الأزمة السياسة في إسرائيل: البدائل والسيناريوهات المحتملة

الأزمة السياسة في إسرائيل: البدائل والسيناريوهات المحتملة

مع بدأ التحقيق في اغسطس الماضي مع رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو”، فإن النظام السياسي الإسرائيلي دخل في أزمة مركبة، باعتباره يولد أزمة في داخل حزب الليكود الحاكم، وأزمة على مستوى النظام الساسي ككل، على اعتبار أن حزب الليكود هو الذي يقود الحكومة الحالية، وهذا يتطلب تشخيص الأزمة وتقيم وضع رئيس الحكومة “نتنياهو”، ودراسة البدائل المتاحة أمام حزب الليكود الحاكم، والسيناريوهات المحتملة أمام الشخصيات والأحزاب السياسية لقيادة النظام السياسي.

أولاً: تشخيص الأزمة وتقييم وضع رئيس الحكومة.

أعلن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية في اغسطس الماضي فتح تحقيق في أعقاب معلومات تم الحصول عليها من مصادر استخبارية تتعلق برئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”([1])، ومنذ ذلك الحين بدأ التحقيق معه في أربعة قضايا على التوالي عرفت إعلامياً بملفات رقم (1000، 2000، 3000، 4000))[2](:

القضية الأولى، المعروفة إعلامياً بملف رقم (1000)، حيث أجاز المستشار القضائي للحكومة في أواخر شهر سبتمبر 2016 للشرطة فتح تحقيق جنائي ضد “نتنياهو” في قضية تلقي رشوة من من أربعة رجال أعمال، الأول رجل الأعمال اليهودي ” أرنون ميلتشين”، وتتضمن الرشوة تلقي زوجته زجاجات شمبانيا، وتلقيه سجائر كوبية بمبلغ (400,000 شيقل) ما يعادل (104,000$)، مقابل مساعدة “ميلتشين” في تمديد تأشيرة البقاء في الولايات المتحدة، حيث طلب نتنياهو من وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” ثلاث مرات التدخل من أجل حصول “ميلتشين” على تأشيرة اقامة في الولايات المتحدة، وتم الحصول عليها بالفعل، اضافة إلى قيام رجل الأعمال الاسترالي “جيمس باكر” بدفع ثمن وجبات لعائلة نتنياهو في منزلها في قيسارية، بالإضافة الى السيجار والشمبانيا([3])، وبحوزة الشرطة إيصالات هدايا تصل قيمتها إلى (400,000) دولار حصل عليها نتنياهو على مدى سنوات عدة من “أرنون ميلتشين”، تمت مصادرتها أثناء مداهمة الشرطة لمكاتب ميلتشن في مدينة “رمات غان” في إسرائيل([4]).

القضية الثانية، والمعروفة اعلامياً بملف رقم (2000)، وتتعلق بإجراء اتصالات بين رئيس الحكومة “نتنياهو” ومالك صحيفة “يديعوت أحرونوت” “أرنون موزيس”، وعقد صفقة تسمى (الواحدة بواحدة)، مضمونها أن يعمل نتنياهو على الدفع باتجاه سن قانوناً يمنع نشر صحيفة “اسرائيل اليوم” المجانية المنافسة، مقابل أن تعمل صحيفة “يديعوت احرونوت” على مساعدة “نتنياهو على البقاء في السلطة، من خلال تغطية أكثر ايجابية، وإشراك صحفيين مؤيدين له للكتابة في الصحيفة([5])، وتملك الشرطة تسجيلين، يحتوي كل منهما على ساعات من الحديث بين “نتنياهو” و”أرنون موزيس”، تم تسجيلها في مناسبات عدة، وتتضمن تفاصيل الصفقة بين الطرفين([6]).

القضية الثالثة، والمعروفة اعلامياً بملف رقم (3000)، مضمونها أن نتنياهو أصرّ على شراء (3) غواصات متطورة من شركة ألمانية تقدر قيمتها حوالي (6) مليار شيقل ما يعادل (1.5) مليار يورو، دون علم رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع السابق “موشيه يعلون”، وعند اكتشاف الأمر تم معارضتها من قبل ” يعلون” الذي نجح في افشال الصفقة في حينها، غير أن نتنياهو استمر باجراءات استكمال الصفقة بعد اعتزال “يعلون” وتولي “ليبرمان” وزارة الدفاع بدلاً منه، خدمةً لمصالح مقربين منه، في اشارة إلى “دافيد شيمرون” المحامي الشخصي لنتنياهو، والذي عَمِلَ ممثلاً لمندوب الشركة الألمانية في إسرائيل “ميكي غانور”، كذلك حاول “شومرون” ضمان استمرار الشركة الألمانية بصيانة الغواصات بعد وصولها اسرائيل، وليس سلاح البحرية الإسرائيلي([7]).

القضية الرابعة، والتي تُعرف بـملف رقم(4000)، تحظى بسرية كبيرة، ولا تتوفر حولها أي تفاصيل([8]).

مؤخراً عملت الشرطة الإسرائيلية على توسيع التحقيق في هذ القضايا، حيث استدعت بتاريخ 12 يناير 2017 زوجة رئيس الوزراء “ساره نتنياهو” للأدلاء بشهادتها في القضية رقم (1000)، وأيضاً مالك صحيفة “يديعوت أحرنوت” للإدلاء بشهادته في القضية رقم (2000)، وكذلك استدعاء وزير حماية البيئة “زئيف الكين” من حزب الليكود، ووزير السياحة “ياريف لفين” للإدلاء بشهادتهما)[9](.

اضافة لذلك فإن جزء كبير من الدائر الأولى المحيطة “بنتنياهو” تعرض للتحقيق بقضايا فساد متعددة، حيث خضعت زوجته للتحقيق في وحدة مكافحة الفساد التابعة للشرطة لمدة 12 ساعة، متهمة بسلوك غير لائق، وبسوء إستخدام أموال الدولة المتعلقة بمنزل رئيس الوزراء الرسمي، والحصول على سلع بحجج واهية، وتزوير وثائق، وخيانة الأمانة العامة، وأواصت الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضدها، وتم تحويل نتائج التحقيق إلى النيابة العامة للبت والقرار حولها)[10](، كذلك تم اعتقال”آري هارو” رئيس الطاقم السابق في مكتب رئيس الوزراء “نتنياهو” لحظة وصوله لمطار “بن غوريون الدولي” ووضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله، والتحقيق معه في قضيتين الأول بتهمة جمع الأموال لحملة نتنياهو الإنتخابية، والثانية بتهمة غسيل الأموال، وإرتكابه مجموعة من الجرائم خلال عمله في مكتب رئيس الوزراء، ويدور التحقيق حول قيامه ببيع شركة الخدمات الإستشارية “3H Global”، الحكومية بقيمة (3) مليون دولار ولم يحصل على المبلغ بالكامل، ما يشير إلى وجود صفقة بيع وهمية ([11]).

هذه القضايا سواء تم اثباتها أو لا فإنها تركت آثارها السلبية على نتنياهو على الصعيد الشعبي و السياسي، شعبياً معظم الإسرائيليين لا يصدقون نفيه إرتكاب أي مخالفات في التحقيقات الجارية ضده بتهم الفساد، حيث يعتقد (54%) من المشاركين في استطلاع رأي القناة الثانية الإسرائيلية أن الشبهات ضده في قضيتي (1000 و2000) مسنودة بالأدلة، في ذات الوقت يرى (44%) من الإسرائيلين أنه يجب عليه التنحي من منصب رئيس الوزراء)[12](، بما يؤشر إلى فقدانه مكانته الشعبية، وتضرر صورته النمطية كقائد بشكل كبير، وعلى المستوى السياسي، إذا ما ثبتت أحد هذه القضايا، وتم توجيه لائحة اتهام ضده في أي منها فإن ذلك قد يضطره إلى التنحي عن الحكم)[13](، وتقديم استقالته من رئاسة الحكومة وذلك كفيلة بالقضاء على حياته السياسية، ودخوله السجن على غرار “ايهود اولمرت.

وفي هذا السياق بدأ التفكير جدياً داخل إسرائيل في مرحلة ما بعد “نتنياهو”، الوسط القيادي في حزب الليكود بدأ في دراسة البدائل القيادية المحتملة لقيادة الحزب في حال تنحي “نتنياهو”، وبدأت الشخصيات والأحزاب السياسية الاستعداد لمرحلة ما بعد نتنياهو في حال اجراء انتخابات عامة.

ثانياً: البدائل المحتملة في حزب الليكود.

ترى قيادات في حزب الليكود الحاكم أن عهد “نتنياهو” على وشك الانتهاء، على اعتبار أن التحقيق في هذه القضايا قد يؤدي إلى نهاية ولايته بعد 8 سنوات من الحكم، وترى بأن هذه المرحلة تتطلب من الحزب أن يبدأ بالتجهيز لمرحلة ما بعد “نتنياهو”)[14](، وبدأ فعلياً أعضاء في حزب الليكود يستعدون لسيناريوهات مختلفة في حال أضطر “نتنياهو” إلى التنحي في حال توجيه لائحة إتهام ضده، إذ بدأ عدد لا بأس به من أعضاء الحزب بتشكيل فصائل أو التفكير بترشيح أنفسهم لرئاسة حزب الليكود([15]).

وفقاً لهذا المنظور فإن مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها في حالة انسجاب “نتنياهو” من الساحة السياسية، ما هي بدائل حزب الليكود؟ ومن هو القائد المحتمل لقيادة الحزب؟، وبالنظر إلى الخارطة القيادية داخل حزب الليكود هناك منافسة قوية بين أربع شخصيات (جدعون ساعر، موشيه كحلون، موشيه يعلون، جلعاد أردان).

وأظهر استطلاع في شهر يناير أن “جدعون ساعر” الذي اعتزل السياسة منذ عامين ونصف يعتبر المرشح الأقوى لتولي قيادة حزب الليكود بعد نتنياهو، وكانت نتائج الاستطلاع على النحو التالي: جدعون ساعر 18%، موشيه يعلون 10%، جلعاد أردان 10%، موشيه كحلون 9% ([16]).

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة للحكومة.

في حالة اجراء انتخابات مبكرة على خلفية الأزمة التي يمر بها “نتنياهو”، هناك سيناريوهين محتملين لقيادة النظام السياسي الإسرائيلي:

السيناريو الأول على صعيد الشخصيات القيادية، أي من الشخصيات السياسية الإسرائيلية تتمتع بالقدرة على الفوز وتصدر الخارطة السياسية في إسرائيل؟، وفي هذا السياق يؤشر استطلاع الرأي إلى أن “يائير لبيد” زعيم حزب “هناك مستقبل” يعتبر الشخصية الأقوى لتولي منصب رئيس الحكومة في حال انتخابات جديدة، وكانت النتائج على النحو التالي:

“يائير لبيد”(حزب هناك مستقبل) 17%، “نفتالي بينيت” (حزب البيت اليهودي)، و”جدعون ساعر” (الليكود) حلا في المرتبة الثانية بنسبة 10% لكل منها، وجاء زعيم المعارضة ورئيس حزب (المعسكر الصهيوني) “يتسحاق هرتسوغ” وكذلك ووزير الدفاع السابق من (الليكود) موشيه يعالون في المرتبة الثالثة حيث حصلا على 6% لكل منهما فيما حصل وزير الأمن العام “جلعاد إرادن” على 5%، وحصل ووزير المواصلات “يسرائيل كاتس” على 3%)[17](.

والسيناريو الثاني على صعيد الأحزاب الساسية، أي من الأحزاب السياسية تتمتع بالقدرة على أن تحل محل حزب الليكود في قيادة النظام السياسي الإسرائيلي، وفي هذا السياق تُظهر استطلاعات الرأي المتتالية إلى أن حزب “هناك مستقبل” بزعامة “يائير لابيد” يُحرز تقدماً ملحوظ في المنافسة مع حزب “الليكود” بزعامة “نتنياهو”، حيث حصل وفقاً إستطلاع الرأي الذي أجري في شهر سبتمبر 2016 على (24) مقعدا” مقابل (22) لحزب “الليكود”، ووفقاً لاستطلاع شهر ديسمبر من ذات العام حصل الحزبين على مقاعد متساوية بواقع (25) مقعداً([18]).

غير أن الأزمة السياسية التي يواجهها “نتنياهو” انعكست على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، حيث يؤشر استطلاع الرأي التي أجرته شركتي(The Migdam and iPanel) في يناير 2016 إلى وجود تراجع لشعبية الحزبين الكبيرين (العمل والليكود) لصالح حزب “هناك مستقبل” بزعامة “يائير لابيد”، مع ثبات شعبية “القائمة العربية” بزعامة “أيمن عودة”، وتعزيز لشعبية حزب “البيت اليهودي” بزعامة “نفتالي  بينت”، وتعزيز واضح لصالح حزب “اسرائيل بيتنا” بزعامة “افييغدور ليبرمان”، مع محافظة الأحزاب الاخرى على مكانتها، وكانت النسب على النحو التالي:

حزب “هناك مستقبل” (26) مقعداً من أصل (120) مقعد، وسيحل حزب “الليكود” ثانياً مع (24) مقعداً، وتليه “القائمة (العربية) المشتركة” مع (13) مقعداً، و(البيت اليهودي) مع (12) مقعداً، و(المعسكر الصهيوني) مع (11) مقعد، وحزب (ميرتس) على (6) مقاعد، وستحصل باقي الأحزاب (كولانو) و(إسرائيل بيتنا) و(شاس) و(يهدوت هتوراه) مجتمعة على (6) مقاعد، وجاءت هذه النتائج مشابهة لإستطلاعات رأي أخرى أُجريت مؤخراً، والتي توقعت حصول حزب (هناك مستقبل) على العدد الأكبر من المقاعد متفوقاً بذلك على حزب (الليكود) الحاكم)[19].

المراجع:

([1]) عامر دكه، هل هذا هو التحقيق الذي سيُسقط حكومة نتنياهو؟، المصدر، إسرائيل، 27 ديسمبر 2016، الرابط: goo.gl/TF44Ef

([2]) Times of Israel staff, Cops said to be probing two more cases against Netanyahu, Times of Israel, Israel, January 23, 2017, available at: goo.gl/kQQ3pc

([3]) Tamar Pileggi and Raoul Wootliff, Investigation into PM deepens as wife, publisher said called to testify, Times of Israel, Israel, January 11, 2017, available at: goo.gl/9H9rjv

([4]) Raoul Wootliff, Police said to have hours of tape from Netanyahu-initiated ‘quid pro quo meetings, Times of Israel, Israel, January 10, 2017, available at: goo.gl/fljsfw

([5]) Raoul Wootliff, Newspaper publisher said to be at center of Netanyahu probe, Times of Israel, January 8, 2017, available at: goo.gl/qkvUto

([6]) Raoul Wootliff, Police said to have hours of tape from Netanyahu-initiated ‘quid pro quo meetings, Op. cit.

([7]) Raoul Wootliff, Netanyahu, lawyer in deep over alleged ‘pay for play’ submarine deal, Times of Israel, November 17, 2016, available at: goo.gl/mrxCKH

([8]) Times of Israel staff, PM praises Likud support amid graft probes, vows to stay in office, Times of Israel, January 27, 2017, available at: goo.gl/9u6tEM

([9]) Tamar Pileggi and Raoul Wootliff, Investigation into PM deepens as wife, publisher said called to testify, Times of Israel, Op. Cit.

([10]) Times of Israel staff, Sara Netanyahu grilled for 12 hours on alleged misuse of state funds, Times of Israel, December 2, 2016, available at: goo.gl/uv5hbE

([11]) Raoul Wootliff, Ex-PM aide sent to house arrest after 14-hour interrogation, Times of Israel,  July 14, 2016, available at: goo.gl/YxXl5K

([12]) Times of Israel staff, Most Israelis think Netanyahu lying about graft probes — poll, Times of Israel, January 17, 2017, available at: goo.gl/0wpK76

([13]) Times of Israel staff, Justice minister: No need for Netanyahu to suspend himself, Times of Israel,  January 12, 2017, available at: goo.gl/Y7Xx5o

([14])  Tamar Pileggi and Raoul Wootliff, Investigation into PM deepens as wife, publisher said called to testify, Op. Cit.

([15]) Times of Israel staff, Justice minister: No need for Netanyahu to suspend himself, Op. Cit.

([16]) Likud Led by Far-right Naftali Bennett Would Win Israeli Elections, Poll Says, Haaretz, Israel, January 22, 2017, available at: goo.gl/EZ2S8G

([17]) Times of Israel staff, Most Israelis think Netanyahu lying about graft probes — poll, Op. Cit.

([18]) Times of Israel staffm, Likud, Yesh Atid neck-and-neck in new poll, while Zionist Union sinks, Times of Israel, December 2,2016, available at: goo.gl/N6J6cP

([19])  Times of Israel staff, Most Israelis think Netanyahu lying about graft probes — poll, Op. Cit.

د.سليم محمد الزعنون

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية