“حزب الله” يؤسس لمنطقة آمنة في القلمون السوري

“حزب الله” يؤسس لمنطقة آمنة في القلمون السوري

تتقاطع معلومات لبنانية وسورية حصل “العربي الجديد” عليها، عن تبني “حزب الله” ومعه النظام السوري، لخيار إقامة “منطقة آمنة” وفق تعريف هذين الطرفين، داخل الأراضي السورية، تحديداً في منطقة القلمون الغربي المحاذية للحدود اللبنانية، في مخطط تشجعه السلطات اللبنانية ضمنياً على الأقل، في ظل محاولة استفادة من الحديث الدولي المتصاعد عن خيار المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية وفي دول الجوار. ومنذ طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أسبوعين، من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين وضع تصوّر تنفيذي لهذه المناطق الآمنة، يكرر الرئيس اللبناني ميشال عون التشديد، في كل مناسبة، على أهمية هذه المناطق الآمنة ليتخلص لبنان مما يسميه عون وفريقه السياسي الموالي للنظام السوري، من “عبء” اللاجئين السوريين الذين يتم تضخيم عددهم، ويعيشون ظروفاً أمنية اقتصادية اجتماعية مأساوية في بلد لا يعترف لهم بصفة اللجوء حتى ويتعاطى معهم جميعاً على أنهم “إرهابيون محتملون”.
استعدادات تنفيذ الخطة جارية على قدم وساق، ويتولى حزب الله فيها الموقع الأبرز، بينما يمكن أن تكون ولادتها على شاكلة ما يرغب النظام بتصويره كـ”اتفاق مصالحة” شبيه بما جرى التوقيع عليه مع عدد كبير من البلدات والمدن الخارجية عن سيطرة النظام، وغالباً ما تكون اتفاقات إذعان أكثر مما هي مصالحة. ويجري اليوم التفاوض حول 18 بنداً بين حزب الله والنظام من جهة، وفصائل معارِضة من مناطق القلمون الغربي من جهة ثانية. ومن بين البنود اعتبار خدمة مسلحي المعارضة ضمن “سرايا أهل الشام” إسقاطاً لخدمتهم العسكرية، وذلك من ضمن عفو عام عن مقاتلي الفصائل المسلحة من أبناء المنطقة، ومن المتواجدين بجزء كبير منهم في مخيمات اللاجئين في لبنان حالياً، فضلاً عن شرط النظام وحزب الله استثناء عدد من بلدات المنطقة من اتفاق المصالحة أو “المنطقة الآمنة” فعلياً وهي قارة والنبك وديرعطية والقسطل ومعلولا. وحصل “العربي الجديد” على لائحة البنود الـ18 وهي:
– تحديد المدن والبلدات المعنية بالاتفاق وهي: رنكوس، سهل رنكوس، عسال الورد، حوش عرب، بخعا، جبعدين، راس العين، راس المعرة، فليطة، جراجير، السحل، يبرود.
– منع عودة أهالي قارة، النبك، ديرعطية، القسطل، معلولا.
– عدم تواجد جيش النظام أو حزب الله ضمن المناطق المذكورة أو بينها.
– عودة كافة الملتزمين بفصيل سرايا أهل الشام (جهاز شرطة عسكرية محلي سينشأ لإدارة الأمن في المدن والبلدات) بسلاحهم الفردي فقط، وتسليم السلاح الثقيل.
– تحويل خدمة المطلوبين للجيش السوري إلى الخدمة ضمن فصيل سرايا أهل الشام، ويشمل ذلك الشبان المطلوبين للخدمة الإلزامية أو المتخلفين أو المنشقين.
– عدد العناصر المسلحة ضمن سرايا الشام مفتوح وغير محدد.
– حصر السلاح بيد سرايا أهل الشام، المسؤول عن تعيين لجان محلية للبلدات وإدراة العناصر المسجلين مع الفصيل من مدنيين وعسكريين.
– استبعاد بعض الأفراد الذين يتم رفع أسمائهم من قبل السرايا وهم من البلدات المذكورة وعدم قبولهم من قبل الفصيل للعودة بسبب ارتكابهم انتهاكات بحق الأهالي.
– رفع أسماء المطلوبين من مدنيين وعسكريين إلى النظام للعفو عنهم قبل عودتهم إلى سورية من لبنان. وتم وصف هذا الشرط بالأساسي.
– تشكل لجنة من الوجهاء وحزب الله لحل المشاكل العالقة مع عناصر مليشيا “الدفاع الوطني” من أبناء القلمون.
– إصدار هويات نظامية جديدة لكل عائد لا يملك وثائق ثبوتية.
– تفعيل عمل كافة المؤسسات الحكومية الخدمية غير الأمنية في المناطق المذكورة.
– حصر العودة إلى مناطق القلمون بأهالي القلمون فقط.
– السماح بعودة كافة أنواع السيارات.
– فتح كافة المعابر باتجاه الأراضي اللبنانية غرباً بموافقة الحزب، ما عدا بلدة عرسال التي يتم الدخول إليها بموافقة الجيش اللبناني.
– يتم تحديد مواقع انتشار عناصر “حزب الله” بالتنسيق بين قيادة الحزب والوجهاء والعسكريين من “سرايا أهل الشام”.
– “حزب الله” هو الضامن لهذا الاتفاق.

وفي مشروع “حزب الله” الجاري البحث في تفاصيله حالياً، جوانب ثلاثة لمصلحة الثلاثي “حزب الله” والنظام السوري والسلطات اللبنانية: 1ــ مراعاة الاعتبارات الأمنية والعسكرية التي تتعلق بتأمين خط الإمداد العسكري الخاص بالحزب داخل الأراضي السورية. وخط الإمداد هذا يمتد من دمشق وريفها (تحديداً مناطق القلمون) إلى لبنان عبر البقاع، والذي يرسمه مسار القصف الجوي الإسرائيلي الدوري لما يُقال إنها قوافل أسلحة تتجه من سورية إلى مخازن “حزب الله” في لبنان. 2ــ إبعاد أي خطر محتمل من أي طرف سوري مسلح معارض على اعتبار أن هذه المنطقة الآمنة ستكون فعلياً منطقة آمنة من المعارضة، وليس من النظام وحلفائه، في ظل موجة عامة يشجعها “المجتمع الدولي” لإقامة مثل هذه الأنواع من المناطق. 3ــ التخلص من عدد كبير من اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، وخصوصاً في منطقة البقاع، وهي الخزان البشري والعسكري لـ”حزب الله” الراغب بإزالة “خطر” وزن ديمغرافي تعاظم حجمه مع وجود عشرات الآلاف من السوريين المعارضين في مناطق يعتبرها “دخيلة” فيها على الشريط الحدودي للبقاع مع سورية، مثل عرسال ومجدل عنجر على سبيل المثال. ومن شأن ذلك أن يسرّع من وتيرة توطيد إيران وحزب الله وجودهما في منطقة أساسية مما يسمى “سورية المفيدة”، طائفياً وأمنياً، في ظل ما يحكى عن شراء أراضٍ ومصادرة أخرى لتصبح تلك المنطقة السورية بمثابة الامتداد الديمغرافي للبقاع اللبناني.

وتؤكد مصادر محلية في البقاع لـ”العربي الجديد” أن الخطوة الأولى لعملية إعادة اللاجئين إلى هذه المنطقة الآمنة التي يدور الحديث عنها داخل أوساط الحزب والنظام، قد بدأت فعلاً مع إحصاء سوريين موالين للنظام لعدد اللاجئين المقيمين في عرسال، والقادمين من بلدات ريف حمص وبلدات القلمون. ينقسم هؤلاء إلى قسمين: يقيم القسم الأول في قلب بلدة عرسال وداخل الحزام الأمني الذي يقيمه الجيش اللبناني حول البلدة، ويُقدر عددهم بحوالى 90 ألف مدني. والقسم الثاني هم اللاجئون الذين يُقيمون خارج الحزام الأمني في الجرود القريبة من البلدة، وعددهم حوالى 30 ألفاً. ومع سريان خبر الإحصاء بين خيم اللاجئين، أصدرت “الهيئة الشرعية واللجنة المدنية في وادي حميد ـ جرود عرسال” (هيئة دينية مدنية تدير شؤون اللاجئين في مخيمات عرسال العشوائية)، بياناً في السابع من فبراير/شباط يؤكد “مبادرة حزب الله للتواصل معنا بهدف إعادة اللاجئين إلى القلمون، وهو أمر قيد البحث عسكرياً ومدنياً ولا يزال بين الأخذ والرد”. وتشير المصادر إلى أن الإحصاء لا يطاول فقط عدد اللاجئين كأفراد، بل يستهدف إحصاء عدد الأفراد في كل أسرة، ومعرفة مكان إقامة الشبان تحديداً. وذلك “حرصاً على إحصاء عدد المسلحين السوريين المنتشرين في الجرود من أبناء منطقة القلمون”، بحسب المصدر المحلي في البقاع. ويُتوقع أن يتم إنهاء عملية الإحصاء كاملة خلال ثلاثة أشهر، رغم تأكيد القيمين أن العملية لن تستغرق أكثر من شهر واحد. ومن اللافت أن الخطة تستثني بالكامل منطقة القصير، وذلك لاعتبارات عسكرية ــ طائفية ــ ديمغرافية، خصوصاً مع تحول المدينة كاملة إلى منطقة عسكرية مغلقة لا يدخلها إلا عناصر الحزب حصراً، في ظل الحديث الجدي والموثق عن تغيير ديمغرافي طائفي يجريه بالفعل حزب الله ومن خلفه إيران في القصير لتغيير التركيبة الطائفية في المدينة التي كانت مدخل حزب الله عسكرياً إلى سورية عام 2013.

وبموجب خطة المنطقة الآمنة في القلمون، فإنه مع عودة اللاجئين المُفترضة، يطرح الحزب إقامة ما يشبه جهاز شرطة عسكرية وهيئة إدارة مدنية للبلدات، تتشكل من سكان بلدات قارة وجراجير وفليطة والمعرة، وغيرها من البلدات من المؤيدين للنظام والمقيمين فيها حالياً، إلى جانب عدد من اللاجئين المتعاونين، على أن يشرف هذا التشكيل الأمني، الذي سيحمل عناصره السلاح الفردي فقط، حفظ الأمن الداخلي في البلدات ومنع الإشكالات.

ومع حصر التفاوض في الملف بين أطراف غير رسمية في كل من سورية ولبنان، يؤكد وزير الدولة اللبناني لشؤون اللاجئين معين المرعبي، لـ”العربي الجديد”، أن “التواصل أو التنسيق مع النظام السوري غير مطروح لدينا. وبالنسبة لحركة المعابر بين البلدين، فإن الأمر يتم بشكل رسمي ويُشرف عليه جهاز الأمن العام”. ويترك المرعبي للاجئين الحق في اختيار العودة إلى بلداتهم في حال استتب الوضع الأمني فيها، “ولكن لا يمكننا كدولة تحمل تبعات عودتهم في حال كانت مناطقهم غير آمنة“. وفي تعبير عن رغبة ضمنية لدى الحكومة في التخفيف من عدد اللاجئين السوريين، يرى مصدر وزاري رفض الكشف عن اسمه أن “لبنان أمام خيارين: إما فتح معبر جوسية (أحد المعابر اللبنانية الحدودية باتجاه مناطق القلمون السورية) أو أن ننتقل إلى البحر بسبب العدد الكبير للاجئين”. وقد شهد يوم الأربعاء الماضي، اجتماعاً أمنياً في مركز القاع الحدودي (قرب عرسال) بين ضباط من الأمن العام اللبناني والسوري ومن الجمارك اللبنانية والسورية وممثل عن المجلس الأعلى السوري اللبناني، تم خلاله درس التحضيرات والإجراءت الجارية تمهيدا لفتح المعابر الحدودية في القاع اللبنانية والجوسية السورية، بعد إنجاز التحضيرات الإدارية. ويُشكل هذا الاجتماع الاستجابة الأولى من قبل السلطات اللبنانية لطلبات سورية مُتكررة عبر عنها مسؤولن أمنيون ومحليون (كمحافظ حمص طلال البرازي) عن رغبتهم في عودة حركة المعابر بعد سيطرة النظام وحلفائه على حمص وريفها وعلى القلمون. وتطرح هذه العملية أسئلة عدة عن دور الدولة اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيها، وعن الانعكاس السياسي لهذه الخطوة على الداخل اللبناني، وعن الضمانات الأمنية التي ستُمنح للاجئين العائدين بعدم تعرض النظام السوري لهم.

وقد مرّت 3 سنوات تقريباً على إنهاء “حزب الله” اللبناني سيطرته على أبرز مدن وبلدات القلمون السورية على الحدود مع لبنان، بعدما حوّل كامل منطقة البقاع الشمالي لقاعدة خلفية لعملياته التي بدأت من ريف حمص شمالي القلمون، وصولاً إلى جنوبه في رنكوس. وقد أدت هذه العمليات العسكرية إلى لجوء آلاف المدنيين السوريين من مدنهم وبلداتهم إلى محافظة البقاع، وتركز الجزء الأكبر منهم في بلدة عرسال (أكبر منطقة من حيث المساحة في لبنان بنحو 50 كيلومتراً مربعاً على الحدود مع سورية) بسبب موقعها الجغرافي القريب وتبنيها لقضية الثورة السورية. ومع سيطرة الحزب والنظام على البلدات والمدن، تحول معظم مقاتلي فصائل الجيش السوري الحر إلى لاجئين مدنيين في لبنان، والتحق عدد قليل منهم بمواقع تنظمي “الدولة الإسلامية” (داعش) و”فتح الشام” في الجرود المتصلة بين البلدين. وساهمت المعارك التي خاضها الحزب مع التنظيمين، وحروب التنظيمين في ما بينهما، في حصر رقعة انتشار مقاتليهما، والحد من تأثيرهما العسكري في المنطقة. وقد ساعد ذلك حزب الله في الاعتماد على سياسة تجويع هؤلاء في الجرود بدل خوض معارك مباشرة معهم.

ومع كل معركة في القلمون، كانت موجات اللجوء تستمر لأيام طويلة، يُنقل خلالها المدنيون والجرحى العسكريون والمدنيون عبر الممرات الوعرة إلى الأراضي اللبنانية. تحول مع هذا الواقع، قلب عرسال ومحيطها المتصل بالجرود إلى مخيم كبير يؤوي اللاجئين بالحد الأدنى من مقومات الحياة. وقد عانى المدنيون السوريون من تبعات معركة عرسال بين الجيش اللبناني من جهة وبين “داعش” و”فتح الشام” ، فسقط ضحايا مدنيون ومارست الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية ما يشبه العقاب الجماعي بحق كل سكان عرسال من اللبنانيين والسوريين.

عبدالرحمن عرابي
صحيفة العربي الجديد