الفساد والمحسوبية يواصلان عرقلة إقرار الموازنة اللبنانية

الفساد والمحسوبية يواصلان عرقلة إقرار الموازنة اللبنانية


تحاول الحكومة اللبنانية تحقيق إنجاز فشلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 في تحقيقه وهو إقرار موازنة جديدة تعيد رسم الحياة الاقتصادية بالبلاد، لكن مساعيها تصطدم بعوائق تتعلق معظمها بكيفية توظيف أموال الدولة بالطرق الصحيحة.

ويقول اقتصاديون إن من بين العراقيل التي تواجهها الحكومة رفض أصحاب المصالح المبـاشرة مـن المصرفيين والمستثمرين وأصحاب العقارات، قبول أي اقتراحات تقضي بفرض ضرائب على أرباح البنوك أو على الأملاك المبنية والأراضي المملوكة.

وبرزت كذلك اقتراحات تقضي بفرض ضرائب باهظة على الكحول المستوردة تصل إلى حدود 500 بالمئة واستخدام ما يتوقع أن تحققه هذه الضريبة من مداخيل في تمويل سلسلة الرتب والرواتب التي تأخر إقرارها لعدم توفر الموارد المالية المناسبة.

ويعتبر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن “باقة الضرائب المقترحة التي تبلغ 27 مشروعا ضريبيا تكاد تكون عديمة الجدوى”، مشيرا إلى وجود تحايل في ما يتعلق بالغرامات المفروضة، على سبيل المثال، على الأملاك البحرية والنهرية.

وأوضح أن منطق المشروع الضريبي على الأملاك البحرية يقوم على تشديد الغرامات في حال كانت تراخيص البناء طبيعية وشرعية، ولكن المفارقة تكمن في أن قيمة تأجير متر الأرض في منطقة “الزيتونة ب” الفاخرة لا تتجاوز نحو 1.65 دولار شهريا.

وأكد أنه من الصعب للغاية تمرير مشاريع فرض الضرائب على الكحول والتبغ، لأن الموضوع “خاضع لاعتبارات طائفية، حيث تعمل طائفة معينة في مجال الكحول وتعمل طائفة أخرى في مجال التبغ”.
جاسم عجاقة: باقة الضرائب المقترحة التي تبلغ 27 مشروعا تكاد تكون عديمة الجدوى

وذكر أنه أجرى دراسة حول القيمة التي يفترض أن تجمعها الغرامات على الأملاك البحرية في حال تم تحديدها بشكل طبيعي، مؤكدا أن الأرقام التي خرجت بها دراسته تشير إلى المليارات من الدولارات المهدورة سنويا.

ويسيطر أصحاب النفوذ في لبنان على مساحة من الأملاك البحرية تبلغ 495 ألف متر مربع، والملاحظ أن جميع مشاريع الضرائب المقدمة في إطار مشروع الموازنة لا تشير إلى فرض ضريبة على هذه المساحات.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن كل شبكة الضرائب المقترحة، في حال تم تطبيقها، لا يمكن أن تدخل إلى خزينة الدولة مبلغا في حدود 1.8 مليار دولار، بينما تطبيق الغرامات على الأملاك البحرية سيدخل للخزينة مبالغ أكبر بكثير من كل الحصيلة المتوقعة من مجموعة الضرائب.

ويرى أن هناك اتجاها يميل إلى “فرض الضرائب المباشرة في المكان الخاطئ، وهو ما يتسبب في آثار مضاعفة حتى ولو كان حجمه يبدو بسيطا للوهلة الأولى”.

وسينعكس حجم الزيادة المتوقع في الضرائب على مجالات عديدة مثل قطاع الوقود، وهو ما سيتسبب في موجة ارتفاع أسعار تطال أقساط المدارس وسعر الخبز وكلفة النقل العام وغيرها.

ويرفض عجاقة الحجج التي تنسب العجز في مشروع الموازنة إلى سلسلة الرتب والرواتب. ويؤكد أن كلفة السلسلة لا تتجاوز 800 مليون دولار، في حين أن حجم العجز المتوقع يبلغ 2.5 مليار دولار، وإذا تم خصم قيمة تمويل السلسلة فإن حجم العجز يبقى عند 4.4 مليار دولار.

وتجتمع مشكلات الفساد والهدر مع مشكلات التوظيف العشوائي في مؤسسات الدولة المفروض سياسيا، لتوجد واقعا اقتصاديا سيئا حيث تبلغ كتلة الأجور التي تدفعها الدولة، وفق إحصاءات العام الماضي، أكثر من 50 بالمئة من الدخل العام للدولة.

ولا ينكر عجاقة أن الموازنة تستهدف الفقراء لأنها تفرض عليهم تغطية أعباء العجز الناتج عن الفساد المحمي سياسيا.

وهناك مشكلات قائمة أساسا يمكن أن توفر لخزينة الدولة أموالا كثيرة من خلال ضبط الضرائب على قطاع مواقف السيارات.

75 مليار دولار، حجم الدين العام للدولة حاليا، مقارنة بنحو 38 مليار دولار في عام 2005

وشملت الدراسة التي أعدها عجاقة ألف موقف سيارات، وتبين بعدها أنها يمكن أن تؤمن للدولة في حال تم ضبط عملية جناية الضرائب منها حوالي 500 مليون دولار سنويا، مع العلم أنه توجد في لبنان الآلاف من مواقف السيارات.

وتخسر الدولة بسبب الانفلات الجنوني لأسعار استهلاك الكهرباء القادمة من شبكة المولدات التي يشرف عليها القطاع الخاص حوالي 132 مليون دولار سنويا.

ومن المتوقع حصول اتفاق حول مشروع الموازنة بعد إجراء تعديلات عليه، ويعتبر البعض أن إقراره بالصيغة الحالية يبقى أفضل من بقاء البلاد دون موازنة.

وتسبب عدم إقرار موازنة منذ 12 عاما في تضخم حجم الدين العام بشكل كبير، حيث قفز من 38 مليار دولار في عام 2005، ليلامس حدود 75 مليار دولار اليوم.

ويقول محللون إن نجاة لبنان من فخاخ الأزمة في 2016، لا يعني أن خطرها انحسر وأن العلاجات التي تلقاها قد لا تنجح لفترة طويلة، في ظل الأزمات السياسية التي تفرض إيقاعها السلبي على الحياة الاقتصادية.

العرب اللندنية