إيران بألسن مختلفة: تهدئة وتهديد في وقت واحد

إيران بألسن مختلفة: تهدئة وتهديد في وقت واحد

طهران – يعمل المسؤولون الإيرانيون على مقابلة التصعيد الأميركي ضد طهران بالأسلوب التقليدي المبني على تعدد الألسن والمراوحة بين التصعيد والتهدئة، على أمل أن يقتنع الرئيس دونالد ترامب بوجود فريق يمكن فتح قنوات التواصل معه والرهان عليه كطرف معتدل يقبل التفاوض.

ولم يستبعد مصدر أوروبي مطلع على توجهات الإدارة الأميركية الجديدة التي، تبدو مصرة على مواجهة إيران، لجوء الأخيرة إلى توجيه رسائل إلى واشنطن.

وأوضح هذا المصدر أن إيران تبدو مستعدة لاستخدام لبنان والعراق في توجيه هذه الرسائل.

ولاحظ أن السفارة الأميركية في بغداد وجهت تحذيرات من استهداف فنادق ببغداد، كما حصلت في الأيام الماضية تحرشات بالقوة الدولية في جنوب لبنان.

يأتي هذا فيما تحاول طهران بكل السبل وقف التصعيد مع واشنطن والحفاظ على الاتفاق النووي مقابل مراجعة دورها الإقليمي، خاصة أن إدارة ترامب ترى أن الاتفاق لم يقد إلى الضمانات الكافية للحفاظ على أمن حلفائها في الخليج.

وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الثلاثاء إن الرئيس الأميركي الجديد يكشف “وجه أميركا الحقيقي”، وأن “ما نقوله منذ أكثر من ثلاثين عاما عن الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي داخل نظام السلطة الأميركي، جاء هذا السيد وكشف عنه خلال الحملة الانتخابية وبعدها”.

ولوح خامنئي بأن “الإيرانيين سيردون” على تهديدات ترامب خلال مسيرات وتظاهرات مقررة الجمعة بمناسبة الذكرى الـ38 للثورة التي أطاحت بالشاه وحملت آية الله الخميني ورجال الدين إلى الحكم.

واعتبر متابعون للشأن الإيراني أن خامنئي دأب على اصطناع التصعيد ليس فقط ضد الولايات المتحدة ولكن ضد دول إقليمية، حتى يبدو في أعين الأتباع متمسكا بشعارات الثورة، وخاصة العداء لأميركا.

وأشاروا إلى أن شعارات التصعيد التي يطلقها المرشد وقادة الحرس الثوري سرعان ما تخبو في التعاطي العملي مع الملفات إقليميا ودوليا، ولكن عبر شخصيات محسوبة على التيار المعتدل الذي لا يعدو أن يكون الواجهة الثانية لأفكار المتشددين.

وفيما كان خامنئي يرفض مناقشة الملف النووي لبلاده، كان الرئيس حسن روحاني والفريق المكلف بالتفاوض يقدمان تنازلات للتوصل إلى اتفاق مع دول (5 + 1) يرفع عن إيران العقوبات ويسمح لها باستعادة أموالها المجمدة وينقذ الاقتصاد من أزمة خانقة.

ويظهر روحاني الآن ليخفف من حدة خطاب المرشد تجاه أميركا، مذكرا بالمنافع التي سيحققها الاتفاق النووي الذي تم توقيعه منذ سنة ونصف السنة، موجها دعوة ضمنية إلى ترامب لتعديل موقفه من الاتفاق.
محمد جواد ظريف: مستعدون للحوار مع السعودية إذا تغيرت نظرتها للتطرف

وقال روحاني الثلاثاء إن الاتفاق كان مفيدا للجميع بخلاف ما يعتقد ترامب، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق يمكن أن يستخدم كمنصة انطلاق لنزع فتيل التوتر في المنطقة.

وأضاف روحاني في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة “يقرأ الرئيس الأميركي الجديد نص الاتفاق النووي لكنه لا يقبله. يقول إن هذا أسوأ اتفاق في التاريخ”.

وتحمل كلمة روحاني رسالة واضحة إلى ترامب مفادها أن الاتفاق النووي لم يطلق يد إيران في محيطها الإقليمي، وأنه يمكن الحفاظ عليه والتفاوض بالتوازي حول “التخفيف” من التمدد الإقليمي الإيراني الذي لم يعد يقلق حلفاء واشنطن الخليجيين فحسب، بل يمكن أن يؤدي إلى تهديد المصالح الأميركية في المنطقة مثلما هو جار الآن في العراق.

واعتبر محللون أن خطاب التهدئة والتنازل الذي يلجأ إليه المعتدلون هدفه التغطية على الشعارات التي يراد منها الاستمرار في خداع الأنصار، لكن على الأرض تتعاطى طهران ببراغماتية مع مختلف الملفات.

وتكشف تصريحات روحاني عن أن تشدد ترامب سببه رغبة واضحة في الوقوف إلى جانب دول الخليج، وخاصة السعودية ضد سياسات إيران، ما جعل الرئيس الإيراني يعرض مفاوضات جديدة تكون ملحقا بالاتفاق وتحدد مقاربة الأمن الإقليمي.

وبسرعة مد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اليد للسعودية، معلنا أن بلاده “مستعدة للحوار” إذا تغيرت “النظرة السعودية واستنتجت أن نشر التطرف لا يصب في صالحها”.

ويضاف هذا التصريح إلى تصريحات سابقة لمسؤولين إيرانيين دأبوا في الفترة الأخيرة على التهدئة مع السعودية وإعلان وقف التحريض عليها، والاستعداد للحوار معها حول القضايا الإقليمية.

وتهدف عروض الحوار إلى التسويق لفكرة أن طهران لا تستهدف أمن الخليج. لكن واقعيا فهي لم تسع لأي تهدئة مع السعودية، خاصة أنها أفشلت وساطة الكويت.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي علق على الوساطة الكويتية بالتأكيد على عدم الحاجة إلى وساطة بين دول المنطقة.

وارتبط تغير الخطاب الإيراني تجاه السعودية مع التصريحات التي أطلقها ترامب في حملته الانتخابية ولاحقا منذ توليه الرئاسة.

واستبعد المحللون أن ينجح توزيع الأدوار بين المسؤولين في امتصاص الغضب الأميركي، أو أن يغري السعودية بفتح قنوات التواصل، في ضوء تجارب سابقة مع طهران تنتهي دائما إلى أن خطاب الاعتدال يظهر فقط وقت الأزمة ويختفي في حالة الانفراج.