التاريخ يعيد نفسه: أكبر تهديد للأمن منذ الحرب العالمية الثانية

التاريخ يعيد نفسه: أكبر تهديد للأمن منذ الحرب العالمية الثانية

الناتو في خطر والغرب يفقد تماسكه. وتعلمنا الدروس المستقاة من الماضي أن نقف بحزم ضد أولئك الذين يسعون إلى تقويض الإطار الأمني العالمي الذي جعلنا آمنين منذ الحرب العالمية الثانية.
* * *
تواجه الولايات المتحدة ومعها حلفاؤنا الدوليون الذين يشكلون حجر الزاوية فيما يوصف بحق بأنه “العالم الحر”، أكبر تهديد للاستقرار العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الأثناء، تتفكك بسرعة ترتيبات أمنية مثل منظمة معاهدة شمال الأطلسي (الناتو)، التي أبقت علينا آمنين على مدى أكثر من سبعة عقود وحمتنا من صراع عالمي آخر. هذه هي المخاوف العميقة التي أحملها معي لأثيرها في مؤتمر ميونخ للأمن.
هنا في أميركا، أشاهد تآكل تحالفاتنا بسبب زيادة التوترات في عموم أنحاء العالم، والتي تغذيها الأصوات الغاضبة في الوطن. وتهدد هذه القوى مستقبل إطار عمل الأمن الدولي الذي لطالما كفل أمن الولايات المتحدة والدول المشاركة معها في عالم مستقر، وفي تأمين الانسياب الحر للأفكار والتجارة. ولدى سماع تلك الأصوات، يعيد العديدون هنا التفكير مرة أخرى في التحالفات وفي العلاقات التي خدمتنا بهذا الشكل الجيد في حقبة ما بعد الحرب.
يفضل الكثيرون جداً من أبناء وطني أن نظل هنا في الوطن بدلاً من دعم حلفائنا منذ أمد طويل. وتتجذر مخاوف مشابهة في العديد من تلك الدول الحليفة.
نظام عالمي آمن ومستقر
لماذا أشعر بالقلق، كحاكم لولاية أميركية، والذي سيركز بغير ذلك على السياسات المحلية وتقديم الخدمات العامة لنحو 11.7 مليون شخص في أوهايو؟ يعود ذلك إلى أن ولايتي ما تزال تستعيد اقتصادها وتخلق الوظائف لعمال أوهايو من خلال الحفاظ على مواكبة مطالب ومكافآت الاقتصاد العالمي. وأرى أن نظاماً عالمياً آمناً ومستقراً ومفتوحاً أمام التبادل الحر للسلع والتكنولوجيا هي أمور ضرورية لرفاه ولايتي.
هذه مكامن قلق جديدة بالنسبة لي. وقد خدمت تسع دورات في الكونغرس، بما في ذلك 18 عاماً في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي. ومن تلك المنظورات، كنت أخشى من هذا التفكيك لبعض الوقت، لكن مخاوفي تضاعفت بسبب التهديد الأحدث الموجه لحلفائنا في الولايات المتحدة وفي الخارج على حد سواء.
لماذا تعتبر هذه التحالفات ضرورية لأوهايو ولكل أميركا؟ إنها أكثر من مسألة حماية حدودنا الخاصة والمحافظة على هويتنا القومية، وقد تكون بنفس أهمية تلك الأهداف. إنها أيضاً تتعلق بحماية القيم الإنسانية الجمعية التي تديم الولايات المتحدة حتى الآن؛ قيم مثل حرية الرأي والاحترام التام للجميع من دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وعالم مفتوح للشراكة والسفر والتجارة الحرة.
هذه هي القيم المشتركة التي نؤمن بها نحن والأمم المتحالفة معنا؛ نفس القيم التي يسخر منها آخرون وينكرونها على أولئك الخاضعين لحكمهم.
التاريخ يتكرر
على مدى سبعة عقود مليئة بالإجهاد منذ الحرب العالمية الثانية، ظلت هذه القيم والمعايير الأخلاقية التي نعتنقها هي أساس إطار العمل الأمني الدولي، بما في ذلك حلف الناتو الذي ساعدنا في تجنب خوض حرب عالمية وزود شركاءنا بفرصة اقتصادية واسعة مع التجارة الحرة. وكان العالم يسير على هذا الطريق من قبل ولم ينته به الحال إلى شيء جيد. مرتان من قبل؛ عشية الحرب العالمية الأولى ومرة أخرى في الأيام المظلمة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، شهدنا زعزعة للاستقرار على الصعيد الإقليمي، والذي أفضى بسرعة إلى نشوب صراع عالمي —تاركاً عشرات الملايين من القتلى ومساحات شاسعة من العالم مدمرة.
والآن يهدد التاريخ بتكرار نفسه، ونستطيع رؤية بعض هذه القوى الضارة نفسها قيد العمل: حيث حلف الناتو يضعف، والصراعات تكبر في مناطق مثل جورجيا والقرم وشرق أوكرانيا. وثمة توترات دائمة في الشرق الأوسط تنضم إليها غيوم عاصفة في كوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي —ويهددها كلها ويتوعدها الإرهاب الدولي. وتضيف الدعوات التي وجهت للتفكيك والانعزال وتفكيك التجارة إلى الشعور بأن عالمنا أصبح مفككاً.
من نافلة القول التشديد على أن كل واحدة من أممنا المتحالفة تكون أكثر أمناً عندما تعم الحرية والديمقراطية وحكم القانون كل العالم. وفي أماكن مثل أوكرانيا، ثمة توق كبير لهذه القيم، ويجب علينا تشجيع تلك الرغبة وليس إحباطها.
مخطئة وساذجة هي الفكرة التي تقول بأن من الأسلم للأميركيين البقاء في الوطن بدل التضحية بتقديم الدعم من أجل أوكرانيا حرة في مقابل إقامة علاقة أفضل مع روسيا —التي تستمر في إنكار تدخلها غير المقبول في انتخاباتنا الرئاسية. ويقود عدم تلازمها مع مُثُلنا المشتركة الحلفاء الآخرين إلى الشك في العزيمة الأميركية. إن بوتين يحترم القوة، وهو أحد الأسباب التي تجعلني أدعم تبني عقوبات أقسى ضد روسيا ودائرة بوتين الداخلية.
لن نحصل على فرصة ثانية
ثمة مسوغ آخر لقلقنا، والذي يكمن في أنّ حلفاءنا الذين كانوا ذات مرة متيقظين حذرين فشلوا في التعامل مع أكثر القضايا الملحة التي تواجههم؛ تحديات مثل أزمة اللجوء والحدود الآمنة والأمن السايبيري وتقاسم المعلومات الاستخبارية في وجه الإرهاب. وتمس حاجتنا إلى تقويم نقاط الضعف تلك، وإنما بطرق تساعد حلفاءنا على التطور وليس إلقاء القيم الكامنة بعيداً والتي جمعتنا سوية وحافظت على السلام للعديد جداً من العقود.
بدلاً من السماح للتاريخ بإعادة عرض دروسه المحزنة، حان الوقت لكي نعيد الآن اكتشاف روح الوحدة والتضامن الاجتماعي اللذين نحتاجهما لاستعادة واستئناف العمل في ديمقراطياتنا الخاصة. ويجب علينا أن نجد في أنفسنا أيضاً مرة أخرى الشجاعة للوقوف دفاعاً عن قيمنا على الصعيد الدولي؛ القيم التي بني على أساسها نظام أمننا المشترك، وهو ما أصبح سهلاً جداً علينا أخذه كأمر مسلم به.
يعلمنا التاريخ أن الحاجة تتطلب عزيمة شجاعة من أجل الحفاظ على القيم المستندة إلى تحالفات جعلتنا ننعم بالأمن لسبعة عقود. ومن دون التزام مشترك بالحرية، كيف يكون لنا أن نتوقع لها الاستدامة؟
هذا هو السبب في أنه يجب علينا أن نؤكد لدول البلطيق وأوكرانيا التي تعيش تحت رحمة روسيا، بأن الولايات المتحدة ستكون هناك لمساندتهم إذا نشأت مشاكل. ولا يمكن التسامح مع التخويف الروسي لحلفائنا في حلف الناتو أو للأمم الأخرى الحرة.
بدلاً من الاستماع إلى أغنية الحوريات من الرسل الزائفين، يجب علينا إعادة تعلم العمل سوية مع احترام وجهات النظر المعارضة، والبحث عن الأرضية المشتركة وإعادة الالتزام بالقيم المشتركة التي ستساعدنا جميعاً في إعادة التأكيد على إنسانيتنا المشتركة.
يعطي مؤتمر الأمن في ميونيخ 2017 قادة الدول الشريكة فرصة استثنائية للعمل في اتجاه تقوية تحالفاتنا وإعادة تكريس أنفسنا للقيم التي بنيت على أساسها وشائج الثقة.
وما لم نستطع إيجاد الشجاعة والوحدة للدفاع عن قيمنا فلن ننجح. ولكن يجب علينا أن ننجح.

جون كازيتش

صحيفة الغد