قرارات ترامب تقوي فرص داعش لتنفيذ أهدافه

قرارات ترامب تقوي فرص داعش لتنفيذ أهدافه


واشنطن- وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية نصب عينيه غير أن إسلاميين وبعض المحللين يقولون إن أفعاله قد تقوي سعي التنظيم المتطرف لتنفيذ أهدافه بدفع مجندين جدد للارتماء في أحضانه وحفز آخرين على ارتكاب هجمات على الأراضي الأميركية.

فقد ضعف التنظيم في الشهور الأخيرة بفعل ما مني به من هزائم في ساحة القتال وما فقده من أراض في العراق وسوريا وليبيا إلى جانب انكماش مصادر تمويله وتقلص حجم قواته المقاتلة. وللوهلة الأولى يبدو أن تعهد ترامب بالقضاء على “التطرف الإسلامي” يمثل ضربة أخرى لفرص نجاح التنظيم في تحقيق أهدافه.

غير أن بعض الإسلاميين والمحللين يقولون إن فوز ترامب في الانتخابات قد يساعد في ضخ دماء جديدة في شرايين التنظيم ويعتقدون أن محاولة الرئيس الأميركي فرض حظر مؤقت على اللاجئين ومنع مواطني سبع دول أغلب سكانها من المسلمين قد تكون في صالح التنظيم.

وقد تعطل الأمر الذي أصدره ترامب بعد أن أمر قاض بوقف تنفيذه. غير أنه سواء عاد العمل بالأمر التنفيذي أم لا فقد أثار غضب المسلمين في مختلف أنحاء العالم إذ يرون فيه دليلا على أن ترامب وإدارته مصابون بداء الخوف من الإسلام رغم نفي ترامب ذلك.

ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق على اتهامات الخوف من الإسلام. غير أن شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض قال الأسبوع الماضي “الهدف رقم واحد للرئيس هو التركيز على سلامة أميركا لا على الدين. وهو يتفهم أن هذه ليست مشكلة دينية”.

ونفى سبايسر أن حظر السفر سيؤدي إلى تقليل أمن الولايات المتحدة وقال إن “بعض الناس لم يقرأوا ما ورد في الأمر على وجه الدقة ويقرأونه من خلال تقارير إعلامية مغلوطة”. غير أن مثل هذه التصريحات لم تسكت الانتقادات.

ففي نظر قيادات التنظيم يمثل ذلك فرصة مواتية بفضل احتمال أن تنقلب أفعال ترامب عليه وتتسبب في خلق شعور بالعداء يسهم في جذب مجندين جدد وتصبح مصدر إلهام لآخرين لشن هجمات على الأرض الأميركية وتنشط بذلك فرص بقاء التنظيم في وقت تتعرض فيه دولة الخلافة التي أعلنها للضعف وتكتنفها الأخطار.

وقال حسن حسن الكاتب المتخصص في التطرف الإسلامي وأحد مؤلفي كتاب “الدولة الإسلامية: داخل جيش الرعب” الذي صدر بالانجليزية عام 2015 “ما من شك أن الحظر على الدول المسلمة سيضعف الجهود العالمية للنيل من المتطرفين”.

وقالت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم في عضويتها 57 دولة إن “هذه الأعمال الانتقائية والتمييزية والتي من شأنها أن تصعد من أوار خطاب التطرف وتقوي شوكة دعاة العنف والإرهاب تأتي في وقت عصيب”.

ولزم التنظيم الصمت فيما يتعلق بالأمر التنفيذي، غير أن الجهاديين مازالوا يحتفلون بفوز ترامب في الانتخابات عبر المنتديات الالكترونية ويرددون أنه حدث يبرر وجهة نظرهم أن آراءه تكشف عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة وأن سياسته ستحدث استقطابا في المجتمعات وهو ما يعد أحد الأهداف الرئيسية للمتشددين.

وكتب أحد الجهاديين على موقع المنبر وهو من مواقع الإسلاميين يقول “تلك نعمة من الله لمن ضيع من المسلمين ولاءه وإيمانه وفضل اختيار الحياة الدنيا بكل مباهجها الموجودة في دار الكفر على دار الإيمان”. وأضاف “المسلمون مرغمون الآن على رفع راية الجهاد، أما بالنسبة لترامب والصليبيين فهذا هو وجههم الحقيقي”.

أفول نجم التنظيم
قرارات ترامب قد تتسبب في خلق شعور بالعداء يسهم في جذب مجندين

وفي الشهور الأخيرة ضعف تنظيم الدولة الإسلامية بدرجة كبيرة على جبهات عدة وانكمشت مساحة دولة الخلافة التي أعلنها في العراق وسوريا وفرض فيها حكمه بالحديد والنار على سكانها. ففي العراق فقد التنظيم الأرض في معقله بمدينة الموصل الشمالية وما حولها منذ بدأت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي أكبر عملية برية في البلاد منذ اجتياح العراق والإطاحة بصدام حسين عام 2003.

ويتركز وجود التنظيم في الأساس في شمال العراق لكن مازالت له معاقل لا يستهان بها مثل تلعفر الواقعة إلى الغرب من الموصل ومناطق أخرى قريبة منها مثل القائم بالقرب من الحدود السورية. ورغم ذلك قال رئيس الوزراء حيدر العبادي إن التنظيم سيطرد من البلاد بحلول ابريل.

ولايزال التنظيم يسيطر على مساحات من الأراضي السورية ويبدي مقاومة ضارية في مدينة الرقة عاصمته في شرق سوريا. كما يسيطر على نحو 90 في المئة من محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية إلى جانب الرقة وبعض المناطق في الريف الشرقي لمدينة حلب بشمال سوريا، ويسيطر أيضا على تدمر وبعض الجيوب في درعا بالجنوب.

ومن خصوم التنظيم في سوريا الجيش التركي وجماعات المعارضة السورية شمال شرقي حلب. وعلى عدة جبهات يحارب التنظيم قوات الحكومة السورية التي يساندها سلاح الجو الروسي وفصائل شيعية تدعمها ايران. أما في ليبيا فقد تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على مدينة سرت المطلة على البحر المتوسط لصالح القوات الليبية المدعومة بضربات جوية أميركية. وحرمت تلك الهزيمة التنظيم من معقله الرئيسي في شمال افريقيا رغم أنه مازال له وجود نشط في مناطق أخرى من ليبيا.

ومن الناحية العسكرية لم يعد بوسع التنظيم الدفاع عن المدن مثلما كان يفعل من قبل، فقد عرقلت الضربات الجوية قدرته على الحركة بالإيقاع والسرعة اللذين سمحا له بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية في ذروة توسعه عام 2014.

والآن يتعاون عدد متزايد من سكان المنطقة من السنة الذين شعروا بأن التنظيم خذلهم مع الجيش العراقي ويسهمون في الحرب على التنظيم وضعفت موارده المالية بشدة، كما أغلقت تركيا حدودها فحرمته بذلك من طريق جلب المقاتلين الأجانب وتهريب البضائع.

ويقدر المحللون والخبراء الآن أن عدد مقاتلي التنظيم يبلغ 20 ألفا في العراق وسوريا بالمقارنة مع 36 ألفا في عام 2014. ومنذ ذلك الحين سقط عدد كبير من المقاتلين وقادة التنظيم قتلى في الغارات الجوية التي يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة وسقط آخرون في قبضة الجيش العراقي أو فروا خارج البلاد.

الرد
تنظيم داعش مازال يتمتع بوجود نشط في مناطق أخرى من ليبيا

رغم الانتكاسات يبدي التنظيم مقاومة عنيفة ومازال يمثل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وقال خبراء مستقلون إن قيادات التنظيم ربما تعلق آمالها الآن في إنعاش فرص بقائه على دفع ترامب إلى التحرك ضده بالشدة والقوة الدموية التي تباعد بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى وتساعد في ضم مجندين جدد لصفوف التنظيم.

وقد بدأ التنظيم في تطوير بدائل دموية لدولة الخلافة من حرب عصابات في سوريا والعراق إلى شن هجمات في أوروبا واستهداف حلفاء الغرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من تركيا إلى مصر. ويعتقد بعض الخبراء الإسلاميين أن التنظيم سيضاعف جهوده لتنفيذ ضربات داخل الولايات المتحدة لتكرار الهجمات المميتة التي نفذها في الخمسة عشر شهرا الماضية في مدن باريس وبروكسل ونيس وبرلين واسطنبول.

ويردد التنظيم – شأنه شأن تنظيم القاعدة الذي خرج هو من عباءته – أن الغرب يكن عداء راسخا للمسلمين. وخلال السنوات العشر الأخيرة أصبح هذا الخطاب عنصرا في النمو المطرد للمتشددين في الشرق الأوسط وخارجه. ويقول مختار عوض الزميل الباحث ببرنامج دراسات التطرف في جامعة جورج واشنطن إن سياسات ترامب ستسهل مهمة الجهاديين كثيرا.

وقال عوض “سيضاعفون ببساطة رهانهم على هذه الاستراتيجية (الخاصة بالهجمات) وبدلا من الاستثمار بالكامل في ساحات القتال التي يعملون فيها سيحاولون بجهد أكبر من ذي قبل تنشيط خلايا في دول مختلفة في الشرق الأوسط والغرب”.

وأضاف أن “شن هجوم في الولايات المتحدة هو الشيء المثالي الذي سيكون على فظاعته في صالحهم لإظهار أن ترامب ضعيف وتشجيع أشد الاتجاهات عزلة وأكثرها خوفا من الأجانب لدى البعض في هذه الإدارة” الأميركية. وقال عوض إن الدولة الإسلامية تسمي هذه الاستراتيجية القضاء على المنطقة الرمادية وهي سياسة تقوم على إقناع المسلمين في الولايات المتحدة بأنهم يعيشون مع “كفار” وأن عليهم ألا يعيشوا إلا بين مسلمين.

مفجرون محليون

شكك خبراء أمنيون في قدرة فرض حظر شامل على دخول الولايات المتحدة على منع الهجمات. ويقول عوض إن أغلب المتشددين الذين يتابعهم البرنامج ولدوا في الولايات المتحدة وإن الجماعات المماثلة للتنظيم لها كوادر في كل مكان. ويرجح خبراء مثل عوض أن يجند التنظيم منفذي عمليات التفجير في الولايات المتحدة من داخلها لا من بين اللاجئين.

ومن المحتمل أن تؤدي بعثرة قوات التنظيم من حصونها في الأراضي العراقية والسورية وعودة الأجانب المجندين في صفوف التنظيم إلى بلادهم الأصلية إلى ازدياد الخطر خارج العراق وسوريا. وتبين دراسات لتنظيم القاعدة أن فرص النجاح تزداد عندما يشارك في الهجمات جهاديون من ذوي الخبرات.
في العراق تقف القوات الأميركية التي تشارك في حملة تحرير الموصل في صف واحد مع ايران

وكل البلاد عرضة لهجمات الذئاب المنفردة التي يشنها أفراد اعتنقوا الأفكار المتطرفة ويعيشون بالفعل في البلاد المستهدفة. وقبل مقتل أبو محمد العدناني مسؤول الدعاية والرجل الثاني في قيادة التنظيم في غارة جوية أميركية العام الماضي نشر نداء صوتيا موجها إلى أنصار التنظيم من أجل استهداف الغرب.

وقال العدناني في ندائه “فإن عجزت عن العبوة أو الرصاصة فاستفرد بالأميركي أو الفرنسي الكافر أو أي من حلفائهم فارضخ رأسه بحجر أو انحره بسكين أو ادهسه بسيارتك أو ارمه من شاهق أو اكتم أنفاسه أو دس له السم فلا تعجز أو تهن. وليكن شعارك لا نجوت إن نجا عابد الصليب ناصر الطاغوت”.

صدر هذا النداء عن العدناني قبل الاعتداءات التي وقعت في العام الماضي في مدينة نيس الفرنسية والعاصمة الألمانية برلين والتي أبرزت الخطر الأمني الكامن الذي يمثله التنظيم. ففي عملية نيس قتل مهاجم 86 شخصا دهسا بشاحنة في 14 يوليو تموز يوم ذكرى اقتحام سجن الباستيل. وسقط 12 قتيلا في عملية برلين يوم 19 ديسمبر كانون الأول التي اقتحم فيها رجل سوقا أقيم بمناسبة عيد الميلاد بشاحنة.

وقال حسن إن هذين الهجومين والهجمات التي وقعت في باريس في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015 وسقط فيها 131 قتيلا وفي بروكسل حيث قتل مفجرون انتحاريون 32 شخصا في مارس آذار الماضي استهدف الجهاديون أن تبلغ من الفظاعة حدا يغذي مشاعر الخوف من الإسلام التي يمكن أن يستغلها التنظيم فيما بعد في جذب أتباع جدد.

ارتياب

أحد الأهداف المهمة لاستراتيجية التنظيم هو إحداث استقطاب في المجتمعات واستثارة الريبة في المسلمين. ويقول خبراء إن الجماعة تعتقد أنه حتى إذا لم ينضم مسلم للجماعة فسيكون أقل ميلا لمعارضة المتشددين إذا ما حدث استقطاب في المجتمع.

ويقول محللون كثيرون إن أكثر المعارك إلحاحا الآن بالنسبة لخصوم التنظيم هي معركة سياسية وتتمثل في كيفية إقناع مؤيدي التنظيم بأنه لم يعد ذا أهمية. ففي ظل ترامب الذي نصب رئيسا في 20 يناير كانون الثاني أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تبحث عن شركاء في الشرق الأوسط لمحاربة التنظيم.

في العراق تقف القوات الأميركية التي تشارك في حملة تحرير الموصل في صف واحد مع ايران التي يمكن أن يزداد نفوذها لدى الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد إذا أعيد العمل بإجراءات مثل حظر دخول الولايات المتحدة. وفي سوريا تعتمد القوات الأميركية على المقاتلين الأكراد السوريين في حصار الرقة. لكن ذلك أثار استياء تركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي ترى أن الميليشيا الكردية السورية فصيل مماثل للمتمردين الأكراد في تركيا والذين تعتبرهم ارهابيين.

وتعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي متمردي تركيا من الأكراد من الجماعات الإرهابية. وتشير مفاتحات ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن روسيا والولايات المتحدة قد تتقاربان في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية رغم اختلاف الكثير من أهدافهما وحلفائهما. وربما تكون في تلك العلاقة الناشئة فرصة للتنظيم. ويقول محللون إن التنظيم أصبح يرى في تحالف روسيا مع ايران الشيعية أداة لضم مجندي جدد.

العرب اللندنية