ترامب يجعل “داعش” عظيماً مرة أخرى

ترامب يجعل “داعش” عظيماً مرة أخرى

أصبحت الولايات المتحدة أقل أمناً الآن مما كانت يوم الجمعة قبل الماضي. والسبب هو الحظر الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب على دخول المواطنين واللاجئين من سبع دولة ذات أغلبيات مسلمة. ويعطى هذا الحظر حياة جديدة غير مسبوقة لأسوأ سرد جهادي على الإطلاق -فكرة أن الغرب أعلن الحرب على المسلمين. وليس هذا السرد مجرد كلام. إنه المحفز الرئيسي لقدرة “داعش” والجماعات الإرهابية الإسلامية الأخرى على تنفيذ الهجمات التي تقتل الأميركيين.
على مدى السنوات العشرين الماضية، شهد الأميركيون والغرب العديد من الهجمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة، بدءاً من تلك التي وقعت في نيويورك وواشنطن يوم 11 أيلول (سبتمبر)، مروراً بتفجيرات مدريد في آذار (مارس) 2004، ولندن في تموز (يوليو) 2005، إلى الهجمات التي وقعت في باريس، وسان بيرنادينو وأورلاندو في العام الماضي. وتشترك كل تلك الهجمات في الولايات المتحدة وأوروبا في شيء واحد: لقد نفذها كلها متطوعون قادمون مباشرة من الشارع.
على الرغم من أننا غالباً ما نندهش من استخدام الإرهابيين الخلاق للأدوات العادية، مثل المشارط والمتفجرات المخفية على شاكلة القنابل في الملابس الداخلية، فإن المصدر الأعظم بما لا يقاس والذي يمكنهم من إلحاق الضرر بنا هو المقاتلون أنفسهم بكل بساطة. فمن دون رغبة الأفراد في تصور وتخطيط وتنفيذ الهجمات، تكون بقية الأشياء في النهاية مجرد أضغاث أحلام. وهذا هو السبب في أن أفضل مقياس لقوة تنظيمات القاعدة، و”داعش”، أو أي مجموعة إرهابية، هو ببساطة عدد الأفراد المستعدين لتنفيذ هجمات.
لماذا يتطوع هؤلاء المهاجمون؟ السبب رقم واحد هو السرد الدعائي المتضمن في أشرطة الفيديو والمواد السمعية والمطبوعة التي تنتجها المجموعات المتشددة.
على مدى 15 عاماً، قمت أنا وفريقي في مشروع شيكاغو للأمن والتهديدات بدراسة كل واحد من نحو 5.000 هجوم إرهابي وقعت في كل أنحاء العالم منذ العام 1980، والكثير من الهجمات غير الإرهابية أيضاً. ومن دون شك، لم يكن خاطفو الطائرات في 11/9، ومفجرو مدريد ولندن، ومهاجمو باريس وسان بيرنادينو وأورلاندو نتاج سنوات من غسيل الدماغ في المدارس الدينية، أو الإكراه من خلال الخطف. كما لم يكونوا كلهم عموماً من عائلات فقيرة، أو عاطلون عن العمل أو بخلفيات تعليمية بائسة. في الحقيقة، كان أكثر من نصف الإرهابيين الإسلاميين العابرين للحدود في كل الهجمات الرئيسية التي وقعت في الولايات المتحدة وأوروبا يعملون، أو من الطبقة المتوسطة وبتعليم جامعي.
كان الذي يدفعهم إلى تنفيذ ضرباتهم في الغرب هو أنهم يستلهمون فكرة الاستجابة للمجتمعات المسلمة التي تتعرض للتهديد من الغرب. كيف نعرف؟ لأنهم يقولون ذلك. وفيما يلي الكلمات الموجهة للجمهور البريطاني في آخر شريط فيديو لشهادات محمد صديق خان، زعيم منفذي التفجيرات في لندن:
“تقوم حكوماتكم المنتخبة ديمقراطياً باستمرار بارتكاب الفظائع ضد شعبي في كل أنحاء العالم. ودعمكم لها يجعلكم مسؤولين مباشرة -تماماً كما أنا مسؤول مباشرة عن حماية إخوتي المسلمين والمسلمات والانتقام لهم. وحتى نشعر بالأمان، سوف تكونون أهدافاً لنا. وحتى تتوقفوا عن القصف، واستخدام الغاز، وسجن وتعذيب شعبي، فإننا لن نوقف هذه المعركة. إننا في حرب وأنا جندي”.
بالنسبة للمهاجمين الإسلاميين العابرين للحدود، فإن ما يدفعهم بشكل رئيسي ليس الوعود بالحور العين أو المنافع السماوية الأخرى، وإنما فكرة أنهم يدافعون عن المسلمين الواقعين تحت الحصار. ويعرف قادة الجماعات الإسلامية الإرهابية المتطرفة أن هذا هو أفضل نداء يستخدمونه لتحشيد المتطوعين لمهاجمتنا. كيف نعرف؟ لأن القادة يقولون ذلك.
مرة تلو الأخرى، يكرر قادة “داعش” سردهم القائل إن أميركا والغرب لا يعبآن بالفظائع التي تُرتكب في حق المسلمين، وينفذان سياسات تضر فعلياً بالمجتمعات المسلمة، كجزء مركزي من دعاية التجنيد التي تستخدمها المجموعة. وعلى سبيل المثال، في 23 أيار (مايو) 2016، قال محمد العدناني، مهندس آلة دعاية تنظيم “داعش”:
“أين مزاعم الغرب الكافر بحماية المدنيّين والدفاع عن حقوق الإنسان والحريّة. لقد سقط قناع النبل الكاذب المُزوّر وبانَ الوجه القبيح تحت براميل الموت والدمار وغاز النُصيريّة. فلا تتوجعُ أمريكا وحلفاؤها ولا يتألمون، إلاّ إذا تقدم وانتصر المجاهدون، لا يبكي العالم من مجازر الروس والنُصيريّة كل يومٍ في المسلمين ولا تتحرك مشاعر أوروبا وأميركا وأمم الكفر ولا يهتزون لتشريد الملايين، ولا يُزعجهم جوع ومرض ومعاناة وموت الآلاف من المستضعفين، من الأطفال والنساء والشيوخ المُحاصرين، لم تُبصر أميركا وحُلفاؤها أولئك في الغوطة والزبداني ومضايا والمعضمية، ما أبصروا من الحصار سوى مدينة الخير فسارعوا إلى نجدتها وإلقاء أكداس الغذاء كل يوم للنصيريّة، ولا تقشعر أبدان أوروبا وأمم الكفر لتدمير الروس للمشافي والأحياء السكنية. بينما يصيبهم الأرق والجنون إذا قطعت الدولة الإسلامية بعض رؤوس الكفر ويقشعرون ويُرعدون ويُزبدون ويَقصفون ويَتحشدون”.
وهكذا أيضاً بررت “دابق”، مجلة “داعش” على الإنترنت، إعدام جميس فولي:
“لقد قتلت الولايات المتحدة النساء والأطفال والشيوخ خلال احتلالها المباشر للعراق قبل انسحابها. وهناك قصص لا حصر لها عن قيام الجنود الأميركان بإعدام العائلات واغتصاب النساء تحت رعاية الجيش الأميركي وشركة بلاكووتر. لقد قُتلت العائلات المسلمة تحت التعريف الفضفاض لـ”الأضرار الجانبية”، الذي تمنح الولايات المتحدة لنفسها فقط الحق في تطبيقه. ولذلك، وإذا قتل مجاهد رجلاً واحداً بسكين، فإن ذلك قتل وحشي للـ”أبرياء”. مع ذلك، وإذا قتل الأميركيون آلاف العائلات المسلمة في كل أنحاء العالم بضغط زر إطلاق صاروخ، فإن هذا مجرد “أضرار جانبية””.
يندرج حظر ترامب للمسلمين كفئة بالضبط في الصورة النمطية لأميركا والأميركيين، التي استخدمتها تنظيمات القاعدة و”داعش” والجماعات الإسلامية الأخرى على مدى عقود لإلهام المهاجمين ودفعهم إلى قتلنا. إن كل عائلة مسلمة يتم احتجازها ظلماً في مطار، وكل مسلم عمل لصالح الولايات المتحدة ثم أعيد ليواجه الاضطهاد أو الموت، وكل تصريح يفضل المسيحيين على المسلمين، إنما يفعل لإلهام الإرهاب الإسلامي أكثر بكثير مما تفعل دعاية المتشددين وحدها. وتشكل هذه الأعمال الأميركية الحقائق التي تعطي لدعاية “داعش” الأسنان، لأنها تذهب مباشرة إلى قلب النظام الأخلاقي المنسوب إلينا.
هل تمتلك أميركا الحق في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب الإسلامي؟ بالطبع نمتلك هذا الحق. ومع ذلك، لا يعني الدفاع عن النفس أن أي إجراء يتم اتخاذه باسم الدفاع عن النفس يجعلنا أكثر أماناً فعلاً. في واقع الأمر، تضم دول العراق وسورية وإيران والصومال والسودان واليمن مجتمعة ما يقرب من 220 مليون مسلم. وحتى الآن، كان عدد المواطنين في هذه البلدان الذين يعملون مع أميركا والغرب لمعارضة “داعش” أكبر بما لا يقاس من أولئك الذين انضموا إلى المجموعة. ولذلك، فإن أي حظر شامل ضد المسلمين من تلك البلدان لا يساعد “داعش” على تجنيد المزيد فحسب، وإنما يساعده أيضاً على كسب القوة التي يمكن أن تقلب الموائد لصالحه أيضاً.
على ترامب أن يبادر فوراً إلى إلغاء حظر السفر حتى تكون هناك خطة يمكنها أن تجعل أميركا أكثر أمناً فعلاً.