أعداء “داعش” يتجمعون للاستيلاء على الرقة.. ولكن متى -وكيف؟

أعداء “داعش” يتجمعون للاستيلاء على الرقة.. ولكن متى -وكيف؟

سوف تفقد “الخلافة” التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، “داعش”، آخر مدينتين حسب أي مسار -الموصل في العراق والرقة في سورية- خلال أشهر، وفق ما ذكره جنرال أميركي رفيع المستوى في المنطقة.
متحدثا أثناء جولة له في شمال بغداد هذا الأسبوع، قال الجنرال ستيفن تاونسند، قائد قوة المهمات المشتركة، أن المرحلة التالية من العملية العسكرية العراقية لاستعادة الموصل ستنفذ قريبا جدا.
وتعتبر المدينة التي تضم سكانا يبلغ عددهم حوالي 300.000 نسمة المقر الرئيسي الإداري لـ”داعش”، ومركزه لتخطيط الهجمات الإرهابية في الخارج. وقبل وقت ليس طويلا، كان “داعش” يسيطر على مساحات شاسعة من الأرض بين الرقة والحدود التركية، مما سمح لنحو 2.000 مقاتل أجنبي من الوصول إلى “الأرض الموعودة” كل شهر تقريباً.
والآن أصبح معظم هذه الأرض تحت سيطرة أعداء المجموعة. وقد تلقت قيادتها ومستودعات أسلحتها وعائداتها النفطية في سورية الضربات منذ أشهر.
وكان “داعش” قد فقد 23 % من أراضيه في العراق وسورية في العام الماضي، وفق شركة المستشارين الأمنيين “أي أتش أس جينز”. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فقد “داعش”
حوالي 3.400 كيلومتر مربع حول الرقة، في قوس عريض إلى الشمال من المدينة. وتجدر الإشارة إلى أن آخر معقل مهم للمجموعة في الشمال من الرقة –بلدة الباب- يتعرض لقصف لا يرحم من جانب الطائرات الأميركية والروسية والتركية.
في الأثناء، يجد “داعش” نفسه وهو يصد الأعداء في كل الاتجاهات، في مساحة عدة مئات من الكيلومترات المربعة، والكثير منها مفتوح وحيث تكون كل حركة لأي تعزيزات ضخمة عرضة لهجمات جوية. لكن ما يستفيد منه “داعش” –حتى الآن- هو أن هناك القليل من التنسيق بين أعدائه على الأرض، حيث لا يبدو أي أحد منهم متمتعاً بقوة كافية تمكنه من الاستيلاء على الرقة وحده.
وكان “داعش” قد بنى دفاعات متعددة الطبقات حول المدينة، وسوف يقاتل بين سكان مدنيين خاضعين للحصار.
ثلاثة متنافسين
خلفت الحرب السورية الطويلة مجموعة مربكة من الفصائل، لكن ثمة أساسا ثلاثة متنافسين في “السباق” على الرقة:
• قوات سورية الديمقراطية، وهي تحالف للمجموعة الكردية الرئيسية في شمالي سورية (وحدات حماية الشعب) مع عدة مجموعات وقبائل عربية.
• خليط من مجموعات الثوار المدعومة تركياً، تدعمها قوات خاصة تركية ودعم جوي تركي (وأحياناً قوة جوية روسية).
• الجيش السوري، مدعوما من ميليشيات موالية للحكومة وميليشيات إيرانية شبه عسكرية وميليشيات حزب الله اللبناني الشيعي (وغالباً من جانب قوة جوية روسية).
هذه المجموعات تتنافس، وتتعاون أحياناً بهدوء، لكنها غالبا ما تتجاهل بعضها بعضا فقط.
في الوقت الحالي، تبقى قوات سورية الديمقراطية هي الأقرب إلى الرقة –على مسافة أقل من 20 كيلومتراً في بعض الأماكن، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين- بعد تقدمها بشكل سريع ومقنع عبر السهول القاحلة قليلة السكان. لكن عليها تطهير بلدة طبقة، التي تحتضن سداً مهماً على نهر الفرات، من “داعش”.
وكانت هذه القوات قد تلقت دعما كبيرا من طائرات الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة -التي نفذت نحو 20 ضربة جوية في اليوم في منطقة الرقة مؤخرا، وفق أرقام نشرها التحالف.
وكان من بين الأهداف التي تم قصفها جسران على نهر الفرات كانا مهمين لحركة “داعش”. والآن أصبح من الأكثر صعوبة عليهم التنقل إلى معقلهم والخروج منه.
عزل الرقة
بكلمات القيادة المركزية الأميركية، فإن “تعطيل الجسرين سيزيد أكثر من عزلة مقاتلي داعش، وسيكون عليهم أن يجربوا حظوظهم، فإما أن يقاتلوا ويموتوا، وإما أن يستسلموا لقوات سورية الديمقراطية”.
سيكون الهدف التالي لقوات سورية الديمقراطية هو قطع اتصالات “داعش” بين الرقة  ودير الزور إلى الشرق، مما سيجعل من الأكثر صعوبة على المجموعة استخدام الحدود السورية التركية.
يقدر مسؤولو الائتلاف أن قوات سورية الديمقراطية تستطيع حشد ما يصل إلى 50.000 مقاتل في حالات مختلفة من الجاهزية والقدرة. وتعتبر وحدات حماية الشعب الجزء الأكثر فعالية والأكثر عدداً من هذه القوات. لكن المكون العربي ارتفع في الأشهر الأخيرة إلى أكثر من 20.000 مقاتل، منهم 13.000 دقق ملفاتهم الجيش الأميركي، ما يعني أنهم يستطيعون تلقي التدريب والأسلحة. وقد ازداد الدعم الأميركي لقوات سورية الديمقراطية ليشمل إرسال قوات أميركية خاصة إضافية على الأرض، وإمدادها بقبضة من العربات المدرعة.
وكان مسؤولون عسكريون أميركيون قد أصروا على أن هذه الأسلحة ستذهب إلى الفصائل العربية وليس إلى وحدات حماية الشعب الكردية، في جهد لإقناع تركيا التي ترى أن وحدات حماية الشعب ترتبط بالمتشددين الأكراد في داخل تركيا.
وعلى العكس من ذلك، تكافح الفصائل المدعومة من جانب تركيا للتغلب على مقاومة “داعش” العنيدة في وحول الشمال الأبعد من مدينة الباب، والبقاء بعيدا عن الرقة. وقد حاولت قوات النظام السوري تحقيق تقدم باتجاه المدينة، لكنها رُدت على أعقابها مرتين. وللمرة الثانية، استولى “داعش” على مدينة تدمر بإرثها الأثري النفيس في كانون الثاني (ديسمبر) الماضي. وكان الجيش السوري والميليشات الداعمة له قد ركزوا على استعادة حلب والاحتفاظ بها وتأمين الطرق الرئيسية التي تربط الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. وتشكل استعادة الرقة مهمة بعيدة المنال راهناً، وتبعد حوالي 150 كيلومتراً عن أقرب خط أمامي لقوات النظام.
كارثة إنسانية في الانتظار؟
ما يمنع الانهيار التام (وغير المرجح) لمقاومة “داعش” حقيقة أن الهجوم النهائي على الرقة سيكون قتالا شديدا من شارع إلى شارع. وسيكون أكبر من طاقة وقدرة المكون العربي من قوات سورية الديمقراطية وحدها.
وتجدر ملاحظة أن عملية استعادة نصف الموصل، الذي هرب المدنيون منه إلى مخيمات خارج المدينة بفضل التواجد الكثيف لوكالات الأمم المتحدة، استغرقت من الجيش العراقي، الذي حظي بدعم جوي هائل من الائتلاف، ثلاثة أشهر.
لكن هذا الخيار غير متاح بالنسبة للرقة، مما يعني أنها يمكن أن تتحول بسرعة إلى كارثة إنسانية.
ويقول كولوم ستراك من شركة (آي. أتش. أس): “قد يتطلب الأمر تدخلا بريا رئيسيا من جانب اللاعبين الخارجيين الرئيسيين -الولايات المتحدة وتركيا أو روسيا وقوات الحكومة السورية المدعومة إيرانياً- لطرد داعش من الرقة”.
دور ترامب
السؤال الكبير هو: من من هؤلاء اللاعبين الخارجيين سيتدخل وما إذا كانوا سيعملون سوية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تحدث عدة مرات عن التعاون مع روسيا ضد “داعش” في سورية. وفي مكالمته الهاتفية مع الرئيس فلاديمير بوتين يوم 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، اتفق الزعيمان، وفق الكرملين، على “تأسيس تنسيق فعلي” ضد “المجموعات الإرهابية” العاملة في سورية.
كما تتحرك إدارة ترامب أيضاً في اتجاه تحسين العلاقات عم تركيا، والتي تأثرت بشدة في الأشهر القليلة الأخيرة من إدارة أوباما بسبب دعم الإدارة للأكراد السوريين، من بين أمور أخرى.
وكان الرئيسان ترامب ورجب طيب أردوغان قد تحادثا مؤخراً، وذكرت وكالة أخبار أناضولا شبه الرسمية أنهما اتفقا خلال المحادثات على التعاون لإخراج “داعش” من مدينتي الباب والرقة. وكان بيان البيت الأبيض أقل تحديداً.
أعد مسئولو الدفاع الأميركيون مجموعة متنوعة من الخيارات، بما في ذلك إضافة مئات -أو حتى آلاف- من جنود القوات البرية الأميركية (ولو مع عدم المشاركة) في الهجوم على الرقة. وثمة خيار آخر يكمن في تسليح المقاتلين الأكراد، مع من الواضح أن ذلك سيغضب تركيا. وذكرت الوكالة التركية “أناضوليا” أن أردوغان ذكًر ترامب خلال حديثهما بوجهة نظر تركيا من وحدات حماية الشعب الكردية.
يعتقد البعض في داخل الجيش الأميركي بأن زج قوات برية أميركية هو مخاطرة كبيرة جداً. وفي آخر مقابلة له كوزير للدفاع، قال آشتون كارتر لوكالة أخبار الأسوشيتدبرس، أن المزيد من القوات الأميركية يعني “القتال وفق شروط العدو، أي جعل مشاة يقاتلون في بلدات بلد أجنبي”.
بينما يصبح فضاء المعركة أكثر اكتظاظاً وميوعة، ثمة خطر ارتكاب الأخطاء. وكانت طائرات روسية قد قتلت ثلاثة جنود أتراك بالقرب من الباب في الأسبوع الماضي. ولاحظ الكولونيل جون دوريان، الناطق بلسان التحالف، أن المنطقة “أصبحت أكثر تعقيداً بينما تتجمع القوات حول الباب، ولذلك سوف نحافظ على قناتنا لتجنب الاشتباك مع الروس”.
سوف تساعد الحملة من أجل الرقة في تشكيل موقف الإدارة الأميركية حول التدخلات العسكرية في الخارج، وشهيتها للتعاون مع روسيا، ونظرتها إلى مستقبل سورية. وثمة الكثير مما هو على المحك.

تيم ليستر

صحيفة الغد