الدمار ينعش نشاط إصلاح السيارات في الموصل

الدمار ينعش نشاط إصلاح السيارات في الموصل

الموصل – تزدحم ورشة خالد يونس لإصلاح السيارات في الموصل بالسيارات والزبائن بشكل غير مسبوق، في دليل على حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، التي أصبحت محور الحرب على تنظيم داعش، حيث تتناثر في الكثير من الشوارع بقايا حطام السيارات.

فقد اكتسحت التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة بدائية الصنع والهجمات بقذائف الهاون والضربات الجوية كل شيء في طريقها، بما في ذلك السيارات الواقفة على جانبي الشوارع وهدمت الكثير من مباني المدينة الشمالية التي كانت في وقت من الأوقات مركزا تجاريا مزدهرا.

وقال يونس، وهو يوجه العمال للاهتمام بالزبائن ويعمل بهمة ونشاط لتثبيت الزجاج الأمامي لسيارة أصيبت بأضرار من جراء سقوط قذيفة هاون، إن “الشغل عظيم… لقد ازداد بنسبة 50 بالمئة”.

وأصبح يونس وزملاؤه من أصحاب ورش إصلاح السيارات أصحاب الأعمال الوحيدين تقريبا، الذين يحققون ربحا في وقت تواصل فيه القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة هجومها لإخراج التنظيم من آخر معاقله في المدن العراقية.

وقد تعرضت وسائل النقل العام في الموصل للدمار من جراء الاشتباكات على مدى أشهر، مما يزيد حاجة السكان للسيارات الخاصة.

ويبذل أصحاب ورش إصلاح السيارات جهودا كبيرة لمجاراة الطلب من عدد متزايد من الزبائن في أمس الحاجة لإصلاح سياراتهم من أجل تشغيلها وتحقيق دخل يغطي نفقات المعيشة من طعام وغيـره.

ومن المتوقع أن يستمر الطلـب في الارتفـاع. وحتى الآن استطاعت القـوات العراقية إخراج مقاتلي تنظيم داعـش من الشطر الشـرقي مـن المـوصل. ومن المنتظر أن تؤدي المرحلة التالية من عمليـة تحرير المـوصل وتتمثـل في الهجـوم على الشطر الغربي إلى المزيد من الدمار.

والموصل هي أكبر مدينة تحت سيطرة الجهاديين وربما تتأكد أهميتها في تحديد مصير دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم، في ما سيطر عليه من أراضي العراق وسوريا.

دمار وتوقف قطاع النقل العام يزيدان حاجة السكان لإصلاح السيارات الخاصة رغم أوضاعهم الاقتصادية الصعبة

ويقول مسؤولون عسكريون عراقيون إن المتشددين سيتصدون بمقاومة ضارية للهجوم، من أجل الاحتفاظ بما يسيطرون عليه من أراض في المدينة. وهذا يعني حدوث المزيد من التفجيرات الانتحارية والسيارات الملغومة وقذائف الهاون والهجمات الصاروخية.

ويبين الدمار الواسع الذي لحق بالسيارات في الموصل شدة المعارك على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث تسببت تفجيرات السيارات الملغومة من جانب تنظيم داعش في إلحاق الضرر بالسيارات الأخرى الواقفة في الشوارع.

كما تسببت الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في إحداث فتحات في أسقف المباني وسقوط قطع ثقيلة من الخرسانة والأسمنت على السيارات. أما الشظايا المتطايرة بسرعات عالية من انفجار قذائف الهاون في الشوارع، فتمزق كل شيء في طريقها وتتسبب في مقتل الناس أو إصابتهم بعاهات.

ويقع عدد من ورش إصلاح السيارات على امتداد حارة متربة تنتشر فيها الأوساخ على المشارف الشرقية لمدينة الموصل وتطل على طريق سريع مليء بالحفر. وهذه الورش موجودة في المنطقة منذ العشرات من السنين.

وأغلقت بعض الورش أبوابها بعد أن اجتاح مقاتلو تنظيم داعش الموصل في يونيو 2014، دون مقاومة تذكر من جانب الجيش. وأفلس أصحاب ورش أخرى أو أصبح نشاطهم مرتبطا بأهواء المتشددين الذين يفرضون في الكثير من الأحيان ضرائب جديدة لتمويل حربهم على بغداد.

أما الورش التي ظلت مفتوحة فلم تشهد من قبل أرباحا وفيرة مثلما يحدث الآن. ومن بين الأضرار التي لحقت بإحدى الشاحنات في إحدى الورش، أكثر من عشر رصاصات ثقبت زجاجها الأمامي ربما من فعل أحد قناصة التنظيم المنتشرين في المدينة.

ومن الممكن أن يكون لكلفة الاصلاحات ثمن باهظ على الوضع المالي للأسر، خاصة في وقت تعطل فيه كثيرون عن العمل وينتظرون تحسن الاقتصاد المحلي، بينما تكافح الحكومة لإيجاد مصادر لتمويل إعادة الإعمار.

وقال راغد محمد، المدرس البالغ من العمر 35 عاما وهو يشير إلى سيارته المحطمة من طراز مازدا موديل 1990، إن “صاروخا أصاب بيتي وهوى جزء من البيت على سيارتي”.

وأكد نزار جاسم (50 عاما)، الذي كان يقف بجانبه وهو من تجار السوق، أن إصلاح سيارته سيتكلف نحو 500 دولار، بعد ما أصابها من أضرار بسبب سقوط كتلة من الركام عليها في غارة جوية، في حين أن دخله الشهري لا يتعدى 180 دولارا.

وأثناء حديثه، توقف زبون آخر بسيارة لم يعد فيها سوى مقعد واحد. وفي بعض الأحيان يبدأ طابور السيارات يتشكل في الصباح بدءا من الساعة السادسة، حيث تعمل الورش بكامل طاقتها.

وقال زبون آخر اسمه سمير عابد إنه يريد “إصلاح 3 سيارات؛ واحدة أصابها الجيش العراقي بأضرار، في حين أحرق تنظيم داعش السيارتين الأخريين لإحداث ستارة دخان لتحاشي الضربات الجوية”، لكنه قال إن الوضع كان يمكن أن يصبح أسوأ كثيرا.

ومثل يونس، قال عياد محمد وهو صاحب ورشة إصلاح أخرى، إن أرباحه زادت بمقدار 50 بالمئة منذ بدء القتال، لكنه دفع ثمنا غاليا بسبب الدمار الذي رفع دخله. ففي أحد الأيام تبادل الجيش والجهاديون القصف وتسببت قذيفة هاون في مقتل ابنه وحفيده.

العرب اللندنية