ترامب يكبح اندفاعه في دعم إسرائيل لتخفيف الضغوط عليه

ترامب يكبح اندفاعه في دعم إسرائيل لتخفيف الضغوط عليه

رام الله – خفف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اندفاعه حيال جملة من الملفات الخارجية، بعد أن بدا واضحا أن ذلك سيعزز من حجم الضغوط عليه، التي بدأت مع حملته الانتخابية لتتصاعد في الأيام الأولى لتوليه منصب الرئاسة في الـ20 من يناير الماضي.

وترجم ذلك في تراجع نسبي لمواقفه بشأن عدد من المسائل الشائكة في الملف الفلسطيني وعلى رأسها مسألة الاستيطان، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الشرقية التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية.

وبعد تصريحات أثارت جدلا واسعا حول أن الاستيطان لا يشكل عقبة أمام السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال الرئيس الأميركي، الجمعة “لا أعتقد أن المضي قدما في توسيع الاستيطان يخدم السلام”.

وأوضح ترامب في حوار له مع صحيفة “إسرائيل اليوم” “المساحة المتاحة (للفلسطينيين) محدودة وكل مرة تأخذ الأرض للمستوطنات فإن المساحة تقل، أنا لا أعتقد أن المضي قدما في هذا يساعد السلام”.

وسبق أن وجه ترامب انتقادات لاذعة للإدارة الأميركية السابقة لمواقفها المناهضة للاستيطان وتحجيمها رفع الفيتو على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقفه، وذلك قبل شهر من انتهاء ولايتها.

وكانت من المرات النادرة التي لا تستعمل فيها واشنطن سلاح الفيتو لإجهاض مشروع قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل، ما فهم منه آنذاك أن خطوة الرئيس السابق باراك أوباما تأتي ردا على دعم الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو لترامب في حملته الانتخابية على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وأثارت خطوة أوباما وقتها ضجة في إسرائيل قبل أن تهدأ الأمور بتولي ترامب السلطة، حيث سارعت حكومة نتنياهو إلى الإعلان عن بناء المئات من الوحدات الاستيطانية، فضلا عن إقرار الكنيست الإسرائيلي قانونا يجيز امتلاك أراض خاصة بالفلسطينيين في الضفة الغربية.

ويقول متابعون للشأن الأميركي، يبدو أن ترامب الذي يتهمه البعض بأنه يتعامل مع السلطة وفق منطق “رجل أعمال” بدأ يدرك أن دفع “شيك على بياض” لحكومة نتنياهو سيكون له تداعيات وخيمة، خاصة على صورة الولايات المتحدة التي يحرص على إعادة “هيبتها”.

وكان ترامب قد اتخذ في الأيام الأولى من توليه الرئاسة قرارات أثارت موجة استياء عارمة، ولعل أخطرها كان قراره في 27 يناير بحظر السفر إلى الولايات المتحدة على مواطني سبع دول مسلمة وهي سوريا والعراق والسودان والصومال، واليمن وإيران وأفغانستان.

إسرائيل التي تنعم حاليا باستقرار في محيط عربي متلاطم ليس في صالحها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس

وأدى هذا القرار إلى مظاهرات حاشدة في العديد من الدول، كما دفع ترامب إلى الدخول في اشتباك مع السلطة القضائية الأميركية التي جمدت قراره.

ويعتقد أن هذا كان له تأثير في كبح اندفاعة ترامب، الذي قال في حواره مع الصحيفة الإسرائيلية إنه لا يزال في مرحلة دراسة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهي مسألة أخرى أثارت جدلا واسعا مؤخرا.

وأكد “أفكر في الموضوع، وسنرى ماذا سيحدث، هذا ليس بالقرار السهل، لقد تم بحثه على مدى سنوات، لا أحد يريد اتخاذ هذا القرار وأفكر فيه بجدية”، مما يعد تحولا عن موقفه خلال حملته الانتخابية.

وكان ترامب قد أعلن، في نوفمبر الماضي، أنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس في حال وصل إلى الرئاسة، وهي خطوة خطيرة، لطالما رفض الرؤساء الأميركيون السابقون تحمل مسؤوليتها رغم وعود البعض بذلك خلال حملاتهم الانتخابية على غرار بيل كلينتون وجروج بوش الابن.

ويوجد قرار أميركي اتخذه الكونغرس في العام 1990، ينص على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وشدد الرئيس الأميركي عقب توليه منصبه رسميا على أنه جاد في تنفيذ ما وعد به، عقب ضغوط إسرائيلية تطالبه بالإسراع في ذلك.

وقبل أسبوعين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “يجب على السفارة الأميركية أن تكون هنا في القدس”.

والقدس هي إحدى أبرز النقاط الخلافية التي تقف حاجزا أمام التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ورغم وجود اعتراف دولي بأن القدس الشرقية عاصمة فلسطين المستقبلية، إلا أن إسرائيل تصر على أنها عاصمتها الأبدية.

وفي حال تم نقل السفارة الأميركية، فمن المتوقع أن تكون هناك ردود أفعال كبيرة، وقد تستغل المسألة بعض الجماعات الجهادية مثل داعش لاستقطاب المزيد من الشباب الفلسطيني والعربي، لتحقيق أهدافها التدميرية.

وهذا بالتأكيد كان محور حديث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، قبل أيام.

وكان الملك عبدالله قد أعلن من واشنطن أن هذه الخطوة لا تهدد فقط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا بل إنها تتجاوزها وتهدد بإشعال حريق في المنطقة بأكملها سيكون المتضرر منه الجميع.

ويرجح مراقبون أن يكون الملك عبدالله قد لعب دورا مهما في إقناع الإدارة الأميركية بالتأني وعدم السير في هذا الخيار.

وقال ترامب في حواره “أريد السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأعتقد أن السلام سيكون رائعا لإسرائيل وليس فقط جيدا”.

وأضاف “البعض يعتقد أن التوصل إلى اتفاق ليس ممكنا، أنا لا أتفق معهم، أعتقد أن بإمكاننا الوصول إلى اتفاق ونحن بحاجة للتوصل إليه”.

ودعا الرئيس الأميركي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى “التصرف بشكل منطقي”.

ويعتبر محللون أن خطوة نقل السفارة لا تخدم فقط الإدارة الأميركية فحتى إسرائيل التي تنعم حاليا باستقرار في محيط عربي متلاطم ليس في صالحها هذا الأمر، لأنه قد ينسف هذا الاستقرار ويجعلها في “فوهة مدفع”، والعديد من المسؤولين الإسرائيليين واعون بذلك الأمر، وإن كانوا لا يعلنونه.

وقد لوحظ أن الضغط الإسرائيلي سواء الإعلامي أو الدبلوماسي على ترامب حيال هذه النقطة بالذات، قد خف بشكل واضح.

ويتوقع أن زيارة بنيامين نتنياهو الأربعاء المقبل إلى الولايات المتحدة، ستتطرق باستفاضة إلى هذه المسألة، وقد يتم الاتفاق بينهما على تأجيل تنفيذ الأمر إلى أن تحين اللحظة المناسبة لذلك.

العرب اللندنية