاما، بل إن الخلل يمتد لنحو 24 عاما بسبب عدم مصادقة ديوان المحاسبة على الحسابات الختامية للموازنات السابقة منذ العام 1993.

وجددت القوى السياسية اتهاماتها المتبادلة بالفساد والاختلاس والتسبب في عدم إقرار الموازنة، ونشر وثائق ومعلومات تدعم مزاعمها، وسط غياب مطلق لأجواء التوافق التي صاحبت انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

ويرى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أن “الموازنة مؤشر على طبيعة حركة النظام الاقتصادي في أي بلد، رغم أنها ليست وحدها التي تحقق انتعاش الدورة الاقتصادية”.

وأضاف أن “العجز عن إقرار الموازنة يراكم أزمات خطيرة، ويطلق رسائل إلى المغتربين الذين يعول عليهم الاقتصاد اللبناني إلى حد كبير، مفادها أن اللبنانيين عاجزون عن حكم بلدهم.. إذا كنا عاجزين عن إقرار موازنة فقد يكون السؤال الكبير الذي ينبغي طرحه هو كيف يمكن أن نستمر؟”.

وأكد أن بقاء البلد دون موازنة يعني “أن الفساد في معالجة الملف الاقتصادي لا يزال ساريا، والآثار المترتبة عن ذلك تفيد بأن هناك منطقا يدعم الاستمرار في الفساد، لأنه لا يمكن إقرار موازنة دون العودة إلى كشوفات الحسابات الماضية، وهو أمر ترفضه العديد من القوى السياسية”.

وحذر من العواقب الخطيرة التي يمكن أن “تؤثر على البلد بقوة وخصوصا لناحية قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية، والتي لا شك أنها تضاءلت إلى حد كبير للغاية”.

وأوضح أن ذلك “يؤثر أيضا على رغبة الناس في البقاء في البلد والاستقرار فيه، ما يؤدي حتما إلى تضاؤل كبير في النمو، وزيادة ملحوظة في نسب البطالة وكذلك رغبة المواطنين في الهجرة”.
لويس حبيقة: بقاء لبنان دون موازنة يعني أن الفساد الاقتصادي لا يزال متفشيا

وقال حبيقة إن الخطر الأكبر يكمن في أنه بعد مرور 12 عاما على غياب الموازنة العامة “تراكمت مجموعة من الفرص الضائعة وخصوصا على معدل النمو الاقتصادي، الذي ترجح التقديرات أنه لن يتجاوز نسبة 1 بالمئة خلال العام الحالي، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالنسب التي يفترض أن ينجح الاقتصاد اللبناني في تحقيقها والتي ينبغي أن تصل إلى 4 بالمئة. وأشار على أن “حجم الخسارة التي تصيب بنية الاقتصاد اللبناني تعادل 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا احتسبنا حجم الخسارة المتراكم على مدار الأعوام التي لم تنجز فيها الموازنة، فسنخرج بحصيلة تساوي عشرات المليارات من الدولارات الضائعة”.

ويرى الخبير الاقتصادي غالب أبومصلح أن العجز عن إقرار الموازنة “يرسم صورة عامة لاقتصاد لبناني على وشك الانهيار على كافة الأصعدة” باستثناء القطاع المالي الذي يواصل النمو، لكنه قطاع غير منتج، وهو ينمو على حساب بقية القطاعات.

وأضاف أن الزراعة لا تنتج أكثر من 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أما الصناعة فهي تصل إلى حدود 10 بالمئة.

وذكر أن قطاع الخدمات تقلص كذلك إلى حد كبير ليس بسبب الأمن فقط، بل بسبب عجز البلد عن تأمين الحد الأدنى من المتطلبات في ظل تفاقم الأزمات وارتفاع أسعار العقارات والايجارات، الذي ساهم في تحول وجهة السياحة التي تشكل عماد الاقتصاد من بيروت إلى دبي”.

وأشار إلى نشوء واقع اقتصادي يتأقلم مع غياب الموازنة ويقوم على إعفاء أصحاب الثروات من الضرائب ويستعمل السرية المصرفية التي يفتخر بها لبنان في تغطية التهرب الضريبي، في وقت تتزايد فيه الضرائب على الطبقات الفقيرة التي أصبحت تدفع ما يصل إلى 80 بالمئة من حجم الضرائب.

وأكد أن الفقراء يصبحون أكثر فقرا ويتراجع بعد ذلك استهلاكهم، لأن القوانين الضريبية تستهدفها. وقال إن هناك اليوم ضرائب على الوقود وعلى الاتصالات التي تعتبر الأغلى في العالم.

وقال أبومصلح إن تلك السياسات “أدت إلى تمركز معظم ثروات البلد في أيدي أقلية تشكل 0.5 بالمئة من اللبنانيين.

وأكد أن الإنفاق على الشؤون الاجتماعية والوظائف تقلص كثيرا، في حين ارتفع الإنفاق الأمني والعسكري، الذي أصبح يستأثر بمعظم الإنفاق العام. هذه السياسة تؤدي الى تفاقم العجز وتفاقم المديونية”.

وذكر أن عدم قدرة الطبقة السياسية على إقرار الموازنة بسبب الفساد التوافقي والعقم الاقتصادي العام. وأشار إلى أن “معظم أرباح مصرف لبنان تعود إلى المصارف بدل أن تذهب إلى وزارة المالية التي تخسر حوالي ملياري دولار سنويا بسبب ضح أرباح مصرف لبنان إلى المصارف”.

وأكد أن “معظم المصارف اللبنانية مملوكة لمؤسسات أجنبية، وهذه المصارف تحقق أرباحا كبيرة في ظل النظام المالي والاقتصادي السائد وفي ظل غياب الموازنة”.

وذكر أن “أرباح المصارف في كل العالم تميل إلى الانخفاض في حين أنها تميل إلى الارتفاع في لبنان. هذه المصارف لا تستثمر في النمو، وإنما في مشاريع قصيرة الأجل وذات مردود مرتفع على حساب صحة الاقتصاد اللبناني”.

وقال إن “المصارف تستثمر في خراب الاقتصاد اللبناني، وهو ما يفسر إصرار الطبقة السياسية على توريث عدم إقرار الموازنة من حكومة إلى أخرى، بهدف التغطية على ملفات الفساد المزمنة”.

العرب اللندنية