التنظيمات السنّية المسلَّحة ورؤيتها لِمشروع الإقليم السنّي

التنظيمات السنّية المسلَّحة ورؤيتها لِمشروع الإقليم السنّي

Iraq_ثوار_العراق_لا_تكرروا_أخطاء_ثوار_سوريا

د. حسام الدين علي مجيد

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين-أربيل

          ليس من اليَسير إيراد شتّى التنظيمات السنّية التي تعمل خارج دائرة النظام السياسي العراقي ،وتتبنّى منه مواقف سياسية متشدّدة، ومن زاوية المظلومية والتهميش السياسي سواء في ظل الهيمنة الأمريكية المباشرة (2003-2011) أو بعد الإنسحاب العسكري الأمريكي، وبخاصةً انَّ عدد هذه التنظيمات يُناهز (40) جماعة مسلحة. ومع ذلك، يمكن تبيان موقف التنظيمات الرئيسية منها عبر توزيعها الى قسمَين جوهريَين من حيث تَبني النظام الفِدرالي وإنشاء إقليم سنّي من عدمهِ:

         فالقسم الأول يؤيِّدُ الفِدرالية وإنشاء الإقليم السنّي، نتيجة التأثّر بتجربة إقليم كوردستان وبعض التجارب الفِدرالية الأخرى القريبة منها والبعيدة. اذ أنَّ الرأي الغالب لدى دعاة هذا الاتجاه صراحةً وضمناً هو إنشاء إقليم سنّي مكوّن من محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك، بحيث يتمتّع الإقليم ككل بالاستقلال الذاتي عن المركز وفي الوقت نفسه تحظى كل محافظة منها بالاستقلال الذاتي. ما بمعنى إنشاء نظام فِدرالي لاتماثلي Asymmetrical Federalism مكوّن من مجموعة ولايات تتمتع بسلطاتٍ لاتماثلية سواء على مستوى الإقليم تجاه المركز أو على صعيد الولايات المكوِّنة للإقليم. هذا النظام الفِدرالي اللاتماثلي ينشأ في الأصل بفعل التفاوت بين وحداتهِ الفرعية في الظروف الثقافية والاقتصادية والديمغرافية، بالشكل الذي يقود الى تفاوتها في السلطة والنفوذ من حيث علاقاتها بالسلطة الفِدرالية (Rest of the State). أما الجمع بين اللاتماثلية على الصعيدَين الخارجي والداخلي لِنفس الإقليم وفقاً للمشروع السنّي ذاته فهو نموذج لا يكاد يكون له مثيل حتى هذه اللحظة. بيد أنَّ عدم وجود تجارب سياسية سابقة لا يعني بالضرورة إمكانية فشل هذا الإقليم في حال تكوّنهِ، ذلك لأنَّ لكل تجربة سياسية خصوصيتها التاريخية وسيرورتها التكوينية، ولا تكاد أيٌّ تجربة منها تُكرِّر وتُحاكي نموذجاً بعينهِ رغم ما بينها من أوجهِ شبهٍ كثيرة من حيث السلوك السياسي.

       هذا المنظور السياسي يشمل كلاً من “الحراك السنّي في العراق”، وهو تنظيم سلمي النهج مكوّن من اتحاد الحراكات السياسية في المحافظات السنّية، كذلك “جيش المجاهدين” و” الجيش الإسلامي” وهما يتبنيان النَهج السَلَفي الجهادي، و “كتائب جامع” ذي الرؤية السياسية الإخوانية. هذا ناهيك عن أحزاب وكتل سياسية مشاركة أساساً في العملية السياسية مثل القائمة الوطنية وكتلة الكرامة، وأيضاً الحزب الإسلامي العراقي بوصفهِ صاحب مشروع الإقليم السني وأول منْ طرحهُ في الأوساط السنّية، وربّما يُعّد ذلك بمثابة السبب الجوهري وراء انكماش تأييدهِ الشعبي في الدورتَين الانتخابيتين الأخيرَتين.

       أما القسم الثاني فيرفض إنشاء الإقليم السنّي بخاصة والنظام الفِدرالي بعامة، وذلك على اعتبار أنَّهُ مشروع سياسي أمريكي لِتقسيم العراق. وفي المقابل يدعو الى بناء دولة غير طائفية قائمة على المركزية الإدارية مع إمكانية الأخذ الجزئي باللامركزية الإدارية بموجب إتفاقية آذار 1970. ومن أبرز أنصار هذا التوجه كل من: حزب البعث العربي الاشتراكي، وجيش الطريقة النقشبندية، وهيئة علماء المسلمين، وكتائب ثورة العشرين وجيش الراشدين. بمعنى آخر، أنَّ هذه التظيمات السياسية- الدينية تدعو الى إنشاء عملية سياسية جديدة في ظل دولةٍ مبنية على أساس المركزية الإدارية في المقام الأول. وفي هذا الخصوص، نجد أنَّ  حكومة المركز ترفض التعامل مع هذه التنظيمات من زاوية كونها تنظيمات إرهابية، بالرغم مما يجمع بينها وبين تنظيمات القسم الأول من مواقف سياسية و روابط عسكرية تفرضها الظروف السياسية في المقام الأول.

      الى جانب ما تقدّم بيانهُ، ينبغي الأخذ بالحُسبان كون الهيمنة العسكرية في المحافظات الشمالية والغربية من العراق باتتْ في يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ بداية تموز عام 2014. الذي داعش يَعمَدُ وبشكلٍ منهجي الى احتكار العمليات المسلحة ضد المركز ولاسيما منذ إعلانهِ للخلافة الإسلامية في (29 حزيران عام 2014)، عبر تَخيير التنظيمات المسلَحة الأخرى بين خيارَي: التوبة و الإنتماء الى داعش او القتل. مما دفع بتلك التنظيمات تدريجياً الى إخلاء الساحات العسكرية ولاسيما منذ أواخر شهر تموز الماضي خشية إبادتهم من قبل داعش في حال عدم الإيمان بمعتقداتهِ من جانب، وقوات الجيش العراقي والميليشيات الشيعية من جانبٍ آخر. لِكون هذه التنظيمات ضعيفة من حيث المقدرات العسكرية مقارنةً بمقدرات داعش، وبخاصة بعد إستيلائه على الأسلحة والمعّدات والذخائر المتطورة لِقُرابة (6) فِرَق عسكرية مَهزومة ناهيك عن المؤسسات الأمنية.

       كذلك فإنَّ قراءةَ التنظيمات السنّية للواقع السياسي قراءةً واقعية يدفعها أيضاً للاقتناع تدريجياً بعدم جدوى حمل السلاح في ظلِّ إمكانية التدخل العسكري الدولي الذي بات يتطور منذ (8 آب 2014) وينحو صوب تشكيل تحالف عسكري أمريكي- أوروبي-عربي ضد داعش وفي داخل المحافظات السنّية ذاتها. بالشكل الذي سيقود ربّما الى مشاركة التنظيمات السنّية بعامة، مِمَنْ ترغب مجدداً في مُحالَفة أمريكا عسكرياً لِمحاربة داعش فضلاً على المنخرطين الجُدد في الحلف، لِيكون ذلك مدخلاً لِمشاركتها جميعاً في العملية السياسية ثم تحقيق مطالبها. ويبدو أنَّ تنظيم داعش أضحى أشبهُ ما يكون بِواحة الماء المقدّس الأمريكية، بحيث يَغتسِلُ فيها كلُّ منْ يرغبُ بالتطهّر والخلاص من قائمة الإرهاب والطائفية على مستوى الدول والأحزاب السياسية، ومثال ذلك ربّما: إيران، حزب البعث العربي الاشتراكي بِنُسخَتَيهِ السورية والعراقية، و”حزب العمال الكوردستاني”، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري” وتشكيلاتهُ المسلّحة.

       وبالتالي، فإنَّ معظم القيادات السياسية والعشائرية الناطقين باسم تلك التنظيمات السنّية على المستوى الإعلامي، في غالبيتهمامنها مجرد قيادات سياسية تُمارس دوراً إعلامياً فحسب، وليس لها اليوم من وجود عسكري على الأرض. ذلك أنَّ مسار انتفاضة المحافظات السنية سينقسم في القابل من الأيام الى مسارَين لا ثالث لهما:

أولهما المسار العسكري المناهِض للمركز والذي تغيَّرَ بأسرهِ اذ أنَّهُ أضحى مساراً مُحتكراً من قبل داعش وعلى النحو الذي لا يقبل العضوية الا المتشددين ذوي المعتقدات الداعشية. ومثل هذا الوضع يدفع قيادات داعش بشكلٍ متواصل الى فتح معسكرات التدريب في الموصل بخاصة وتجنيد الأفراد بالقوة، من أجل التعويض عن تناقص المقاتلين السنّة في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى وحزام بغداد.

ثانيهما المسار العسكري المُحالِف للولايات المتحدة ومركز الدولة، ويشمل تلك التنظيمات السنّية في العراق والتي يتوفّر فيها شرط الرغبة الذاتية وشرط القبول الأمريكي. فالاغتسال بذلك الماء الطَهور في الواحة المقدّسة هو امتياز أمريكي في المقام الأول ولا يُمنح الا للمقرّبين تحديداً، ولاسيما الذين يبحثون منهم عن مخرجٍ مُشرِّف لِتغيير دورهم الإرهابي أو التمرّدي الى دور الحليف، مثل: “الصحوات العشائرية” أو “كتائب العزّة والكرامة” أيّاً كانت التسمية في حالة المكوِّن السنّي. فالهدف الإستراتيجي الأميركي وراء ذلك هو الدفع نحو الاندماج في العملية السياسية عقب إخضاع الأخيرة لتعديلاتٍ رئيسية في ضوء إتفاق إطار شامل (Framework Agreement ) بين الفُرقاء السياسيين وسيتخّذ على الأرجح تسمية “مؤتمر المصالحة الوطنية”، بحيث يشتمل ذلك على إجراء تعديلاتٍ دستورية من المفتَرض أنْ تصبَّ في صالح التنظيمات السنّية غير المنخرطة في النظام السياسي، والكورد أيضاً ا، من أجل الحيلولة دون تشّظي الدولة بِمنْ عليها من بَشرٍ وحجر.